رمضانيات (7)
حُسن الخلُق ومداراة الناس
د: عثمان قدري مكانسي
- رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : أربعُ خلال إنْ أُعطيتَهنّ فلا يضرك ما عُدِل به عنك من الدنيا : 1- حُسْن خليقة ، 2- وعفافُ طُعمةٍ ،3- وصدقُ حديث،4- وحفظ أمانة .
ولعمري مَن حاز هذا فقد حاز الدنيا والآخرة كلْتيهما .
- وجاء رجل إلى وهْب بن منبّه ، فقال : إن الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه ( كثرت أخطاؤهم وحادوا عن الحق ) وقد حدّثتُ نفسي أن لا أخالطهم . فقال له وهب : لا تفعل ؛ فإنه لا بدّ للناس منك ، ولا بدّ لك منهم ، لهم إليك حوائجُ ، ولك إليهم حوائجُ ، ولكنْ كن فيهم أصمَ سميعاً ( تسمع وتتناسى ما سمعتَ) وأعمى بصيراً ( ترى أخطاءهم وتتغافل عنها ) وسَكوتاً نَطوقاً ( تتكلم في الوقت المناسب ما ينفع ) .
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : خالطوا الناس وزايِلوهم .. ( وهذا دأب الدعاة المصلحين ، فلا بدّ من مخالطة الناس لتدعوَهم إلى سبيل الحق وتدلهم على طريق السلامة ، وتذكّرهم بالله ، مع الترفع عن الخوض فيما يسيء ويؤذي )
- وهذا يؤيده قول أبي الدرداء رضي الله عنه : إنا لنَكشِر في وجوه أقوام ( نضحك ) وقلوبنا تَقليهم ( تـُبغضهم ) . وقال رجل لأبيه وقد رآه يتلطّف لرجل غليظ : لِمَ تجلس إلى فلان وقد عرَفتَ عداوتَه؟ قال : : أُخبي ناراً ، وأقدَحُ عن ودّ .
وقال الشاعر المهاجر بن عبد الله الكِلابي في هذا المعنى :
وإنّي لأُقصي المرءَ من غير بِغضة = وأُدني أخا البغضاء مني على عمْدٍ
ليُـحدِث وُدّاً بعد بغضـاءَ ، أو أرى = له مصرَعاً يُردي به اللهُ من يُردي
وقال عِقال بن شَبّة : كنت رديف أبي فلقيه جرير ، فحياه أبي وألطَفه ، فلما مضى قلتُ
لأبي : أبَعد ما قال لنا ما قال ؟! . قال : يا بنيّ : أَفأُوَسـّع جُرحي ؟ ( يتحاشى سلاطة
لسانه )
وقال ابن الحنفيّة : قد يُدفعُ باحتمال المكروه ما هو أعظم منه .
وقال الحسن البصري : مُداراة الناس نصفُ العقل .
- وفي المأثور " أوّل ما يوضع في الميزان الخُلُق الحَسَن . " وقال " حُسنُ الخلُق وحُسنُ الجوار يَعمُران الديار ، ويزيدان في الأعمار " وقال " منْ حَسّن اللهُ خَلْقَهُ وخُلُقَه كان من أهل الجنّة " .
- وقال ابن قتيبة الدينَوري : قرأتُ في كتب العجم : حُسن الخُلُق خيرُ قرين ، والأدب خيرُ ميراث ، والتوفيق خيرُ قائد .
وقال : قرأت في كتاب للهند : مَنْ تزَوّد خمساً بَلـّغـَتـْه وآنَسَتـْه : 1- كفّ الأذى ، 2-
وحُسْنُ الخُلُق ،3- ومجانبَةُ الرِّيَبِ ،4- والنبل في العمل ،5- وحُسْنُ الأدب .
- وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه : ثلاثة من قريش أحسنها أخلاقاً وأصْبحُها وجوهاً وأشدّها حياءً ، إنْ حدّثوك لم يَكْذِبوك ، وإن حدّثْتَهم بحق أو باطل لم يُكَذّبوك : أبو بكرٍ الصدّيقُ ، وأبو عبيدة بنُ الجرّاح ، وعثمانُ بن عفـّانَ رضي الله عنهم وأرضاهم .
قال الشاعر :
فتىً إذا نبّهْتـَه لم يغضبِ = أبيضُ بسّامٌ وإن لم يعجَبِ
موكّلُ النفس بحفظ الغُيّبِ = أقصى رفيقيه له كالأقربِ
وقال يزيد بن الطّثَرية :
وأبيضَ مثلِ السيف خادمِ رِفقةٍ = أشمّ ترى سِرباً له قد تقدّدا
كريمٍ على عِلاّتِـه ، لو تسـُبـُّه = لفدّك رِسلاً ،لا تراه مُرَبّدا
يجيـب بـِلَبّـيـه إذا ما دعَـوْتـَه = ويحسب ما يُدعى له الدهرَ أرشدا
فمن سماتُه التلبيةُ ونسيانُ أذى الآخرين مع كرم النفس وسماحة القلب جدير أن
يكون الصديق الذي نعضّ عليه بالنواجذ
- ومدحَ ابنَ شهابٍ شاعرٌ ، فأعطاه ، وقال : من ابتغى الخيرَ اتّقى الشرّ .
فمن أكرمتـَه اتقاء شرّه وتخلّصاً من أذاه شيطان رجيمٌ ، ومارد خبيثٌ .