السلام عليكم
دوائر الخليل
إن الخليل بن أحمدالفراهيدي يعد من أعظم العبقريات التي عرفها العرب ،
وهو مؤسس علم العروض، و هو مبدع دوائر البحور.
و هناك من أطلق عليها اسم : دوائر الخليل نسبة له و عرفانا له بأسبقيته .
و قد جمعها فيما بعد الأستاذ و المهندس خشان محمد خشان ، في شكل واحد أسماه (ساعة البحور ). وهي تمثل لب تفكير الخليل، و جوهره.
يقول الأستاذ خشان :
ومن شأن الإحاطة بها - أي بالدوائر -أن تقرب الإنسان إلى أدنى مكانة ممكنة من تفكير الخليل.
كما أن من شأنها أن تجعل المرء ملما بأغلب عروض الخليل بصورة تجريدية بسيطة
مبرأة من عبء المصطلحات التي أثقلت هذا العلم ،
نتيجة بقاء هذه الدوائر على هامش العروض قرونا ،
في حين استأثرت باهتمام الناس طريقة التفاعيل،
والتفاعيل طريقة جميلة للشرح أقرب ما تكون إلى وسيلة الإيضاح،
ولكنها تقدم هذا العلم جزئيات مفككة بل وتحول دون توجه عقل القارئ لربطها في إطار كلي
كما كانت لدى الخليل.
إن دوائر الخليل هي الأقرب تمثيلا للبصمة الفكرية للخليل، وهي تمثل جوهر رؤيته وشمولية تفكيره ،
وقد حصر في تلك الدوائر كافة الاحتمالات الممكنة لتوالي المقاطع ( الوحدات الإيقاعية ) ثم حدد المستعمل منها والمهمل.
يقول الأستاذ سليمان ابو ستة :
..
ونظام الدوائر العروضية الذي ابتكره الخليل وإن بدا بسيطا في غاية البساطة،
فإنه لا شك يستند إلى مبدأ الدائرة في الرياضيات ويهدف إلى حصر كامل الأنساق
التي تتخذها الوحدات العروضية من الأسباب والأوتاد في تراصها على محيط الدائرة
ومن ثم جمع الأنساق التي تتباين في النظر إليها فرادى فإذا نظرت إليها من منظور الدائرة
وجدت هذه البحور من أصل واحد وهو ما استغربه المعري حين رأى المديد
(على قلة أصله) يجتمع مع الطويل والبسيط ( على شرف محتدهما ) في دائرة واحدة.
وإنما المسألة في نظرنا ليست أخلاقية ،
إذ هي لا تتعدى في الواقع فكرة إيجاد سبيل محدد للتصنيف.
والفكرة ذاتها طبقها الخليل في معجم العين وقد جعلته يحصر كل إمكانيات اللغة
كما حصر كل إمكانيات العروض في دوائره .
الفرق الوحيد بين الفكرتين أن تقليب الكلمة كان يسير في كلا اتجاهي الدائرة ،
وكان يتخذ من مبدأ التباديل والتوافيق سبيلا لتحقيق هذه الغاية من التصنيف ،
ولم يعترض أحد على هذا التصنيف اللغوي ليقول كيف يجتمع الجذر المتداول (حضر)
مع الجذر(رضح) الذي يدفع بك إلى المعجم لمعرفة معناه .
فدوائر الخليل هي النموذج الأمثل و الأشمل لتوضيح العروض ،و استخراج أوزان البحور ،
و اكتشاف العلاقات فيما بينها .
و من وحيها إخترت لكم هذا الموضوع الذي نحاول فيه الإنتقال ما بين البحور ، متمثلين في ذلك
وحدتها و شموليتها و ترابطها ، وهي عملية لا تخلو من التشويق و الإثارة و المتعة أيضا .
و أختم مقدمتي بهذا المقتطف
:
يقول الأستاذ ميشيل أديب : في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:
" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية لتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "