رمضانيات (5)
في بيت الله
الدكتور عثمان قدري مكانسي
انتقلت إلى سكن جديد في حيّ آخر غربي المدينة، بعد أن شعرت أنني في الحي السابق تجذّرت علاقاتي بالناس في اجتماعياً وأنساً، فما كنت أشعر بالغربة – وأنا الغريب بينهم المهاجر إليهم - فقد كنت أتخولهم بما فضَل الله علي من حديث في أمور الدين في المساجد بعد الصلوات وفي المناسبات الدينية والاجتماعية وفي شهر الصوم الفضيل .....وأستمع إلى دروس بعضهم ومحاضراتهم فأُفيد علماً وأدباً. والإنسان بين متعلم ومعلم ومستمع، وهكذا يزداد المسلم خيراً في هذه الدنيا إلى أن يلقى ربه.
انتقلت إلى الحي الجديد، فكان أول ما بحثت عنه المساجد القريبة والبعيدة في هذا الحي، فهي الرئة التي أتنفس فيها، والرياض التي آنس إليها، وفيها أتعرف إلى إخوة جدد أرتبط بهم برباط الإيمان وعرى الدين القويم. فلم ألبث أسابيع قليلة حتى تعرفت إلى إخوة ذوي فضل وأدب وعلم. والإنسان اجتماعي بطبعه يميل إلى لقاء من يشعر أنهم أهل خير وتقوى، ولا نزكي على الله أحداً. إلا أن ذوي الكرامات على وجوههم علامات، هكذا تعلمنا من أساتذتنا ومربينا ...
في فجر هذا اليوم أسرعت إلى المسجد القريب، فصليت السنة، وتحية المسجد، ولم أبدأ بقراءة المأثورات حتى سمعت دعاء خافتاً من رجل على يميني، فنظرت إليه من طرف خفيّ، فإذا هو رجل في الأربعين من عمره أو يزيد قليلاً يسأل الله تعالى بلهجته العامية المحببة أن يغفر له ويرزقه، ويحفظه في دينه وصحته وأسرته والمسلمين. وسررت أن دعاءه لم يكن كله خاصاً به، إنما كان عاماً في أكثره. فأصخت السمع إليه وهو يردد كل دعاء مرتين أو ثلاث مرات، فيدعو لجاره ولأخيه ولأخته، وللمسلمين في أصقاع الأرض.
نظرت إليه مبتسماً، فرد بابتسامة أكثر لطفاً وأوسع بشاشة، ومد يده مصافحاً فسلم عليّ ودعا لي فأثلج صدري وجذبني إليه بأناة سلامه وحلو نبرته. ثم عاد إلى ما كان عليه من التبتل والدعاء ....
قلت في نفسي: يا ألله؛ ما الذي دعا هذا الرجل إلى أن يدعو للمسلمين في بقاع الأرض ويسترسل في الرجاء أن يحفظ المسلمين من كل سوء، وأن يزيدهم من خيره وبركاته ؟! إنه الشعور بالأخوّة الإيمانية والصلة الوشيجة التي تربطه بمن يراهم إخوته في العقيدة ورابطة الروح والمصير .. إنه منهم وهم منه، بل هو غصن رطيب في شجرة الإسلام الباسقة، وارفة الظلال، التي تظلل الجميع بفيئها، وتحنو عليهم بدَوحها، وتغذوهم بثمارها.
ما أجمل الصلة الإيمانية التي تأرز إليها قلوب المؤمنين، فتقوى لحمتها، وتتشابك جذورها وأغصانها، فإذا هي هدف واحد واتجاه واحد يصعد بقلوب المؤمنين إلى بارئها، فتلتقي في رحابه سبحانه. ورأيت نفسي أردد قصيدة قلتها قبل سنوات في أخي وحبيبي المسلم في الهند والسند وأندونيسيا واليابان وأوربا وأمريكا وأفريقيا .. إن أخي المسلم جزء من نفسي وشريك في هدفي، وعضدي في أملي وغايتي.
|
أحن إليك أخي المسلما |
وأسأل ربيَ أن تسلما |
وأرجو من الله في كل آنٍ |
ومن كل قلبيَ أن تنعما |
فأنت حبيبي وأنت صديقي |
وأنت نصيريَ إن ُأظلَما |
وفيك الأُخُوّةُ تثمر نوراً |
وفيك الودادُ كغيثٍ همى |
مصيري مصيُرك حلواً ومرّاً |
كلانا إلى المَكرُمات انتمى |
قضى الله أنّ الرباطَ العظيمَ |
رباطَ العقيدة ، ما أكرما |
يشد الأواصر بين العبادِ |
ويحيي القلوب بشرع السما |
وينشئ جيلاً قوياً عزيزاً |
يطاول فـي العـزة الأنجما |
ويقتلع الكفر من جُحره |
وفي الله يبذل غالي الدِّما |
أراك على البعد مهما نأيتَ |
بهذي الحياة ليَ التوأما |
وأشقى إذا شمتُ فيك هواناً |
حماك الإله وما أرغما |
وترتاح نفسي إذا عشتَ حراً |
وتسعدُ روحيَ أن تغنما |
وأنت الـشفاء لجرحي السقيم |
وكنتَ له دائما بلسما |
|
|