أهمية الكتابة ..إهداء إلى ..الأخت الكريمة فاطمة عبدالقادر التي كان تعقيبها على موضوع ( تسألني من أنا ) سبباً في كتابة هذا المقال .
الأفكار وإن كانت عظيمة ، فإنها تنفلت وتتناثر إذا لم تقيّد بالكتابة ، وقديماً قالوا : " قيدوا العلم بالكتابة " .
والكتابة أياً كان شكلها أدباً أو غيره ، هي التي تحافظ على الأفكار من الضياع وتضمن لها البقاء والاستمرار ..
فالكلمة المسطورة هي السفير الذي لا يضع عصاه عن كاهله ، والذي يجوب العصور والأجيال ، فيحيي ما مات ، ويصل ما انقطع ، ويجمع ما اندثر وتفرق ..
الكلمة المسطورة هي التي تنقل لكل فرد ثراء العقل البشري وإبداعه في مسيرته الهادرة ، فستنقذ هذا الثراء والإبداع من الموت الذي يداهم الجسد البشري فتفنيه كأن لم يكن ، تستنقذ آثار الأمم وتاريخها وتراثها وأغنى أجزاء حياتها من روح وعقل ، ثم تهب بعد ذلك لكل هذا خلوداً تتحطم عليه كل إرادة الفناء ومحاولات العدم ..
نعم .. إنه القلم وما يسطرون .. يقسم الله تعالى بهما ، منوهاً بقيمتها معظماً بشأنهما ، فهل يبقى من شك بعد ذلك في أن الكتابة هي عنصر أساس في النهوض بالحياة الكبرى ..
يقول فولتير عن قوة الكلمة : " إن الكتب تحكم العالم أو على الأقل فإنها تحكم الشعوب التي لها لغة مكتوبة ، أما بقية الشعوب فلا تهم " .
ويقول نابليون ـ وهو الجندي المحارب ـ عن مدى أثر القلم والسطر : " لقد كان في وسع العائلة المالكة البقاء في الحكم لو سيطرت على الأقلام وراقبت الكتابة ، لقد قضى ظهور المدفع على النظام الإقطاعي وسيقضي القلم والحبر على النظام الاجتماعي الحديث " .
أما مؤسس الهند الحديثة فله مع الكتاب قصة ، فعندما كان غاندي في جنوب إفريقيا 1907 ينشد الخلاص لبلده الذي كان يعاني اضطهاداً واستعباداً وذلاً ، في ذلك الوقت أهداه صديق له كتاباً لـ ثورو " العصيان المدني " 1849 ، فأشعل في وعيه النار ودلّه على طريق الخلاص ، يقول غاندي : " وبينما أبدأ نضالي ، تلقيت من صديق لي كتاب العصيان المدني فما إن قرأته حتى ملأني قوة ويقيناً وذهبت أترجم بعض فقرات منه وأنشرها في المجلة التي كنت أصدرها في ذلك الحين ... ولقد كان في كلمات " ثورو " من صدق التعبير وقوة الإقناع ما جعلني اشعر بحاجتي إلى المزيد من المعرفة بـ " ثورو " " .
هكذا هو تأثير الكلمة المكتوبة ، حتى وإن كانت منسية في زخام المكتبات ، لكنها قيمة كبرى ، تنفجر في اللحظة المناسبة ، على يد من يقدرها ويعرف كيف يفعلها في الحياة ..
هكذا تفعل الكتابة ، الكتابة التي تتحول عملاً وبذلاً وتضحية .. كما فعل سيد قطب ( رحمه الله ) عندما مزج الفعل بالعمل فقال للذين أرادوا أن يفرقوا بين أسطره وعمله : " إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر فيه حكم طاغية " .
هذا .. ويجب على الكاتب أن يعرف أنه أمين للفكر والحقيقة ، وأنه إمام متبوع ، فعليه إذا رأى الصواب أن يؤيده ويسانده ، وإذا رأى الخطأ أن يشير إليه ويفنده .
الكاتب الذي يقف مع كلمته ، يفعل ما يقول وما يسطر ، يناضل .. يكافح ، لإيصال الحقيقة للإنسان ، لإنارة الفكر والوجدان ، الكاتب الذي يصف لنا ـ كما يقول تولستوي ـ عالم الله .
ولئن كان السيف كما قال الشاعر :
فإن القلم هو الذي يصقله ويوجهه ، وينير له الظلمات ....... أصدق إنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب