اسمح لي د. جمال أن أضيف هنا بعض أشعار نزار قباني التي أعجبتني
يوميات كلب مثقف
مولاي:
لا أريد منك ياقوتا.. ولا ذهب
ولا أريد منك أن تلبسني الديباج والقصب
كل الذي أرجوه أن تسمعني
لأنني أنقل في قصائدي إليك
جميع أصوات العرب
جميع لغات العرب..
إن كنت- يا مولاي
لا تحب الشعر والصداح
فقل لسيّافك أن يمنحني
حرية النباح
موال بغدادي
مدى بساطي .. واملئي أكوابي
وأنسى العتاب، فقد نسيت عتابي
عيناك يا بغداد، منذ طفولتي
شمسان نائمتان في أهدابي
لا تنكري وجهي .. فأنت حبيبتي
وورود مائدتي، وكأس شرابي
بغداد .. جئتك كالسفينة متعبا
أخفي جراحاتي وراء ثيابي
ورميت رأسي فوق صدر أميرتي
وتلاقت الشفتان بعد غياب
أنا ذلك البحار أنفق عمره
في البحث عن حب .. وعن أحباب
بغداد .. طرت على حرير عباءة
وعلى ضفائر زينب ورباب
وهبطت كالعصفور يقصد عشه
والفجر عرس مآذن وقباب
حتى رأيتك قطعة من جوهر
ترتاح بين النخل والأعناب
حيث التفت ، أرى ملامح موطني
وأشم في هذا التراب ترابي
لم أغترب أبداً.. فكل سحابة
زرقاء .. فيها كبرياء سحابي
إن النجوم الساكنات هضابكم ..
ذات النجوم الساكنات هضابي..
بغداد عشت الحسن في ألوانه
لكن حسنك، لم يكن بحسابي
ماذا سأكتب عنك في كتب الهوى
فهواك لا يكفيه ألف كتاب
يغتالني شعري .. فكل قصيدة
تمتصني .. تمتص زيت شبابي
الخنجر الذهبي .. يشرب من دمي
وينام في لحمي ، وفي أعصابي
بغداد . يا هزج الأساور والحلى
يا مخزن الأضواء والأطياب
لا تظلمي وتر الربابة في يدي
فالشرق أكبر من يدي وربابي
قبل اللقاء الحلو .. كنت حبيبتي
وحبيبتي تبقين بعد ذهابي..
قصيدة لنزار قباني عندما زار قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-
عز الورود.. وطال فيك أوام
وأرقت وحدي..والأنـام نـيام
ورد الجميع ومن سناك تزودوا
وطردت عن نبع السنى وأقاموا
ومنعت حتى أن أحوم..ولم أكد
وتقطعت نفسي عليك ..وحاموا
قصدوك وامتدحوا ودوني أغلقت
أبواب مدحك..فالحـروف عـقام
أدنوا فأذكر ما جنيت فأنثني
خجـلا..تضيـق بحمـلـي الأقـدام
أمن الحضيض أريد لمسا للذرى
جل المقام.. فلا يطال مـقام
وزري يكبلني..ويخرسني الأسى
فيموت في طرف اللسان.. كلام
يممت نحوك يا حبيب الـله في
شـوق..تقض مضاجـعي الآثـام
أرجو الوصول فليل عمري غابة
أشواكها.. الأوزار.. والآلام
يا من ولدت فأشرقت بربوعنا
نفحات نورك..وانجلى الإظـلام
أأعود ظمئآنا وغيري يرتوي
أيرد عن حوض النبي ..هيام
كيف الدخول إلى رحاب المصطفى
والنفس حيرى والذنوب جسام
أو كلما حاولت إلمام به
أزف البلاء فيصعـب الإلمام
ماذا أقول وألف ألف قصيدة
عصماء قبلي.. سطـرت أقلام
مدحوك ما بلغوا برغم ولائهم
أسوار مجدك فالدنـو لمـام
ودنوت مذهولا.. أسيرا لا أرى
حيران يلجم شعري الإحجام
وتمزقت نفسـي كطـفل حائر
قد عاقه عمن يحب ..زحام
حتى وقفت أمام قبرك باكيا
فتدفق الإحساس ..والإلهام
وتوالت الصور المضيئة كالرؤى
وطوى الفؤاد سكينة وسلام
يا ملء روحي..وهج حبك في دمي
قبس يضيء سريرتي..وزمام
أنت الحبيب وأنت من أروى لنا
حتى أضاء قلوبنا..الإسلام
حوربت لم تخضع ولم تخشى العدى
من يحمه الرحمن كيف يضام
وملأت هذا الكون نورا فاختفت
صور الظلام..وقوضت أصنام
الحزن يملأ يا حبيب جوارحي
فالمسلمون عن الطريق تعاموا
والذل خيم فالنفوس كئيبة
وعلى الكبار تطاول الأقزام
الحزن..أصبح خبزنا فمساؤنا
شجن ..وطعم صباحنا أسقام
واليأس ألقى ظله بنفوسنا
فكأن وجه النيرين.. ظـلام
أنى اتجهت ففي العيون غشاوة
وعلى القلوب من الظلام ركام
الكرب أرقنا وسهد ليلنا
من مهده الأشواك كيف ينام
إلى أن يقول في نهايتها..
يا طيبة الخيرات ذل المسلمون
ولا مـجـير وضيـعت ..أحـلام
يغضون إن سلب الغريب ديارهم
وعلى القريب شذى التراب حرام
باتوا أسارى حيرة..وتمزقا
فكأنهم بين الورى..أغنـام
ناموا فنام الذل فوق جفونهم
لاغرو..ضاع الحزم والإقدام
يا هادي الثقلين هل من دعوة
تدعى..بها يستيقظ النوام
الحاكم والعصفور
أتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّ
لأقرأَ شعري للجمهورْ
فأنا مقتنعٌ
أنَّ الشعرَ رغيفٌ يُخبزُ للجمهورْ
وأنا مقتنعٌ – منذُ بدأتُ –
بأنَّ الأحرفَ أسماكٌ
وبأنَّ الماءَ هوَ الجمهورْ
أتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّ
وليسَ معي إلا دفترْ
يُرسلني المخفرُ للمخفرْ
يرميني العسكرُ للعسكرْ
وأنا لا أحملُ في جيبي إلا عصفورْ
لكنَّ الضابطَ يوقفني
ويريدُ جوازاً للعصفورْ
تحتاجُ الكلمةُ في وطني
لجوازِ مرورْ
أبقى ملحوشاً ساعاتٍ
منتظراً فرمانَ المأمورْ
أتأمّلُ في أكياسِ الرملِ
ودمعي في عينيَّ بحورْ
وأمامي كانتْ لافتةٌ
تتحدّثُ عن (وطنٍ واحدْ)
تتحدّثُ عن (شعبٍ واحدْ)
وأنا كالجُرذِ هنا قاعدْ
أتقيأُ أحزاني..
وأدوسُ جميعَ شعاراتِ الطبشورْ
وأظلُّ على بابِ بلادي
مرميّاً..
كالقدحِ المكسورْ