الكثبان الهائجة
تنعم واحة من النخيل والأشجار بالحياة الهادئة المثمرة في الصحراء ، تـُسقى من بئر عميقةٌ، ويجد ساقي الواحة صعوبة كبيرة في إخراج الماء منها بدلو قد يسع عشر لترات في كل مرة ، ليسقي أشجارها ونخيلها الكثير نسبياً مقارنة بدلو الماء الصغير ، إلا أن الساقي رغم هذا كله يجهد نفسهُ في سبيل إعطاء النخيل والأشجار الماء ، لأنهُ سوفَ يجني منها الرطبَ والثمار والتمر والتي تعد المصدر الرئيسي لعيشه .
العجيب في الأمر أن هذا الساقي رغم تعبهِ الكبير في السقاية والعناية فهو يستمتع كثيراً أثناء مزاولة عملهِ إلى درجة أنهُ يعشق عملهُ الشاق ، ومن شدة عشقهِ لعمله نسى المجهود الذي يبذله من أجل هذه الواحة الكريمة .
وخلال فترة من الزمن وإذا بالكثبان الرملية تتهاوى نحو الواحة لتبدأ بطمر معالم تلك الواحة الجميلة شيئاً فشيئاً ، عندها سألت الواحة الرمال:
- لماذا تقسين عليَّ أيتها الرمال؟!! أجابت الكثبان :
- لا تسأليني يا عزيزتي ، فلست أنا المسؤول عن تحركي باتجاهك ، هناك عوامل تجبرني على أن أتقدمَ نحوَكِ وأن أمحو معالمك شيئاً فشيئاً .
- من الذي يدفعك أيتها الكثبان؟!!
- إنها الريح هي التي تقوم بإجباري على التحرك باتجاه معين .
- فهمت، حكايتك أيتها الكثبان.
وعندما بدأت الريح هبوبها لتحرك النخيل والأشجار الموجودة في الواحة، بادرت الواحة الريح بسؤالها :
- لماذا أيتها الريح تجبرين تلكَ الكثبان للتقدم نحوي وإنهاء آثاري؟!!
قالت الريح بدهشة :
- أنا يا واحتنا الجميلة أجر الكثبان على إنهاء وجودك ؟!!
- نعم .
- وكيف حصل هذا ؟!!
- عندما تبدئين بالهبوب وتبدأ أشجاري بالتحرك ، تبدأ معها الكثبان بالتحرك أيضاً ، مما يؤدي بها إلى التقدم نحوي..
فقاطعت الريح الواحة وقالت :
- أنا لم أفعل هذا بقصد إنهاء وجودك إنما أقوم بالتحرك من أجلك !
- من أجلي؟! كيف ؟!
- نعم من أجلك ، لكي أمدك بالهواء النقي الكافي ، ولتأخذ أشجارك الهواء الضروري لعملية البناء الضوئي ، ولأحرك أوراقها وسيقانها فتذهب عنها الأتربة والملوثات ، وليستمتع الساقي بالنسيم العليل في واحته ، فيزداد حُبُها في قلبه ، وتزداد عنايته بكِ!!
- هذه نيتك إذا ، وذلكم هو تفسيري ، المعذرة أيتها الغالية !