كنت في طريق العودة على متن الخطوط الجوية العالمية التي تنتمي إلى كل بقاع الأرض، وأنا ممن يسافر كثيرا بحكم ظروف عملي التجاري بين الأقطار المختلفة والأصقاع المتباينة، مهنة متعبة وحرفة شاقة لكنها لا تخلو من أطياف من المتعة تتخللها بين الحين والآخر، لا أحدّث عن مهنتي أحدا في العادة ولكني آثرت ذكرها اليوم رغما عني وأنا قابع في العتمة في طريقي إلى اعتزالها لظروف قاهرة وشؤون دولية، وعلى العموم فقد بدأت مؤخرا أشعر بالملل من السفر وترتيباته والترحال وتبعاته عداك عن البعد عن الأهل والأصدقاء في الوطن الأم، ورغم أن كل فندق أنزل فيه أو منتجع أحل عليه يرعى لدي أصدقاء من الرجال والنساء في الاستقبال وفي المطاعم يرحبون بي كلما عدت فأشعر بالسعادة أن هناك من يعرفني ويرحب بي. في حقيقة الأمر أنا لا أملك جواز سفر معين وأدخل الأماكن من دون تمييز فلا أحد يستطيع تمييزي عن أحد، أنخرط في جميع الجنسيات والأعراق، لا أتبدل أو أتشكل بين الحين والآخر إنما أملك من السحر حيث أكون كما أريد أن أكون أمام غيري وبذلك أتخطى جميع الحدود الجغرافية والجنسية وكل التعليقات العرقية. ومنذ يومين انتهت أعمالي الطويلة في رحلة شاقة وأدركت طائرة للعودة وفي نيتي أن أستريح شهرا أو شهرين قبل رحلة جديدة فجسمي لم يعد يملك من القوة مثلما قبل، جلست متعبا في كرسي الطائرة بعد أن كورت حقيبتي المنتفخة في الدرج العلوي، ثم رفعت رأسي من جديد فالتصقت أم رأسي بأسفل ذقن رجل واقف فوقي وهو يضع حقيبته في الدرج نفسه، لم أره، سمعته يصدر صوتا من الألم ثم رأيته وهو يضع يده بسرعة على رأسه ممسكا بطاقية مسطحة مثبتة على أعلى رأسه بدبوسين أو ثلاثة، جلست مضطرا ونظرت للأعلى محاولا الاعتذار له فإذا به يصفعني على وجهي، نهضت متثاقلا أنظر إليه مستغربا فصفعني أخرى أشد وأقوى، لم أتمالك نفسي فضربته ثم استدرت وجلست في مقعدي، خيم السكوت على الأجواء وران الصمت على المحيطين وانشغل الركاب كل مع نفسه ورأيت المضيفة تنسحب من المكان بدلا من التقدم لتحري الأمر، في تلك اللحظات أردت أن أكون كما أريد أن أكون كي لا أقع في مشكلة وكالعادة أستعمل سحري لأتشكل بما أريد، هذا مع أنني أملك الحق فهو البادئ بالظلم.... ثم في المطار وتحت حراسة مشددة على غير عادة قلت نعم ضربته ضربة طفيفة دفاعا عن النفس، أرجو أن تسألوا المضيفة والركاب المجاورين فقد رأوا كل شيء ، قالوا لا لا هو أنّبك فقط وأخذ على يدك دفاعا عن النفس فقد أتيته أنت من الأسفل مرة ثم من الأعلى مرة أخرى، دهشتُ للأمر وفوجئت من التعليلات المقلوبة ثم عشت لحظات رهيبة سوداء أحاول الدفاع عن نفسي وعن موقفي ولا شاهد لدي فقد سافر الجميع، وقوات الأمن لا تعترف بأحد ولا تريد استجواب أحد على الإطلاق، يا لها من ورطة!... لا لا إنها مسألة بسيطة فإما أن أدفع غرامة أو أعتذر من الرجل ونفض الخلاف ثم نستقل الطائرة القادمة، لكنهم وبعد مداولات كثيرة وضغط نفسي مضاعف في هذين اليومين وضعوني في غرفة معتمة من غرف المطار ثم أرسلوني في سرداب طويل إلى الطائرة الخاصة بمعتقلي المطار وقالوا: أنت متهم بمعاداة السامية ولا داعي للمحاكمة فقد ثبتت التهمة عليك باعترافك الشخصي ولذا سيتم اتخاذ الإجراءات التالية:
- السجن لمدة عشر سنوات
- الحرمان من الزيارات العائلية
- إدراج اسمك الكامل واسم أهلك المقربين في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية تحت بند معاداة السامية
- تمنع من السفر على طائرات العالم جميعها مدى الحياة وإذا أردت التنقل عليك أن تجد عنقاء تحملك إلى حيث تريد ولن نجعلك تصل إلى حيث تريد.