صوت الضمير
( مهداة إلى روح المرحوم الكبير والرائع محمد الماغوط)
شعر: أحمد عبد الرحمن جنيدو
ـــــ 1 ــــــ
صوت الرجوع أغيب فيك،
نداء صبح ٍ ساكن العفن ِ.
هل لي بعينيك الصباح؟!
أم الصباح يهاجر العشاق يا وطني.
عصفورتي ونبوءتي وحكايتي ،
بطفولة الشجن ِ.
في آخر الأحزان أنت ,
تعود منك ولادتي,
قتلوك مرّات ٍ ولمْ تدفنْ,
صباحاتي بلا خبن ِ.
لم نعرف ِ الأسرار في الدفن ِ.
فرجعت أعشق شبه حزن ٍ ساحليّ,
يصطفي متقلـّباً في الجهل في ذهني.
وخديجة العربية السمراء
داخل سورك العصريّ يا زمني .
ها ألعق الصوت الأخير,
أموت شوقاً خارج الوطن ِ.
أجترُّ فيك عبير شرقي الماضغ المحن ِ.
يا قبلة ً محروقة ً ضاعتْ بلا بيروت لا عدن ِ.
يا طفلة ً مقتولة ً,
يا ورقة ً تحت الحطام,
وموجة قدْ أغرقتْ سفني .
يا جرحنا العاديّ ما اسمك؟
ــ نبضة ً ؟!
أترى اسمه وطني ؟!.
صار النزيف مساحة البدن ِ.
قلت النزيف غناء روحي عاشقاً وهني .
لا تسمعوا هذا الغناء,
فإنّه من ظلمة السجن ِ.
وبداية الكفن ِ.
يا جرحنا العاديّ ما اسمك ؟
ـــ طلقة ً؟!
أترى اسمه وطني .
ــــ 2ــــ
آه ٍ دعيني في جنون الغربة السوداء,
إنّ الغربة السوداء ألوانٌ,
كما الألوان في الوثن ِ.
مثل البياض بدمعتي,
مثل السواد بحسرتي,
مثل احمرار دم ٍ بصبغة طعنتي,
أو مثل قبلة وجدك النتن ِ.
فأخاف عينيك الجميلة تأسر الإحساس في شجني.
وأخاف نهديك المثيرين الذين سيكسران حقيقة الإصرار في العلن ِ.
أنا فارسٌ ومطاردٌ,
قذرٌ بلا سكن ِ.
عشرون عاماً زرت كل الأرض من مدن ِ.
ألا بلادي قد عجزت النوم فيها,
أغلقوها قمقم الحصن ِ.
عشرون عاماً أصهر الزيتون في عينيك,
لكنَّ العيون تقول لي: لمْ تعترف بي يا فتى الفتن ِ.
وتقول لي:
لا تنجرفْ للحبِّ من غير الضحايا,
والضحايا كثرة ٌ,
كوسامة الشعر المخادعة النضال
بها العظيم مصاهر الوثن ِ.
ـــ 3 ـــ
مازلت أذكر صوت عصفور ٍعجوزاً شاعراً أحدبْ.
والوقت يمضي الهينة الكسلى
وبين الشعر والصوت الذبيح فواصل ٌ,
أرأيت فاصلة ً ولمْ تكتب ْ.
كتبتْ دعاءً أفصعاً أشعبْ.
رسمتْ بكاءً أشنعاً أجدبْ.
كل المشاعر في الصميم منابعٌ تنضبْ.
وحقيقة ٌ من كفرهمْ تغلبْ.
والصمت خيّم للمآذن والكنائس,
والدعاء رجولة ٌ تعطبْ.
وطن ٌ يغيب الآن عن أرض ٍ،
ولم يهرب ْ.
والنفس خائفة ُ الكرامة هل ترى تعتبْ.
كل الأمور بلا رجولتها غداً تغلبْ.
فاحذرْ صراخك إنَّ صوتك في النهاية عورة ٌ,
والصوت قد يصلبْ.
ــــ 4 ــــ
يا صاحبي أين اللقاء الرائع الأخّاذ في مرثيّتي ,
حين المغيب يضاجع الكأس الأخيرْ.
حين النهايات المريرة تعلن الصوت النذيرْ.
حين الخسارات المريبة تفرض القدر الكبيرْ.
والشعب يبكي للرغيف,
رغيفنا الأسن العظيم المستديرْ.
لا يسأل الشعب الأسيرْ.
أين الرغيف الطامس الممروغ
بالإذلال والقهر الحقيرْ.
أين الحنين إلى مواويل الرجوع إلى الضميرْ.
فبنادق التحرير قد صدأتْ,
وشوارع العشّاق قد حفرتْ,
وحدائق الأحلام قد حرقتْ,
وحقائق التاريخ قد دثرتْ,
ومشاعر الإنسان قد دحرتْ,
والصوت ينزف جرحك الدفّاق ,
هذا الصوت زمّارٌ قصيرْ.
أجثو على القبلات منتظرَ الوصول إلى العبيرْ.
فأبيع حلمي للدعاية,
وانتمائي كونياكاً,
والدماء كجزية ٍمفروضة ٍ ،
يا أيها الشعب الفقيرْ.
صوت الرجوع أغيب فيك
دعاء شعب ٍ صاح يا صوت الضميرْ.
ـــــــــ
أيار ـــــــــ 2000