السرطان أو "الخلية المتمردة": هي خلية كانت طبيعية الشكل و الوظيفة و من أصل الجسم حتى اعتراها الشذوذ فشذت عن الركب بأمر ربها. شذت شكلاً كأن أصبحت كبيرة و مستهلكة للطاقة بشكل مفرط و زاد انقسامها و كثرت بالتالي أخطاء انقسامها فخرج منها الطفرات و تكورت على شكل ورم "كتلة". أو شذت وظيفياً فأصبحت لا تقوم بدورها أو تقوم به بشكل زائد عن الحد أو تحولت وظيفتها إلى وظيفة أخرى. أو شذت شكلاً و وظيفةً و هذا الغالب. و في تتالي مراحل الشذوذ اكتسبت تلك الخلايا صفات جديدة لم تكن بها مسبقاً بأن اصبحت قابلة للانتقال لأماكن أخرى (الانزراع كالبذرة في أعضاء أخرى) أو تنكص إلى مراحل سابقة مرت بها و هكذا تصبح غير متميزة بعد أن تخصصت بوظيفة معينة (و هذه أخبث السرطانات). مما دعا العلماء (و هذه الرواية الأحدث و الأكثر منطقية) إلى اعتبار الخلية السرطانية خلية عادت (نكصت) إلى مرحلة الجنين بسبب تأثيرات متعددة موروثة أو مكتسبة. كما نعلم أن كل الأعضاء تطورت جنينياً من خلية واحدة أفرزت خلايا تسمى بالخلايا الجذعية stem cells تملك مخزوناً وراثياً DNA يؤهلها لأن تتطور إلى خلايا الأعضاء (كالقلب و الرئة و العين ....إلخ) و حالما تتميز defferentiate تكتفي بالمهام الموكولة إليها. و لكن ماذا يحدث لو عادت الخلية إلى مرحلة الخلية الجذعية و بتشوه أو إفراط ؟ و هذا هو السرطان "الخلية المتمردة" باختصار....و دون استفاضة.
إذاً، الأصل في علاج السرطان كان و لا يزال و سيظل هو الاستئصالeradication طالما كان ذلك متاحاً و لن يكون ضرر الاستئصال أكبر من بقائه..و هذه هي فلسفة كل العلاجات الطبية. الاستئصال (إن كان مستطباً) بالجراحة (و هي الأنجح كما نفهم من المقدمة لأننا نلقي بهذا الورم بعيداً و نخلص الجسد منه) أو بالأشعة (إذا كانت الخلية من النوع الذي يستجيب للأشعة المؤينة) أو بالكيماويات (بخلافها من أدوية مشتقة من النباتات كالسيكلوفوسفاميد أو الأدوية المركبة مخبرياً و كل الأدوية حتى الأعشاب هي أدوية كيماوية و لا يصح غير هذه التسمية لمن أراد العبث). و لكلٍ مما سبق فوائده و تأثيراته الجانبية دونما استثناء. فلم يتناهى إلى علمنا بعد (و في هذه حكمة الله في الحياة الدنيا أن تكون كل الأمور نسبية و لا يوجد ما هو مطلق أو كامل فقد اختص الله الكمال به وحده) أن هناك علاج كلاسيكي أو "بديل" ليس له أثر جانبي أو ضرر. و من هنا نجد أن الطبيب يتعلم أن هناك قيمة ذهبية عندما يتعامل مع كل مرض مهما كان شأنه، ألا و هي النسبة م\ض. أي المنفعة \ الضرر. فإذا كان علاجه تفوق منفعته ضرره كان به و إلا فلا علاج.
هناك نقطة مهمة جداً: التفريق بين الوقاية و العلاج. فتجنب الشمس الشديدة (مثلاً) له دور أساسي في تجنب سرطان الجلد..و لكن إن حدث السرطان فلن يشفى بتجنب الشمس. و كذلك "حبة البركة" و العسل و الغذاء المتوازن الغني بالألياف و الفيتامينات (مضادات الأكسدة) تفيد كلها في منع تطور السرطانات و بآليات مختلفة و مثبتة علمياً ، و لكن لا ينفع اعطاءها لمريض السرطان حيث تفقد دورها على السرطان الموجود أصلاً، و إن كانت تمنع إصابته بمرض جديد. و في موضوع أخينا د. إسلام إشارة هامة جداً لبعض سبل الوقاية الهامة و التي يجب على الجميع معرفتها و تداركها بعناد، و من هنا كانت قيمة كبيرة لموضوعه في تجنب الأشعة و الشمس الشديدة و الملونات و الغذاء المحور جينياً أو هرمونياً و اللحوم المغذاة بعلف حيواني (في الواحة مواضيع متنوعة لأخي د. جمال تناولت هذه المواضيع).
ما الاختلاف إذن؟
ذكر الأخ د. إسلام في مقالته سبل علاجية مختلفة جلها غير مثبت حتى الآن و فيها ترويج لبعض الأفكار غير المثبتة أو الضعيفة. و هو قد أشار لذلك غير مرة، و أنا أتفق معه في إشارته تلك...و لكن أختلف معه في سبب ذكرها و هي غير المثبتة بعد. قد يقول أخونا أن لها فائدة في بث الأمل في المريض و أقربائه...و ليسمح لي بالإختلاف معه هنا بالذات. فماذا لو ثبت أن بعض تلك العلاجات المقترحة أو كلها غير مجدٍ؟ سنكون قد بثثنا فيه أملاً كاذباً و خاب أمل المريض بعد تجربتها و تبينه أنه لم يستفد منها، ما يسبب له هزيمة نفسية أقسى من تلك التي سببها له السرطان بحد ذاته. بينما لا زالت الجراحة تشفي سرطانات مؤكدة كسرطان الثدي(إذا شخصت باكراً و لم تنتقل بعد) و أصبح سرطان هودجكن (سرطان خبيث في بعض خلايا الدم) يسمى داء هودجكن بعد أن تمكنت العلاجات الكيماوية من إلحاق هزيمة نكراء به، و أصبح شافياً في كثير من الحالات بحمد الله و بجهود علماء أحقاق. و كثير من الإنتصارات الطبية الأخرى ...ما جعلنا نكتب فيها و نستفيض. و أصبح جل التركيز على الكشف الباكر لما له من دور في جدوى علاجات الاستئصال.
*خطر آخر كامن في بعض ما ذكرت هو أن المريض قادر على تطبيق بعضها دون العودة للمتخصصين. و في هذا خطر كبير على حياته. بينما لا يمكن للمريض أن يجري الجراحة بنفسه أو عند شخص غير جراح. و لا يمكن أن يأخذ الأشعة و الكيماويات دون دخول المستشفى و إشراف متخصصي الأورام عليه.
*كما أن هناك خطر عظيم في أن يتأمل المريض في هذه البدائل خيراً ما يجعله ينبذ و يرفض مقترحات طبيبه النافعة لأنه لم يصف له عشبة معينة أو حجامة...و هو معذور في هذا بعد أن صار يقرأ عن فوائدها و بعضهم بالغ في الشطط و الغلو بأن قالوا أنها تشفى فعلاً ( و يالها من أكذوبة) دون أن يتحقق فعلاً....أليس في هذا تضليل و فتنة؟ أليس في هذا ضرب بالغ للثقة بين المريض و الطبيب ما قد يضيع فرصاً ذهبية على المريض في الشفاء؟
ما تقدم تبيان عام دون تفصيل، أما إذا أردنا التفصيل:
كنا قد كتبنا في الحجامة موضوع مستقل منقول و وضعنا تصويتاً لذلك، و على الراغبين العودة للموضوع و تصويته. و لم أذكر رأيي الشخصي حينها في الحجامة خوفاً من التشويش على نتيجة التصويت...و لكني سأفرد مقالاً خاصاً أذكر فيه رأيي الشخصي في الحجامة.
أما العلاج "بحقن الأكسجين في الوريد" فهو أمر لم نسمع عنه قبلاً. نعلم أن هناك وسائل علاجية بخيمات الأكسجين أو الأكسجين الثلاثي (الأوزون)، أما أن نحقنه بالوريد؟؟؟!!! نعلم أن الأكسجين غاز و حقنه في الوريد يعني عودته للقلب و الدوران مما يعني احتمال تشكل صمة غازية gas embolism قد تؤدي للوفاة!!! لقد كان حقن الهواء في الوريد (إبرة هواء) من وسائل القتل...كما أن الطبيب أو الممرض يظل يرج المحقن لتفريغه من الهواء قبل الحقن خوفاً من هذا الاختلاط المميت...فكيف نعالج بحقن الأكسجين؟ إلا أن تكون هناك طريقة لتقديمه على شكل سائل. و حتى لو قدم الأكسجين سائلاً ما الجدوى من ذلك؟ فالدم الشرياني مشبع بالأكسجين (المرتبط بالخضاب الدموي)في الحالة العادية.
قد يكون لبعض المواد المستخرجة حديثاً (من بذور المشمش مثلاً) فوائد وقائية أو علاجية..و لكنها لم تنشر عالمياً حتى اللحظة و على حد علمنا، و نحن بانتظار تلك الدراسات بفارغ الصبر.
أشكر لكل من ساهم في هذا الموضوع قراءة أو كتابة أو نقاشاً..و أخص باشكر أخي د. إسلام و أخي أبو جاسم.
و سيكون لي عودة للحديث عن نظام عمل منظمة FDA و العلاجات الحديثة و كيفية تعامل هذه المنظمة معها قريباً.
و الله أعلم.