كلمة عن "الانتخابات" الفلسطينية
أبو علي خالد
أيام قليلة تفصلنا عن موعد "الانتخابات" الفلسطينية في مدن ومخيمات وقرى الضفة والقطاع وبعض أحياء القدس الشرقية، وذلك لاختيارالرئيس الفلسطيني الجديد ، أو بعبارة ادق : " رئيس دولة المناطق الفلسطينية" في الوطن، لان هذا هو الاسم الحقيقي للمرشح الفائز في الانتخابات ، مهما حاول البعض ان يُعّهر اللغة والاسماء في هذا الزمن الردئ، خاصة هؤلاء اللذين اصيبت اقلامهم بمرض عماء اللغة، والتعبير الاخير للشهيد غسان كنفاني، وصاروا مثل لغتهم، صمٌ بكمٌ، يبرّرون ادانة المقاومة والتملق لسلاطين الخليج ورفض الاعتذار للشعب، ويتحول محمود عباس الى سبع الغاب حين يهدد أبناء شعبه ويرفع اصابعه امام الكاميرات ، يتوعد ويرفض الاعتذار للشعب وللمقاومة، في الوقت ذاته، يسبغ السيد ابو مازن كل ايات الجلالة والعظمة على حكام النفط في الكويت والخليج ويعتذر للجميع ،بسبب وبدون سبب، نيابة عن الشعب والشهداء ايضا!!
يشد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع رحاله الى محطات الاقتراع ، بعد "انسحاب " الجيش الصهيوني من المدن الرئيسية، وسوف يدلي كل فقير بصوته / أو صوتها باستخدام بطاقة كرتونية رثة صالحة لمرة واحدة فقط ، تماما مثل ورق التواليت ، ورقة يرميها الناخب في صندوق صغير ومقفل ومعتم، الناخب الذي أوهمه مثقفوا اوسلو وجنيف، بان تلك الصناديق العجيبة تطوي بين جدرانها اسرار وحلول فتاكة ، فقد يخرج منها عملاق فلسطيني يطاول السماء ، قد يشبه ابو مازن، او ربما مصطفى البرغوثي، سيان ، لكنه يحمل بين يديه عصا سحرية سوف تدمر مؤسسة الاحتلال وترفع الحواجز وتهدم الاستيطان وتوقف المجازر وتحررّ الاسرى، وتساوي بين الرجل والمرأة، وتحارب الفساد ، ففي تلك الصناديق الغرائبية التي جلبها معه ممثل الامبراطورية الامريكي جيمي كارتر و وضع في كل واحدة منها فانوس علاء الدين الاوسلوي .
لو كان الهدف من وراء الانتخابات الفلسطينية هو ترتيب البيت الفلسطيني في الداخل والخارج ومواجهة القادم من الايام ، كما يدعي ابو مازن وربعه، لشرعت قيادة م ت ف والسلطة في حوار فلسطيني- فلسطيني حقيقي وجاد مع كل قوى وتيارات شعبنا في الوطن والشتات، ولتنازلوا بموجبه عن مقاعدهم وتخلوا عن امتيازاتهم ، ونقلوا الاجهزة الامنية تحت ايدي وتصرف المقاومة وخضعوا لارادة ومطالب الشعب الفلسطيني، انهم على استعداد ان يضعوا امورهم، يوميا، تحت تصرف ضابط صهيوني صغير، يتواسط بين رموز الاجهزة الامنية حين يختلفوا فيما بينهم، هل ذلك جائز وعادي جدا، بينما الخضوع لارادة الشعب قضية مستحيلة تصعب على امثال ياسر عبد ربه الديموقراطي جدا!!
نعم ، كان بامكانهم ان يعرضوا ذلك على الشارع الوطني، كخيار ثان للمقاومة على الاقل، وان يقولوا بصراحة: " لقد جربنا خيارات اوسلو وقادتنا الى هنا" و"هذه الهنا" تعني في المحصلة النهائية سفينة التيه الفلسطينية ، هذا الخراب والفساد المتناتج ، وهذا الوعي الفقير الذي مزق القضية الوطنية الفلسطينية وادخل المشروع الوطني الفلسطيني كله، من اوله الى اخره، الى صندوق انتخابي قذر، يتنافس عليه طرفان محددان :
الطرف الاول: وهو جيش اوسلو ، اي كل من ساهم وهندس الاتفاق الشهير والمشؤوم، وكل من استفاد وافسد، وكل من يدافع عن مصالحه الشخصية ومصالح طبقته الرثة، وهو تيار يضم خليط من ورثة حركة فتح ومافيا الاجهزة الامنية وطبقة السماسرة من تجار الاسمنت والطحين الفاسد. وهؤلاء جميعا وجدوا في ابو مازن مشروعهم الافضل. وقد تم اعتبار وحدة الافات من الشعب ، اهم من وحدة حركة فتح ، واعتبار وحدة فتح اهم من وحدة الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته الوطنية . وقد استطاع ابو مازن ان يطوع كل الحركة من اقصى "اليسار الفتحاوي" فيها وكتائب الاقصى، مرورا بتيار مروان البرغوثي ومن لف حوله وصولا الى تجار الاسمنت والمخدرات والافات الامنية.
الطرف الثاني: وهو جيش المنظمات الغير حكومية بقيادة الدكتور مصطفى البرغوثي ، وهو تيار اذكى من رعاة السلطة الفلسطينية ومافياتها المتعددة ، لانه كبر وترعرع بعيدا عن المؤسسات الرسمية ل م ت ف ، رغم تقاطعهما في بنى متعددة ومتداخلة، لكنه ظل خارج الاطار الرسمي للسلطة ، شكليا، لكن هذا الخط لا يستطيع ان يدفع خطابه باكثر من سقف الدولتين والركون الى " صحوة ضمير" لليسار الصهيوني ، اما برنامجه فانه يكمن في الاعتماد على ما يسمى بلجان التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني لتقوم هي بمشروع التحرير بدلا عنه وعن الاخرين!!
وقد يرقى هذا التيار قليلا بمواقفه الى الاعلى ، حد تبني المترادفات الفلسطينية الثلاثة: حق العودة والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وبعد خطوة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،الداعمة لمرشح الرئاسة مصطفى البرغوثي قد يتبنى تيار المنظمات الغير حكومية مقولة " تاييد المقاومة كحق مشروع " ولكن ليس دعمها وتطويرها وحمايتها واعتبارها الطريق الوحيد لتحقيق اهداف وحقوق الشعب الفلسطيني. ان ذلك هو مهمة فقراء وكادحي الشعب الفلسطيني الذين لا اسم لهم، وهؤلاء هم 99 بالمائة من الشهداء والاسرى والجرحى والمقاومين.!!
طيب، الى اين يذهب المواطن الفلسطيني اذن؟ ولمن يصوت في الانتخابات القادمة؟ وهو الذي يريد ان يشارك في انتخاب ممثليه ويدلي بصوته بعد هذا التغييب له، لان الشعب يحضر ويغييب حسب طلب المسؤول الفلسطيني ومصلحته كما يقول الدكتور فيصل دراج وهو محق في ذلك، فحين يصرخ الشعب الفلسطيني لا لجنيف ومؤامرة جنيف وتجار جنيف يتوارى ياسر عبد ربه ويركل قرار الشعب ولا يقيم لمشاعر الناس وحقوقها اي وزن او احترام، وحين يحتاج " الاصلاح الامريكي" الى تزويقات الديموقراطية تصبح المشاركة وسماع صوت الجماهير مسألة لا جدال فيها...صار الاوسلوي اشطر من اليساري الثوري في الحديث عن الاصلاح والديموقراطية!!
رغم كل ذلك يجب على القوى الوطنية والاسلامية في الساحة الفلسطينية ، سواء تلك التي سوف تشارك (قوى م ت ف ) او التي قاطعت (خاصة حماس والجهاد الاسلامي) والاصوات الامينة والشجاعة في الشعب الفلسطيني وهي دائما الاكثرية ، عليهم ان يصرخوا باعلى صوتهم ضد برنامج ابو مازن ، وبدون خوف او ارتجاف ان يشاركوا مع ابناء شعبهم في الانتخابات، وهم يرددوا : فلسطين لنا من البحر الى النهر..لا بديل عن حق العودة، فلتسقط السلطة التي ولدت من رحم اوسلو ، وليسقط الفساد، وليسقط ابو مازن.