|
تمرُّ الليالي مثلما شِيم بارقُ |
كأنْ مسَّها من عائذ الجنِّ راهقُ |
بحلْكة شعري ينقلُ الشيبُ خطوَه |
كما انسلّ في جنح الحنادس سارق |
رمادٌ ولكنّ الشبابَ وَقودُهُ |
وهذي الليالي المُوضِعاتُ محارق! |
فيا أيها الإصباحُ لاحتْ خيوطُه |
فذرْني فإني مكثَ ليليَ وامق |
فليليَ شمسٌ ليسَ يخبو ضياؤها |
وشمسُكَ ليلٌ ليس فيه بوارق |
فلمّا علتْ تختالُ في كبد السما |
أتانيَ واغلٌ لبابيَ طارق |
فما ليَ والأيامِ في كلّ ليلةٍ |
تجشِّمُني ضيفاً و ما أنا رازق |
ليَطعمَ غصباً من شبابي كأنما |
غدا لهمُ نهباً إليه تسابقوا |
و ما هو ممّا ترتضي النفسُ بذلَه |
و لو أنّها الطائيُّ ما ذرَّ شارق |
فلو كان بحراً لم تَبِضَّ بقطرةٍ |
و ما رقَّ للصادي- توسّلَ -خافق |
و لو أنهم راموا سواه لربّما |
هشَشْتُ لهم وجهي و مُدَّتْ نمارق |
و أيُّ ضيوفٍ قد أقاموا وهيمنوا |
وليس تني تنثالُ منهم بوائق! |
و ما كان زجري وانتهاري بنافعي |
و لا شفعتْ عنّي دموعي الدوافق |
فلو أنما ضرب السيوف يردُّهم |
لكان لنا طعنٌ -و ربّي- صادق |
عليكِ سلامُ الله يا جذوةَ الصبا |
تَوَقَدُّ مثلَ الشمس والليلُ راهق |
كعلَّيق موسى إذ تلمّسَ نارَه |
تَوَقُّدِهِ و الغصنُ أخضرُ وارق |
لياليَ لا أخشاهمُ ولوانّما |
أتانيَ منهم في الحديد فيالق |
لياليَ إن راموا حمايَ رمتهمُ |
صواعقُ تترى إثرَهنّ صواعق |
إلى أنْ توخّاني الزمانُ فغالها |
رمادٌ _فغطّاها_ كئيبٌ و خانق |
رويدَكَ يا هذا الزمانُ فتحتَه |
تربَّصَ جمرٌ ليس يُطفأُ حارق |
إذا رُمتَ يوماً أنْ تُثيرَ فإنّما |
هو النار و البركان و هْو حرائق |
أقلَِبُ طرْفي لا أرى غيرَ غادةٍ |
تخطّفُ من كفَي و قلبيَ تائق |
أمانٍ أَلظَّتْ بالشباب فأصبحت |
تزاوَرُ عنّي في المشيب تفارق |
فيا ليت أني في الشباب طلبتُها |
بلِ انسقتُ أقفو راحتي و أساوق |
سأبكي أمانيَّ الحسانَ فإنّها |
لروحيَ أمّاتٌ وهنّ شقائق |
و ما ليَ لا أبكي حساناً أضعتُها |
فلمّا علاني الشيبُ رحْتُ أراهق |
فما العيشُ بين الشهد والنهد ناعماً |
و لكنّما العيشُ العلا والبيارق |