.
.
.
على أبواب المطابع تتزاحم أكتاف الحروف ...
تندلق على أوراق نجت من حطام انسان ..
تلبس أثواب الحبر لتزين كل رصيف ..
و تخيط أثواب دفاتر الأحزان بالذكرى التي لاتموت
وتؤلف لحنٌ مر للعمرالذي يطير للوراء حتى يموت عند حدود
قبرلا يعرف إلا كلام الأكفان .
وأعمارنا أجندة لطموحاتنا المستمرة
وحالما تتوقف توقفتْ الحروف عن السير في طريق المجهول
الذي يقتلنا فضولنا لنتعرف عليه رغم هروب هويته
فهو سجين هارب من أقفاص أحلامنا وجنود القلم
هم وحدهم من يقبضون على أثاره في المدى.
شهادة الميلاد تؤرخ عمري بحروف فهي لاتكتفي بالأرقام بل لتأكيد
بياناتنا لابد من الحروف ...
وتؤرخني بأجسادها التي أكتبها في صفوف الدراسة و تنمو معي وأنمو معها
..
وفي عالم الحرف نعلن عن فلسفتنا على الصغار المبتدئين في ساحتها والمتلعثمة
هي في عقبات أفواههم لتتعثر وتسقط دون معنى واضح من أوطانهم المكبوتة
بالرغبات التي يريدوا أن يعلنوا عنها ..عن ماما وبابا أو عن حلوى يتمنوها
أو ماء يشربوه ليكون في البدء ايحاءة وايماءة ثم بء بء إلى أن تستقيم لهم الحروف .
كم للحروف من أمجاد وخطى في سجلاتنا ترفعنا في مناصب
وتقيدها بشهاداتنا وسمو علمنا
ترسم قدرتنا في c.v وتشرح فيه كم من الوقت بذرنا فيه وكم منه لعبنا
,تصف مشهدنا مع الواقع ..متى رسبنا لترسم في مخيلتنا حروفا
بأفواه جائعة للفرح , وصوت زاعق من أحدها على جبل ليتردد الرجع
في انحاءنا ..إنه صوت الحرف الذي يتحلق في سماءنا دون اندثار
حتى نندثر نحن ويكمل بعدنا ذكرانا مع الدنيا .
هذه الحروف تقيمنا بمرضى عقليين
في المصحات حالما تتفرغ من معانيها في أفواهنا ,حينما نصبح بلا عقل
يترجم كلمة واقعية تعلن عن تواصلنا مع الحياة
,وأما حال موتنا تكتبنا في بلاغ الوفاة والوصية ..
وهي لساننا المأثور يبقى لحين تأكله أرضة النسيان .
وفية جدا لنا حينما تمنع يد الغياب من مسحنا من لوح الذكريات
إلى وقت ما ليجدنا فيه شخص ما مكتوبون ..فيترحم على ذكرى جمعتنا ..
كم شخص قد ترحمنا عليه حال ظهور سطوره أمام أعيننا ..كثير !!
وليست إلا الحروف تحضره من بواتق الماضي ليعج بأدمغتنا لحظتها ..
و عني أنا فأبحث في الحروف
عن وطن أريد البوح به ..عن إزميل يهشم ثلج الصمت الذي يصنعه الترميز
عن قلم لا يبعثر قوافلها كلما مر بها سارقوا الكلام
حال نبوته في فم جريح بالصمت ..
.
أبحث عني فيها فلا أجدني إلا في قسوة ملامحها
وفي صوتها المبحوح ...
وفي جرحها المُعلق فوق نافذة لاتسكن فيها رياح
الأموات ..
في قلبها الذي لايدرك إلا الرحيل لمحطات الأحزان ...
في عينيها التي تفتش في حقائب الأفراح ولاتجد بها إلا البكاء ..
.
والحروف لها قوانين ودساتير
لن يملك عرشها إلا من كان الصدق له عنوان
وأنا ما بقي من رمح ولا سهم لي
إلا وكسره يد غول الزمان الكاذب فيده تدرك لغة البراعة
في التصويب لحروف ملت من الكتمان ,لذا احتشد الاختناق في حلقي منتحبا
من زحام الحروف الذي لاينتقل في فراغ الكلام ,
فصوتها الحقيقي يموت حال نهوض مدن الكذب
و لابد من زيف يعتمرها لتسير أقدامها في زمن النفوق والأساطير .
لن يقدسوا إلا حرف زاغت به الأبصار والقلوب ولن يستنفروا إلا لقول
يصف جسد الشهوات .ولن يحاربوا إلا حرف الحقيقة فصوته نشاز في هذا العالم
لذا الحروف الصادقة تسير وحيدة بلا أصدقاء .
أشعر أن حقيقة حروفي تموت وتذوب في يدي كلما هممت بزرعها
في أوراق الفراغ لأني صرت أكذوبة لا أعرف نفسي في واجهات المرايا
فهي تخدعني لتزيل عني معاني الكلام الذي أحب
أشعر أن الصمت أولى لي رغم أن الكلام بركان
كامن من عمق الأرض الغائضة بالصُهار ولابد له من آون للإنفجار ..
والفتور سمة قاتلة أيضا حينما يجتاحنا لذا لابد لها من حرب شعواء
حتى تتجدد أنفاس الحياة ..ولكن كيف نكون صادقين دون أن يعبرنا نهش الزمكان ؟
كيف لنا أن نتكلم إلا إن كنا سنرسم جراحنا
في بذات الدثار لتدفئنا من شتاء النقد وهي وسيلتنا لنتنفس على الأوراق ,
المهم أن لايصل أحد لقلاعنا التي نعتقد أنها حصينة ..
وأزمة الصمت لاتنقضي ..
ترتمي في عنقي كالقيود تكبلني ..
طالت مسافات بين حنجرتي وقلمي والطريق بينهما كله
حفر وهاويات تقطع أي وصال .
صمتي غريب يعلن عن وجود زلزال بالداخل
رغم أن الهدوء يعم في الخارج ..
وصوت عصفور الدوري الذي عج زمنا في داخلي
قد ذُبح بيد الواقع الزائغ
فبقي ملقى على قارعة الأنفاس التي لاتعود ..
وسفني غادرتها كل الموانئ لم تعد تعرف
لها من مقر لترسو عليه ,بل تتهوه في صحراء التيه العمر
كله .
وثائق الحروف وحدها من يُعبر عنا ولكن
لابد من الصدق لنتنفس بها وتحيا هي بنا. .
.
.
.