بحر الرّمَلبحر رقيق رشيق، رائق الإيقاع، كثُر استعماله في الزهريات والموشحات، وإنْ قَلَّ في دواوين الطبقة الأولى.
يقالُ إنه سُمِّيَ بذلك لسرعة النطق به.
يقوم إيقاعه أساساً على تكرار التفعيلة (فاعلاتن)، وزحافها (فعِلاتن).
ولا تذكر له كتب (العروض الخليلي) إلاّ ستة ضروب؛ ثلاثة منها تامّة، وثلاثة مجزوءة.
1- فاعلاتن فاعلاتن فاعلن = فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتنرأس القوالب الخليلية، وعليه شعر كثير؛ قديم وحديث، ولذلك نكتفي بإيراد بعض الشواهد الحديثة.
يقول عمر أبو ريشة:
قلتُ يا حسناءُ مَنْ أنتِ؟ ومِنْ=أيِّ دَوحٍ أفرعَ الغصْنُ وطالامن أكثر قوالب الرمل الخليلية شيوعاً واستعمالاً، وعليه شواهد جمّة.
فرَنَتْ شامِخَةً أحسَبُها=فوقَ أنسابِ البرايا تتعالى
وأجابتْ أنا من أندلُسٍ=جنّةِ الدنيا سهولاً وجبالا
وجدودي؛ ألمَحُ الدهرَ على= ذكْرِهمْ يطوي جناحَيْهِ جَلالا
2- فاعلاتن فاعلاتن فاعلن = فاعلاتن فاعلاتن فاعلانْ
يقول شوقي:
غرسَ الناسُ قديماً وبَنَوا=لم يدُمْ غرْسٌ ولم يخلدْ بناءْوهو أكثر قوالب الرمل الخليلية شيوعاً واستعمالاً وجمالاً، وعليه شعر كثير جداً.
غير غرسٍ نابغٍ ، أو حجَرٍ=عبقريٍّ ، فيهما سرُّ البقاءْ
مِنْ يدٍ موهوبةٍ مُلهَمَةٍ=تغرسُ الإحسانَ أو تبني العَلاءْ
3- فاعلاتن فاعلاتن فاعلن = فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
يقول ابن زيدون:
ودّعَ الصّبْرَ مُحِبٌّ ودّعَكْ= ذائعٌ من سِرِّهِ ما استودعَكْقالبٌ جميل، ذكره الخليل، إلاّ أنه نادر الشواهد، حتى أنكره المعرّي قائلاً: "ويُقال أنّ هذا الوزن لم تستعمله العرب".
يقرعُ السّنَّ على أنْ لم يكنْ=زادَ في تلكَ الخُطا إذْ شَيّعَكْ
يا أخا البدر سناءً وسَناً=حفِظَ اللهُ زماناً أطلعَكْ
إنْ يطُلْ بعدكَ ليلي فلَكمْ=بِتُّ أشكو قِصَرَ الليلِ معكْ
4- فاعلاتن فاعلاتن = فاعلاتن فاعلاتانْ
شاهده الوحيد في كتب العروض قولهم:
يا خليليَّ ارْبِعا واسْـ = ـتَخْبِرا رَبْعاً بعسفانْيقول د.شعبان صلاح: "وليس لهذه الصورة فيما أعلم نماذج أخرى تعضدها، مما يرجّح أنها صناعة عروضية". وما أجملها من صناعة!
وقد جاء عليه قول الشاعر الجاهلي؛ عدي بن زيد العبادي:
أيّها الرّكْبُ المُخَبّـ = ـونَ على الأرضِ المُجِدّونْ
فكَما أنتُمُ كُنّـــا=وكما نحنُ تكـــونونْ
وجاء في جمهرة النسب لامرأةٍ من بني نَهار:
أيها النّاعي صُفَيّاً= هلْ سمعْتَ اللهَ يَنْعاهْ
وصُفَيُّ بنُ حُيَيٍّ= أكرَمُ الناسِ وأوفاهْ
وصاغَ له ابن عبد ربّه المقطوعةَ التالية:
يا هِلالاً في تَجَنّيـهْ=وقضيباً في تَثَنّيـهْوهو قالب خليلي كثير الاستعمال جداً.
والذي لستُ أُسَمّيـ=ـهِ ولكنّي أُكنّيهْ
شادِنٌ ما تقدِرُ العَيْـ=ـنُ تراهُ منْ تَلاليهْ
كلّما قابَلَهُ شخْـ=ـصٌ رأى صورَتَهُ فيهْ
لانَ حتّى لو مشى الذّرُّ =عليهِ كادَ يُدْميهْ
5- فاعلاتن فاعلاتن = فاعلاتن فاعلاتن
لأبي ريشة:
ربِّ طوّقْتَ مَغانيــ=ـنا جَمالاً وجَـلالاقالبٌ خليليٌّ، عليه أشعارٌ كثيرة؛ قديمة وحديثة.
كيفَ نمشي في رُباها الـ=ـخضْرِ تيهاً واختيالا
وجراحُ الذلِّ نُخفيـ=ـها عن العزِّ احتيالا
ردَّها قَفْراءَ إنْ شِئْـ=ـتَ ومَوِّجْها رمالا
نحنُ نهواها على الجَدْ=بِ إذا أعطتْ رجالا
6- فاعلاتن فاعلاتن = فاعلاتن فاعلن
يقول أبو فراس الحمداني:
لا وحُبّيكَ الذي أوْ=رَثَني طولَ السهَرْوللسراج الوراق:
ما رأتْ عينايَ مِثْلاً=بينَ بَدْوٍ وحَضَرْ
لِسُلَيمى، إذْ سُلَيمى=سافِرٌ مثل القمَرْ
ما أُبالي بعدَ يومي=طالَ ليلي أم قَصُرْ
قلتُ إذْ جرّدَ لحْظاً=حدُّهُ يُدْني الأجَلْ
يا عَذولي كُفَّ عنّي=سَبَقَ السيْفُ العَذَلْ
ولحسن الحظ؛ لم يقف الشعراء عن هذه الضروب الستة، التي جمد عندها العروض الخليلي، بل نزعوا في شعرهم إلى الجديد مما لم تذكره هذه الكتب!
فما الجديد في وزن الرمل؟