أحدث المشاركات

لبنان» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» تعقيبات على كتب العروض» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» نظرات فى تفسير سورة الإخلاص» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» ( و كشـفت عن ساقيها )» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: محمد نعمان الحكيمي »»»»» الأصواتيون وعِلم العَروض العربي.. عجيبٌ وأعـجب..!» بقلم ابو الطيب البلوي القضاعي » آخر مشاركة: ابو الطيب البلوي القضاعي »»»»» الخِصال السّبع» بقلم مصطفى امين سلامه » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رباعيات للشاعر صلاح چاهين» بقلم سالى عبدالعزيز » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» المعاني النحوية - رأي في آيات زوال الكيان الصهيوني» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» من هو السامري - رأيي» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» دفق قلم القرآن والإنصات» بقلم نورة العتيبي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: القيادة الفكرية في الإسلام (الرد على الفكر العلماني بشقيه الرأسمالي العفن و الماركسي

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2004
    المشاركات : 31
    المواضيع : 3
    الردود : 31
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي القيادة الفكرية في الإسلام (الرد على الفكر العلماني بشقيه الرأسمالي العفن و الماركسي

    القيادة الفكرية في الإسلام
    تنشأ بين الناس كلما انحط الفكر رابطة الوطن ، وذلك بحكم عيشهم في أرض واحدة والتصاقهم بها ، فتأخذهم غريزة البقاء بالدفاع عن النفس ، وتحملهم على الدفاع عن البلد الذي يعيشون فيه ، والأرض التي يعيشون عليها ، ومن هنا تأتي الرابطة الوطنية ، وهي أقل الروابط قوةً وأكثرها انخفاضاً ، وهي موجودة في الحيوان والطير كما هي موجودة فـي الإنسان ، وتأخذ دائماً المظهر العاطفي . وهي تلزم في حالة اعتداء أجنبي على الوطن بمهاجمته أو الاستيلاء عليه ، ولا شأن لها في حالة سلامة الوطن من الاعتداء وإذا رد الأجنبي عن الوطن أو أخرج منه انتهى عملها ، ولذلك كانت رابطةً منخفضةً.
    وحين يكون الفكر ضيقاً تنشأ بين الناس رابطة قومية ، وهي الرابطة العائلية ولكن بشكل أوسع ، وذلك أن الإنسان تتأصل فيه غريزة البقاء فيوجد عنده حب السيادة ، وهي في الإنسان المنخفض فكرياً فردية ، وإذا نما وعيه يتسع حب السيادة لديه ، فيري سيادة عائلته وأسرته ، ثم يتسع باتساع الأفق ونمو الإدراك فيرى سيادة قومه في وطنه أولاً ثم يرى عند تحقق سيادة قومه في وطنه سيادتهم على غيرهم ، ولذلك تنشأ عن هذه الناحية مخاصمات محلية بين الأفراد في الأسرة على سيادتها ، حتى إذا استقرت السيادة في هذه الأسرة لأحدها بانتصاره على غيره انتقلت إلى مخاصمات بين هذه الأسرة وبين غيرها من الأسر على السيادة ، حتى تستقر السيادة على القوم لأسرة أو لمجموعة من الناس من أسر مختلفة ، ثم تنشأ المخاصمات بين هؤلاء القوم وغيرهم على السيادة والارتفاع في معترك الحياة . ولذلك تغلب العصبية على أصحاب هذه الرابطة ، ويغلب عليهم الهوى ونصرة بعضهم على غيرهم . ولذلك كانت رابطة غير إنسانية ، وتظل هذه الرابطة عرضة للمخاصمات الداخلية إن لم تشغل عنها بالمخاصمات الخارجية .
    وعلى ذلك فالرابطة الوطنية رابطة فاسدة لثلاثة أسباب : أولاً - لأنها رابطة منخفضة لا تنفع لأن تربط الإنسان بالإنسان حين يسير في طريق النـهـوض . وثانياً – لأنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء بالدفاع عن النفس والرابطة العاطفية عرضةً للتغيير والتبديل ، فـلا تصلح للربط الدائمي بين الإنسان والإنسان . وثالثا – لأنها رابطة مؤقتة توجد في حالة الدفاع ، أمـا في حالة الاستقرار – وهي الحالة الأصلية للإنسان – فلا وجود لها ولذلك لا تصلح لأن تكون رابطةً بين بني الإنسان .
    وكذلك الرابطة القومية فاسدة لثلاث أسباب : أولاً – لأنها رابطة قبليةً ولا تصلح لأن تربط الإنسان بالإنسان حين يسير في طريق النهوض . وثانياً – لأنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء ، فيوجد منها حب السيادة . وثالثاً – لأنها رابطة غير إنسانية ، إذ تسبب الخصومات بين الناس على السيادة . ولذلك لا تصلح لأن تكون رابطة بين بني الإنسان .
    ومن الروابط الفاسدة التي قد يتوهم وجودهـا رابطة بين الناس الرابطة المصلحية ، والرابطة الروحية التي ليس لها نظام ينبثق عنها . أما الرابطة المصلحية فهي رابطة مؤقتة ولا تصلح لأن تربط بني الإنسان ، لأنها عرضةً للمساومة على مصالح اكبر منها ، فتفقد وجودها في حالة ترجيح المصلحة . ولأنها إذا تباينت المصلحة تنتهي ، وتفصل الناس عن بعضهم ولأنها تنتهي حين تتم هذه المصالح ولذلك كانت رابطة خطرة على أهلها .
    وأما الرابطة الروحية بلا نظام ينبثق عنها ، فإنها تظهر في حالة التدين ، ولا تظهر في معترك الحياة . ولذلك كانت رابطةً جزئيةً غير عملية ، ولا تصلح لأن تكون رابطة بين الناس في شئون الحياة ومن هنا لم تصلح العقيدة النصرانية لأن تكون رابطة بين الشعوب الأوربية مع أنها كلها تعتنقها ، لأنها رابطة روحية لا نظام لها .
    ولذلك لا تصلح جميع الروابط السابقة لأن تربط الإنسان بالإنسان في الحياة حين يسير في طريق النهوض . والرابطة الصحيحة لربط بني الإنسان في الحياة هي رابطة العقيدة العقلية التي ينبثق عنها نظام . وهذه هي الرابطة المبدئية .
    والمبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام . أما العقيدة فهي فكرة كلية عن الكون والإنسان والحيـاة ، وعما قبل هذه الحياة الدنيا ، وعما بعدها وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها . وأما النظام المنبثق عن هـذه العقيدة فهو معالجات لمشاكل الإنسان ، وبيان لكيفية تنفيذ المعالجات ، والمحافظة على العقيدة ، وحمل المبدأ . فكان بيان الكيفية للتنفيذ وللمحـافظة ولحـمل الدعـوة : طريقة ، وما عدا ذلك وهو العقيدة والمعالجات : فكرة ، ومن هنا كان المبدأ فكرة وطريقة .
    والمبدأ لا بد أن ينشأ في ذهن شخص ، إما بوحي الله له به وأمره بتبليغه . وإما بعبقرية تشرق في ذلك الشخص . أما المبدأ الذي ينشأ في ذهن إنسان بوحي الله له به فهو المبدأ الصحيح ، لأنه من خالق الكون والإنسان والحياة ، وهو الله . فهو مبدأ قطعي . وأما المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص بعبقرية تشرق فيه فهو مبدأ باطل ، لأنه ناشئ عن عقل محدود يعجز عن الإحاطة بالوجود ، ولأن فهم الإنسان للتنظيم عرضةً للتفاوت والاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها مما ينتج النظام المتناقض المؤدي إلى شقاء الإنسان . لذلك كان المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص باطلاً في عقيدته و في نظامه الذي ينبثق عنها .
    وعلى ذلك كان الأساس في المبدأ هو الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة ، وكانت الطريقة التي تجعل المبدأ موجوداً منفذاً في معترك الحياة أمراً لازماً لهذه الفكرة حتى يوجد المبدأ . أما كون الفكرة الكلية أساساً فإنها هي العقيدة ، وهي القاعدة الفكرية ، وهي القيادة الفكرية ، وعلى أساسها يتعين اتجاه الإنسان الفكري ووجهة نظره في الحياة ، وعليها تبنى جميع الأفكار ، وعنها تنبثق جميع معالجات مشاكل الحياة ، وأما كون الطريقة أمراً لازماً ، فان النظام الذي ينبثق عن العقيدة إذا لم يتضمن بيان كيفية التنفيذ للمعالجات ، وبيان كيفية المحافظة على العقيدة ، وبيان كيفية حمل الدعوة للمبدأ ، كانت الفكرة فلسفة خيالية فرضية تبقى في بطون الكتب مسجلة دون أن يكون لها أثر في الحياة الدنيا . ولذلك كان لا بد من العقيدة ، ولا بد من معالجات المشاكل ، ولا بد من الطريقة ، حتى يكون المبدأ . على أن مجرد وجود الفكرة والطريقة في العقيدة التي ينبثق عنها نظام لا يدل على أن المبدأ صحيح ، بل يدل فقط على أن هذا يكون مبدأ ، ولا يدل على غير ذلك . والذي يدل على صحة المبدأ أو بطلانه هو عقيدة المبدأ من حيث كونها صحيحة أو باطلة ، لأن هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية التي ينبني عليها كـل فكر ، والتي تعين كل وجهة نظر ، والتي تنبثق عنها كل معالجة ، وكل طريقة . فإذا كانت هذه القاعدة الفكرية صحيحة كان المبدأ صحيحاً ، وإذا كانت باطلة كان المبدأ باطلاً من أسـاسه .
    والقاعدة الفكرية إذا اتـفقت مع فطرة الإنسان ، وكانت مبنية على العقل ، فهي قاعدة صحيحة ، وإذا خالفت فطرة الإنسان ، أو لم تكن مبنية على العقل ، فهي قاعدة باطلة . ومعنى اتفاق القاعدة الفكرية مع فطرة الإنسان كونها تقرر ما في فطرة الإنسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر ، وبعبارة أخرى ، توافق غريزة التدين . ومعنى كونها مبنية على العقل أن لا تكون مبنية على المادة ، أو على الحل الوسط .
    وإذا استعرضنا العالم كله الآن لا نجد فيه إلا ثلاثة مبادئ هي : الرأسمالية ، والاشتراكية ومنها الشيوعية ، والمبدأ الثالث هو الإسلام . والمبدآن الأولان تحمل كل واحد منهما دولة أو دول ، والمبدأ الثالث لا تحمله دولة ، وإنما يحمله أفراد في شعوب ، ولكنه موجود عالمياً في الكرة الأرضية .
    أما الرأسمالية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة ، وهذه الفكرة هي عقيدتها ، وهي قيادتها الفكرية ، وهي قاعدتها الفكرية ، وبناء على هذه القاعدة الفكرية كان الإنسان هو الذي يضع نظامه في الحياة ، وكان لا بد من المحافظة على الحريات للإنسان ، وهي حرية العقـيدة ، وحرية الرأي ، وحرية الملكية ، والحرية الشخصية ، وقد نتج عن حرية الملكية النظام الاقتصادي الرأسمالي ، فكانت الرأسمالية هي أبرز ما في هذا المبدأ ، وأبرز ما نتج عن عقيدة هذا المبدأ ، لذلك أطلق على هذا المبدأ انه المبدأ الرأسمالي ، من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه .
    وأما الديمقراطية التي أخذ بها هذا المبدأ فهي آتية من جهة أن الإنسان هو الذي يضع نظامه ، ولذلك كانت الأمة هي مصدر السلطات ، فهي التي تضع الأنظمة ، وهي التي تستأجر الحاكم ليحكمها ، وتنزع هذا الحكم منه متي أرادت ، وتضع له النظام الذي تريـد ، لأن الحكم عقد إجارة بين الشعب والحاكم ليحكم بالنظام الذي يضعه له الشعب ليحكمه به .
    والديمقراطية وان كانت من المبدأ لكنها ليست أبرز من النظام الاقتصادي فيه ، بدليل أن النظام الرأسمالي في الغرب يؤثر على الحكم ، ويجعله خاضعاً لأصحاب رؤوس الأموال ، حتى ليكاد يكون الرأسماليون الحكام الحقيقيين في البلاد التي تعتنق المبدأ الرأسمالي . وعلاوة على ذلك فليست الديمقراطية مختصة بهذا المبدأ ، فان الشيوعيين أيضاً يدعون الديمقراطية ويقولون بجعل الحكم للأمة . ولذلك كان من الأدق أن يطلق على هذا المبدأ بأنه المبدأ الرأسمالي .
    الأصل في نشوء هذا المبدأ أن القياصرة والملوك في أوربا وروسيا كانوا يتخذون الدين وسيلة لاستغلال الشعوب ، وظلمها ، ومص دمائها ، وكانوا يتخذون رجال الدين مطية لذلك . فنشأ عن هذا صراع رهيب قام أثناءه فلاسفة ومفكرون منهم من أنكر الدين مطلقاً ، ومنهم من اعترف بالدين ولكنه نادى بفصله عن الحياة . حتى استقر الرأي عند جمهرة الفلاسفة والمفكرين على فكرة واحدة هي فصل الدين عن الحياة ، ونتج عن ذلك طبيعياً فصل الدين عن الدولة . واستقر الرأي على عدم البحث في الدين من ناحية إنكاره أو الاعتراف به ، وحصر البحث في أنه يجب أن يفصل الدين عن الحياة . وتعتبر هذه الفكرة حلاً وسطاً بين رجال الدين الذين يريدون أن يكون كل شيء خاضعاً لهم باسم الدين ، وبين الفلاسفة والمفكرين الذين ينكرون الدين وسلطة رجال الدين ، فهي لم تنكر الدين ، ولم تجعل له دخلاً في الحياة ، وإنما فصلته عن الحياة ، فكانت العقيدة التي اعتنقها الغرب قاطبةً هي هذا الفصل للدين عن الحياة ، وكانت هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الأفكار ، ويتعين على أساسها الاتجاه الفكري للإنسان ووجهة نظره في الحياة ، وعلى أساسها تعالج جميع مشاكل الحياة ، وهي القيادة الفكرية التي يحملها الغرب ويدعو العالم إليها .
    وعقيدة فصل الدين عن الحياة اعتراف ضمني بأنه يوجد شيء يسمى الدين ، أي يوجد خالق للكون والإنسان والحياة ، ويوجد يوم البعث ، لأن هذا هو أصل الدين من حيث هو دين ، وهذا الاعتراف هو إعطاء فكرة عن الكون والإنسان والحياة ، وعما قبل الحياة ، وعما بعـدها ، لأنها لم تنف وجود الدين . بل إنها حين أعطت فكرة فصله ، اعترفت بوجوده ضمناً فتكون قد أثبتت وجود الدين وأعطت فكرة أنه لا علاقة لهذه الحياة بما قبلها وبما بعدها حين قالت بفصل الدين عن الحياة وأن الدين صلةً بين الفرد وخالقه فقط . وبهذا تكون عقـيدة (فصل الدين عن الحياة) بمفهومها الشامل فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة ، ومن هنا كان المبدأ الرأسمالي على الوجه الذي بيناه مبدأ كباقي المبادئ .
    وأما الاشتراكية ومنها الشيوعية فهي ترى أن الكون والإنسان والحياة مادة فقط ، وأن المادة هي أصل الأشياء ، ومن تطورها صار وجود الأشياء ، ولا يوجد وراء هذه المادة شيء مطلقاً ، وأن هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها أحد ، أي أنها واجبة الوجود ، ولذلك ينكرون كون الأشياء مخلوقةً لخالق ، أي أن ينكرون الناحية الروحية في الأشياء ويعتبرون الاعتراف بوجودها خطراً على الحياة ، لذلك يعتبرون الدين أفيون الشعوب الذي يخدرها ، ويمنعها من العمل . ولا وجود عندهم لشيء سوى المادة ، حتى الفكر إنما هو انعكاس المادة على الدماغ ، وعليه فالمادة أصل الفكر ، وأصل كل شيء ، ومن تطورها المادي توجد الأشياء . وعلى هذا فهم ينكرون وجود الخالق ، ويعتبرون المادة أزلية ، فهم ينكرون ما قبل الحياة وما بعدها ، ولا يعترفون إلا بالحياة فقط .
    ومع اختلاف هذين المبدأين في النظرة الأساسية إلى الإنسان والكون والحياة ، فأنهما يتفقان في المثل العليا للإنسان هي القيم العليا التي يضعها الإنسان نفسه ، وأن السعادة هي الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية ، لأنها في نظرهما هي الوسيلة إلى السعادة ، بل هي السعادة . ومتفقان معاً على إعطاء الإنسان حريته الشخصية يتصرف بما يشاء وعلى نحو ما يريد ، مادام يرى في هـذا التصرف سعادته . ولذلك كان السلوك الشخصي أو الحرية الشخصية بعض ما يقدسه هذان المبدآن .
    ويختلف هذان المبدآن في النظرة إلى الفرد والمجتمع ، فالرأسمالية مبدأ فردي ، يرى أن المجتمع مكون من أفراد ، ولا ينظر للمجتمع إلا نظرةً ثانويةً ، ويخص نظرته بالفرد ، ولذلك يجب أن تضمن الحريات للفرد. ولضمان الحرية له يعمل أي فرد للمجتمع ، ومن هنا كانت حرية العقيدة بعض ما تقدسه ، وكانت الحرية الاقتصادية مقدسةً أيضاً ولا تقيد بناء على فلسفتها ، وإنما تقيد من قبل الدولة لضمان الحريات ، وتنفذ الدولة هذا التقييد بقوة الجندي وصرامة القانون . إلا أن الدولة هي وسيلة ، وليست غاية ، ولذلك كانت السيادة نهائياً للأفراد لا للدولة . ولذلك كان المبدأ الرأسمالي يحمل قيادة فكرية هي فصل الدين عن الحياة ، وعلى أساسها يحكم بأنظمته ، ويدعو لها ، ويحاول أن يطبقها في كل مكان .
    وأما الاشتراكية – ومنها الشيوعية – فهي مبدأ يرى أن المجتمع مجموعة عامة تتألف من البشر وعلاقاتهم بالطبيعة ، تلك العلاقات المحتومة المحددة التي يخضعون لها خضوعاً حتمياً وآلياً . وهذه المجموعة كلها شيء واحد ، الطبيعة ، والإنسان ، والعلاقات ، كلها شيء واحـد ، لا أجزاء منفصل بعضها عن بعض ، فالإنسان تعتبر الطبيعة جانباً من شخصيته ، وهي الجانب الذي يحمله في ذاته ، ولذلك لا يتطور الإنسان إلا وهو معلق بهذا الجانب من شخصيته وهو الطبيعة ، لأن صلته بالطبيعة صلة الشيء بنفسه ، ولذلك يعتبر المجتمع مجموعة واحدة تتطور كلها معاً تطوراً واحداً ، ويدور الفرد تبعاً لذلك كما يدور السن في الدولاب . ولذلك لم تكن عندهم حرية عقيدة للفرد ، ولا حرية اقتصادية . فالعقيدة مقيدة بما تريده الدولة ، والاقتصاد مقيد بما تريده الدولة ، ولهذا كانت الدولة أيضاً بعض ما يقدسه المبدأ . وعن هذه الفلسفة المادية انبثقت أنظمة الحياة ، وجعل النظام الاقتصادي هو الأساس الأول ، وهو المظهر العام لجميع الأنظمة . ولذلك كان المبدأ الاشتراكي ومنه الشيوعي يحمل قيادة فكرية ، هي المادية والتطور المادي ، وعلى أساسها يحكم بأنظمته ، ويدعو لها ، ويحاول أن يطبقها في كل مكان .
    وأما الإسلام فهو يبين أن وراء الكون الإنسان والحياة خالقاً خلقها هو الله تعالى ، ولذلك كان أساسه الاعتقاد بوجود الله عز وجل ، وكانت هذه العقيدة هي التي عينت الناحية الروحية ، ألا وهي كون الإنسان والحياة والكون مخلوقة لخالق ، ومن هنا كانت صلة الكون بوصفه مخـلوقاً ، بالله الخالق . هي الناحية الروحية في الكون . وصلة الحياة المخلوقة ، بالله الخالق ، هي الناحية الروحية في الحياة . وصلة الإنسان المخلوق ، بالله الخالق ، هي الناحية الروحية في الإنسان ، ومن هنا كانت الروح هي إدراك الإنسان لصلته بالله تعالى .
    والإيمان بالله يجب أن يقترن بالإيمان بنبوة محمد ورسالته ، وبأن القرآن كلام الله ، فيجب الإيمان بكل ما جاء به . ولهذا كانت العقيدة الإسلامية تقضي بأنه يوجد قبل الحياة ما يجب الإيمان به وهو الله ، وتقضي بالإيمان بما بعد الحياة ، وهو يوم القيامة ، وبأن الإنسان في هذه الحياة الدنيا مقيد بأوامر الله و نواهيه ، وهذه هي صلة الحياة بما قبلها ، ومقيد بالمحاسبة على اتباع هذه الأوامر واجتناب هذه النواهي ، وهذه هي صلة الحياة بما بعدها ، ولذلك كان حتماً على المسلم أن يدرك صلته بالله حين القيام بالأعمال ، فيسير أعماله بأوامر الله ونواهيه وكان ذلك هو معنى مزج المادة بالروح والغاية من تسييرها بأوامر الله ونواهيه هي رضوان الله . والغاية المقصودة من القيام بها هي القيمة التي يحققها العمل .
    ولذلك لم تكن الأهداف العليا لصيانة المجتمع ، من وضع الإنسان بل هي من أوامر الله ونواهيه ، وهي ثابتة لا تتغير ولا تتطور ، فالمحافظة على نوع الإنسان ، وعلى العقل ، وعلى الكرامة الإنسانية ، وعلى نفس الإنسان ، وعـلى الملكية الفردية ، وعلى الدين ، وعلى الأمن ، وعلى الدولة ، أهداف عليا ثابتة لصيانة المجتمع ، لا يلحقها التغيير ولا التطور ، ووضع للمحافظة عليها عقوبة صارمة ، فوضع الحدود والعقوبات للمحافظة على هذه الأهداف الثابتة ، ولذلك يعتبر القيام بالمحافظة على هذه الأهداف واجباً ، لأنها أوامر ونواه من الله ، لا لأنها تحقق قيماً مادية . وهكذا يقوم المسلم وتقوم الدولة بكافة الأعمال حسب أوامر الله ونواهيه لأنها هي التي تنظم شئون الإنسان كلها ، والقيام بالأعمال حسب أوامر الله ونواهيه هو الذي يجعل الطمأنينة عند المسلم . ومن هنا كانت السعادة ليست إشباع الجسد وإعطاءه متعه ، بل هي إرضاء الله سبحانه وتعالى .
    أما الحاجات العضوية والغرائز فقد نظمها الإسلام تنظيماً يضمن إشباع جميع جوعاتها ، من جوعة معدة ، أو جوعة نوع ، أو جوعة روحية ، أو غير ذلك . ولكن لا بإشباع بعضها على حساب بعض ، ولا بكبت بعضها وإطلاق بعض ولا بإطلاقها جميعها ، بل نسقها جميعها وأشبعها جميعها بنظام دقيق ، مما يهيئ للإنسان الهناء والرفاه ، ويحول بينه وبين الانتكاس إلى درك الحيوان بفوضوية الغرائز .
    ولضمان هذا التنظيم ، ينظر الإسلام للجماعة باعتبارها كلاً غير مجزأ ، وينظر للفرد باعتباره جزءاً من هذه الجماعة غير منفصل عنها . ولكن كونه جزءاً من الجماعة لا يعني أن جزئيته هذه كجزئية السن في الدولاب ، بل يعنى أنه جزء من كل ، كما إن اليد جزء من الجسم ، ولذلك عني الإسلام بهذا الفرد بوصفه جزءاً من الجماعة ، لا فرداً منفصلاً عنها ، بحيث تؤدي هذه العناية للمحافظة على الجماعة ، وعني في نفس الوقت بالجماعة لا بوصفها كلاً ليس له أجزاء بل بوصفها كلاً مكوناً من أجزاء هم الأفراد بحيث تؤدي هذه العناية إلى المحافظة على هؤلاء الأفراد كأجزاء ، قال صلى الله عليه وآله وسلم " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جمـيعاً " .
    وهذه النظرة للجماعة والفرد هي التي تجعل للمجتمع مفهوماً خاصاً ، لأن هؤلاء الأفراد وهم أجزاء من الجماعة لا بد أن تكون لديهم أفكار تربطهم ، يعيشون حسبها ، وأن يكون لهم مشاعر واحدة يتأثرون بها ويندفعون بحسبها ، وأن يكون لهم نظام واحد يعالج مشاكل حياتهم جميعها . ومن هنا كان المجتمع مؤلفاً من الإنسان والأفكار والمشاعر والأنظمة ، وكان الإنسان مقيداً في الحياة بهذه الأفكار والمشاعر والأنظمة . ولذلك كان المسلم في الحياة مقيداً في كل شيء بالإسلام وليس له حريات مطلقاً . فالعقيدة للمسلم مقيدة بحدود الإسلام وليست مطلقة . ولذلك يعتبر ارتداده جريمة كبرى يستحق عليها القتل إن لم يرجع . والناحية الشخصية مقيدة بنظام الإسلام ، ولذلك كان الزنا جريمةً يعاقب عليها ، دون رأفة مع التـشهير ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ، وكان شرب الخمر جريمة يعاقب عليـها ، وكان الاعتداء على آخرين جريمة تختلف باختلاف هذا الاعتداء من قذف أو قتل أو ما شابه ذلك ، والناحية الاقتصادية مقيدة بالشرع وبالأسباب التي أباح للفرد التملك بها ، وبحقيقة هذه الملكية الفردية من أنها إذن الشرع بالانتفاع بالعين . وكان الخروج عن هذه القيود جريمة تختلف باختلاف نوع هذا الخروج من سرقة أو نهب أو ما شاكل ذلك . ولهذا كان لا بد من الدولة التي تحفظ هذه الجماعة وهذا الفرد ، وتطبق النظام على المجتمع ، وكان لابد من تأثير المبدأ في معتنقه ليكون الحفظ طبيعياً آتياً من قبل الناس أنفسهم . ولذلك كان المبدأ هو الذي يقيد ويحفظ ، والدولة هي المنفذة . ولهذا كانت السيادة للشرع وليست للدولة ولا للأمة ، وان كانت السلطة للأمة ومظهرها في الدولة ، ومن هنا كانت طريقة تنفيذ النظام هي الدولة وان كان الاعتماد على تقوى الله في الفرد المؤمن ليقوم بأحكام الإسلام . وعليه كان لا بد من التشريع الذي تنفذه الدولة ، والتوجيه للفرد المؤمن لينفذ الإسلام بدافع تقوى الله . ومن هنا كان الإسلام عقيدة وأنظمة ، وكان مبدأ الإسلام فكرة وطريقة من جنس هذه الفكرة ، وكان نظامه منبثقاً عن عقيدته ، وكانت حضارته طرازاً معيناً في الحياة . وكانت طريقته في حمل الدعوة أن يطبق من قبل الدولة ، وأن يحمل قيادة فكرية إلى العالم ، تكون هي الأساس لفهم نظام الإسلام والعمل به ، وكان العمل به في الجماعة التي تحكم بنظام الإسلام ، نشراً للدعوة الإسلامية ، لأن تطبيق نظام الإسلام على غير المسلمين من الناس يعتبر من الطريقة العملية للدعوة ، فقد كان لهذا التطبيق الأثر الأكبر في إيجاد هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف .
    والحاصل أن المبادئ الموجودة في العالم ثلاثة هي الرأسمالية ، والاشتراكية ومنها الشيوعية ، والمبدأ الثالث هو الإسلام ، ولكل واحد من هذه المبادئ عقيدة تنبثق عنها أنظمته ، وله مقياس لأعمال الإنسان في الحياة ، ونظرة خاصة للمجتمع ، وطريقة لتنفيذ النظام .
    أما من حيث العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن المادة أصل الأشياء ، وأن جميع الأشياء تصدر عنها بطريق التطور المادي . والمبدأ الرأسمالي يرى أنه يجب أن يفصل الدين عن الحياة ، وينتج عن ذلك فصل الدين عن الدولة ، فالرأسماليون لا يريدون أن يبحثوا هل هناك خالق أم لا ، وإنما يبحثون أنه لا دخل للخالق في الحياة ، سواء اعترف بوجوده أم أنكره ، ولذلك يستوي عندهم المعترف بوجود الخالق والمنكر له في عقيدتهم ، وهي فصل الدين عن الحـياة .
    وأما الإسلام فيرى أن الله هو خالق الوجود ، وأنه أرسل الأنبياء والرسل بدينه لبني الإنسان ، وأنه سيحاسب الإنسان يوم القيامة على أعماله ، ولذلك كانت عقيدته الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله .
    وأما من حيث كيفية انبثاق النظام عن العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن النظام يؤخذ من أدوات الإنتاج ، لأن المجتمع الإقطاعي مثلاً تكون الفأس فيه هي أداة الإنتاج ، ومنها يؤخذ نظام الإقطاع ، فإذا تطور المجتمع إلى الرأسمالية تصبح الآلة هي أداة الإنتاج . ولذلك يؤخذ النظام الرأسمالي منها ، فنظامه مأخوذ من التطور المادي .

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2004
    المشاركات : 31
    المواضيع : 3
    الردود : 31
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    وأما المبدأ الرأسمالي فيرى أن الإنسان حين فصل الدين عن الحياة صار لا بد له أن يضع نظاماً لنفسه من الحياة ذاتها ، فصار يأخذ نظامه من واقعه يضعه بنفسه . وأما الإسلام فيرى أن الله جعل له نظاماً في الحياة يسير علـيه ، وأرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا النظام وبلغه إيـاه ، فيجب أن يسير عليه ، ولذلك هو يدرس المشكلة ، ويستنبط حلها من الكتاب والسنة .
    وأما من حيث مقياس الأعمال في الحياة فالمبدأ الشيوعي يرى أن المادية أي النظام المادي هو المقياس في الحياة ، وبتطوره يتطور المقياس ، والمبدأ الرأسمالي يرى أن مقياس الأعمال في الحياة هو النفعية ، وحسب هذه النفعية تقاس الأعمال ويقام بها على هذا الأساس . والإسلام يرى أن مقياس الأعمال في الحياة هو الحلال والحرام ، أي أوامر الله ونواهيه ، فالحلال يعـمل ، والحرام يترك ، ولا يتطور ذلك ولا يتغير . ولا تحكم فيه النفعية ، بل يحكم الشرع فقط .
    وأما من حيث النظرة للمجتمع فالمبدأ الشيوعي يرى أن المجتمع مجموعة عامة ، منها الأرض ، وأدوات الإنتاج ، والطبيعة ، والإنسان ، باعتبارها شيئاً واحداً هو المادة ، وحين تتطور الطبيعة وما فيها يتطور معها الإنسان ، فيتطور المجتمع كله ، ولذلك كان المجتمع خاضعاً للتطور المادي ، وما على الإنسان إلا أن يوجد التناقضات ليعجِّل هذا التطور ، وحين يتطور المجتمع ، يتطور الفرد بتطوره ، فيدور معه كما يدور السن في الدولاب .
    وأما المبدأ الرأسمالي فانه يرى أن المجتمع مكون من أفراد ، وانه إذا انتظمت أمور الفرد انتظمت أمور المجتمع ، ولذلك لا بد من النظرة للفرد فقط ، فالدولة إنما تعمل للفرد ولهذا كان هذا المبدأ فردياً . وأما الإسلام فيرى أن الأساس الذي يقوم عليه المجتمع هو العقيدة ، وما تحمل من أفكار ومشاعر ، وما ينبثق عنها من أنظمه ، فحين تسود الأفكار الإسلامية ، والمشاعر الإسلامية ، ويطبق النظام الإسلامي على الناس ، يوجد المجتمع الإسلامي ، ولذلك كان المجتمع مؤلفاً مـن الإنسان ، والأفكار ، والمشاعر ، والأنظمة . وأن الإنسان وحده مع الإنسان يؤلف جماعة ، ولكنه لا يؤلف مجتمعاً إلا بالأفكار التي يحملها الإنسان ، والمشاعر الموجودة لديه ، والأنظمة التي تطبق عليه ، لأن الذي يوجد العلاقة بين الإنسان والإنسان إنما هو المصلحة ، وهذه المصلحة إن توحدت الأفكار عليها ، وان توحدت المشاعر نحوها فتوحد الرضا والغضب ، وان توحد النظام الذي يعالج ، فقد وجدت العلاقة بين الإنسان والإنسان ، وان اختلفت الأفكار على المصلحة ، أو اختلفت المشاعر نحوها ، فلم يتوحد الرضا والغضب ، أو اختلف النظام الذي يعالجها بين الإنسان والإنسان لم توجد العلاقة ، وبالتالي لم يوجد المجتمع ، ولذلك كان المجتمع مكوناً من الإنسان ، والأفكار ، والمشاعر ، والأنظمة ، لأنها هي التي توجد العلاقة ، وتجعل الجماعة مجتمعاً معيناً .
    ولذلك لو كان جميع الناس مسلمين ، وكانت الأفكار التي يحملونها رأسمالية ديمقراطية ، والمشاعر التي يحملونها روحية كهنوتية أو وطنية ، والنظام الذي يطبق عليهم رأسمالياً ديمقراطياً ، فان المجتمع يكون مجتمعاً غير إسلامي ولو كان جل أهله من المسلمين .
    وأما من حيث تنفيذ النظام فالمبدأ الشيوعي يرى أن الدولة وحدها هي التي تنفذ النظام بقوة الجندي وصرامة القانون ، وتتولى عـن الفرد وعن الجماعة شؤونهم ، وهي التي تطور النـظام . والرأسمالية ترى أن الدولة إنما تشرف على الحريات ، فإذا اعتدى أحد على حرية غيره منعت هذا الاعتداء ، لأنها وجدت لضمان الحريات ، وإذا لم يعتد أحد على حرية آخر ولو استغله وأخذ حقوقه ، ولكن برضاه ، لا يكون هناك اعتداء على الحريات ، فلا تتدخل الدولة ، ولذلك فالدولة موجودة لضمان الحريات .
    وأما الإسلام فيرى أن النظام إنما ينفذه الفرد المؤمن بدافع تقوى الله ، وتنفذه الدولة بشعور الجماعة بعدالته ، وبتعاون الأمة مع الحاكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبسلطان الدولة . وتتولى الدولة شؤون الجماعة ، ولا تتولى عن الفرد شؤونه إلا إذا عجز عنها ، ولا يتطور النظام أبداً . والدولة لها صلاحية تبني الأحكام الشرعية إذا تعددت نتائج الاجتهاد فيـها .
    والقيادة الفكرية لمبدأ الإسلام متفقه مع فطرة الإنسان ، وهي على عمقها سهلة ميسورة ، سرعان ما يفتح لها الإنسان عقله وقلبه ، وسرعان ما يقبل عليها ليفهمها ، وليتعمق في فهم دقائقها بشغف وتقدير ، لأن التدين فطري في الإنسان ، وكل إنسان بفطرته ، متدين ، ولا تستطيع أي قوة أن تنزع منه هذه الفطرة ، لأنها متأصلة فيه ، فالإنسان بطبعه يشعر أنه ناقص ، وان هناك قوة أكمل منه ، وان هذه القوة تستحق التقديس ، والتدين هو الاحتياج إلى الخالق المدبر ، الناشئ عن العجز الطبيعي في تكوين الإنسان ، وهو غريزة ثابتة لها رجع معين هو التقديس ، ولذلك كانت الإنسانية في جميع العصور متدينة تعبد شيئاً ، فعبدت الإنسان ، والأفلاك ، والحجارة ، والحيوان ، والنيران ، وغير ذلك . ولما جاء الإسلام بعقيدته جاء ليخرج الإنسانية من عبادة المخلوقات إلى عبادة الله الذي خلق كل شيء . و لما ظهر المبدأ المادي الذي ينكر وجود الله و ينكر الروح لم يستطع أن يقضي على هذا التدين الطبيعي ، وإنما نقل تصور الإنسان لـقوة أكبر منه ، ونقل تقديسه لهذه القوة ، نقل كل ذلك إلى تصور هذه القوة في المبدأ وفي حملته ، وجعل تقديسه لهما وحدهما ، فكأنه رجع إلى الوراء ، ونقل تقديس الناس مـن عبادة الله إلى عبادة العباد ، ومن تقديس آيات الله إلى تقديس كلام المخلوقات ، فكان رجعياً في ذلك . ولم يستطع القضاء على فطرة التدين ، وإنما حولها بالمغالطة تحويلاً رجعياً . ولذلك كانت قيادته الفكرية تختلف مع طبيعة الإنسان ، وكانت قيادة سلبية . ومن هنا كانت القيادة الفكرية في الشيوعية مخفقة من ناحية فطرية ، وإنما يتحيل لها بالمعدة ، وتستهوى الجائعين ، والخائفين ، والبائسين ، ويتمسك بها المنخفضون ، والمخفقون في الحياة الحاقدون عليها ، والمصابون بالشذوذ العقلي ، حتى يقال أنهم من ذوي الفكر حين يتشدقون بالنظرية الديالكتيكية التي هي أظهر شيء فساداً وبطلاناً بشهادة الحس والعقل معاً . وتتوسل بالقوة لإخضاع الناس لمبدئها ، ومن هنا كان الضغط والكبت ، وكانت الثورات والقلاقل ، والتخريب والاضطراب من أهم وسائلها .
    وكذلك كانت القيادة الفكرية للرأسمالية مخالفة لفطرة الإنسان التي هي فطرة التدين ، لأن فطرة التدين كما تبرز في التقديس تبرز في تدبير الإنسان لأعماله في الحياة ، لظهور اختلافه وتناقضه حين يقوم بهذا التدبير ، وهذا آية العجز . ولذلك كان لا بد أن يكون الدين هو المدبر لأعمال الإنسان في الحياة . فإبعاد الدين عن الحياة مخالف لفطرة الإنسان . على أنه ليس معنى وجود الدين في الحياة هو جعل أعمال الحياة الدنيا عبادات بل معنى وجود الدين في الحياة هو جعل النظام الذي أمر الله به هو الذي يعالج مشاكل الإنسان في الحياة ، وهذا النظام صادر عن عقيدة قررت ما في فطرة الإنسان . فإبعاده وأخذ نظام صادر من عقيدة لا توافق غريزة التدين مخالف لفطرة الإنسان . ولذلك كانت القيادة الفكرية الرأسمالية مخفقة من ناحية فطرية ، لأنها قيادة سلبية في فصلها الدين عن الحياة ، وفي إبعادها التدين عن الحياة ، وجعله مسألة فرديه ، وفي إبعادها النظام الذي أمر الله به عن معالجة مشاكل الإنسـان .
    والقيادة الفكرية الإسلامية هي قيادة إيجابية لأنها تجعل العقل أساساً للإيمان بوجود الله ، إذ تلفت النظر إلى ما في الكون والإنسان والحياة ، مما يحمل على الجزم بوجود الله الذي خلق هذه المخلوقات ، وتعين للإنسان ما يبحث عنه بفطرته من كمال مطلق ، لم يوجد في الإنسان والكون والحياة ، وترشد عقله إليه ، فيدركه و يؤمن به .
    أما القيادة الفكرية الشيوعية فهي مبنية على المادية وليس على العقل ، وان توصل إليها العـقل ، لأنها تقول بوجود المادة قبل الفكر ، وبجعلها أصل الأشياء ، فهي مادية . وأما القيادة الفكرية الرأسمالية فهي مبنية على الحل الوسط الذي توصلت إليه من النزاع الدامي الذي استمر عدة قرون بين رجال الكنيسة ورجال الفكر ، وأنتج فصل الدين عن الدولة . لذلك كانت القيادتان الفكريتان الشيوعية والرأسمالية مخفقتين ، لأنهما متناقضتان مع الفطرة ، وغير مبنيتين على العقل .
    والحاصل أن القيادة الفكرية الإسلامية هي وحدها القيادة الفكرية الصحيحة ، وما عداها قيادات فكرية فاسدة ، لأن القيادة الفكرية الإسلامية مبنية على العقل ، في حين أن القيادات الفكرية الأخرى غير مبنية على العقل ، ولأنها قيادة فكرية تتفق مع فطرة الإنسان ، فيتجاوب معها ، في حين أن القيادات الفكرية الأخرى تخالف فطرة الإنسان . وذلك : أن القيادة الفكرية الشيوعية مبنية على المادية لا على العقل ، لأنها تقول أن المادة تسبق الفكر ، أي تسبق العقل ، ولذلك فالمادة حين تنعكس على الدماغ توجد به الفكر ، فيفكر في المادة التي انعكست عليه . أما قبل انعكاس المادة على الدماغ فلا يـوجد فكر ، ولذلك فكل شيء مبني على المادة ، فأصل العقيدة الشيوعية أي القيادة الفكرية الشيوعية هو المادية وليس الفكر .
    وهذا خطأ من وجهين ، الأول أنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ فلا الدماغ ينعكس على المادة ، ولا المادة تنعكس على الدماغ ، لأن الانعكاس يحتاج إلى وجود قابلية الانعكاس في الشيء الذي يعكس الأشياء كالمرآة ، فإنها تحتاج إلى قابلية الانعكاس عليها ، وهذا غير موجود ، لا في الدماغ ، ولا في الواقع المادي . ولذلك لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقاً ، لأن المادة لا تنعكس على الدماغ ، ولا تنتقل إليه ، بل ينتقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس ، ونقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاساً للمادة على الدماغ ، ولا انعكاساً للدماغ على المادة ، وإنما هو حس بالمادة ، ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس ، فيحصل من اللمس ، والشم ، والذوق ، والسمع ، إحساس كما يحصل من الإبصار . إذن فالذي يحصل من الأشياء ليس انعكاساً على الدماغ ، وإنما هو حس بالأشـياء . فالإنسان يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس ، ولا تعكس على دماغه الأشـياء .
    والثاني أن الحس وحده لا يحصل منه فكر ، بل الذي يحصل هو الحس فقط ، أي الإحساس بالواقع ، وإحساس زائد إحساس ، زائد مليون إحساس ، مهما تعدد نوع الإحساس ، إنما يحصل منه إحساس فقط ، ولا يحصل فكر مطلقاً ، بل لا بد من وجود معلومات سابقة عند الإنسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس به حتى يحصل فكر ، ولنأخذ الإنسان الحالي ، أي إنسان ، ونعطيه كتاباً سريانياً ، ولا توجد لديه أي معلومات تتصل بالسريانية ، ونجعل حسه يقع على الكتابة ، بالرؤية ، وباللمس ، ونكرر هذا الحس مليون مره ، فانه لا يمكن أن يعرف كلمة واحدة ، حتى يعطي معلومات عن السريانية ، وعما يتصل بالسريانية ، فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها . وكذلك لنأخذ الطفل الذي وجد عنده الإحساس ولم توجد عنده أي معلومات ، ولنضع أمامه قطعة ذهب ، وقطعة نحاس ، وحجراً ، ونجعل جميع احساساته تشترك في حس هذه الأشياء ، فانه لا يمكنه أن يدركها ، مهما تكررت هذه الاحساسات وتنوعت . ولكن إذا أعطي معلومات عنها ، وأحسها ، فإنه يستعمل المعلومات ويدركها . وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ عشرين سنه ولم يأخذ أي معلومات فانه يبقى كأول يوم يحس بالأشياء فقط ولا يدركها مهما كبر دماغه ، لأن الذي يجعله يدرك ليس الدماغ ، وإنما هو المعلومات السابقة مع الدماغ ، ومع الواقع الذي يحسه . هذا من ناحية الإدراك العقلي ، أما من ناحية الإدراك الشعوري فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية ، والذي يحصل عند الحيوان فأنه يحصل عند الإنسان ، فيعرف من تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة تؤكل والحجر لا يؤكل ، كما يعرف الحمار أن الشعير يؤكل وان التراب لا يؤكل ، ولكن هذا التميز ليس فكراً ، ولا إدراكاً وإنما هو راجع للغرائز وللحاجات العضوية ، وهو موجود عند الحيوان كما هو عند الإنسان ، ولذلك لا يمكن أن يحصل فكر إلا إذا وجدت المعلومات السابقة مع نقل الإحساس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ .
    وعليه فالعقل أو الفكر أو الإدراك هو نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقه يفسر بواسطتها الواقع .
    وعلى ذلك فالقيادة الفكرية الشيوعية مخطئة وفاسدة ، لأنها غير مبنية على العقل كما أن معنى الفكر والعقل عندها فاسد .
    وكذلك القيادة الفكرية الرأسمالية مبنية على الحل الوسط بين رجال الكنيسة والمفكرين ، فإنها بعد ذلك الصراع العنيف الذي أستمر عدة قرون بين رجال الدين والمفكرين ، توصلوا إلى حل وسط هو فصل الدين عن الحياة ، أي الاعتراف بوجود الدين ضمناً وفصله عن الحياة ، ولذلك لم تكن القيادة الفكرية مبنية على العقل ، وإنما هي حل ترضيه أو حل وسط . ولذلك نجد فكرة الحل الوسط أصيلة عندهم ، فهم يقربون بين الحق والباطل بحل وسـط ، وبين الإيمان والكفر بحل وسط ، وبين النور والظلام بحل وسط ، مع إن الحل الوسط غير موجود ، لان المسألة إما الحق أو الباطل ، وإما الإيمان أو الكفر ، وإما النور أو الظلام ، ولكن الحل الوسط الذي بنو عليه عقيدتهم وقيادتهم الفكرية أبعدهم عن الحق ، وعن الإيمان ، وعن الـنور ، ولذلك كانت قيادتهم الفكرية فاسدة لأنها غير مبنية على العقل .
    وأما القيادة الفكرية الإسلامية فإنها مبنية على العقل ، إذ تفرض على المسلم أن يؤمن بوجود الله وبنبوة محمد ، وبالقرآن الكريم ، عن طريق العقل . وتفرض الإيمان بالمغيبات ، على أن تأتى من شيء ثبت وجوده في العقل ، كالقرآن والحديث المتواتر ، ولذلك كانت قيادة فكرية مبنية على العقل .
    هذا من ناحية العقل ، أما من ناحية الفطرة فان القيادة الفكرية الإسلامية توافق الفطرة ، لأنها تؤمن بوجود الدين ، وبوجوب وجوده في الحياة ، وتسييرها بأوامر الله ونواهيه . والتدين فطري ، لأنه غريزة من الغرائز ، لها رجـع خاص هو التقديس ، وهو يختلف عن رجع أي غريزة أخرى غيرها ، وهو رجع طبيعي لغريزة معينة ، ولهذا كان الإيمان بالدين ، وبوجوب تسيير أعمال الإنسان في الحياة بأوامر الله و نواهيه ، غريزياً ، فهو موافق للفطرة ، ولذلك تتجاوب مع الإنسان .
    بخلاف القيادتين الفكريتين الشيوعية والرأسمالية فانهما تخالفان الفطرة ، لأن القيادة الفكرية الشيوعية تنكر وجود الدين مطلقاً ، وتحارب الاعتراف به ، فهي تتناقض مع الفطرة . والقيادة الفكرية الرأسمالية لا تعترف بالدين ولا تنكره ، ولا تجعل الاعتراف به أو إنكاره موضوع بحث ، ولكنها تقول بوجوب فصل الدين عن الحياة ، فهي تريد أن يكون سير الحياة نفعياً بحتاً لا شأن للدين به ، وهذا مناقض للفطرة ، وبعيد عنها . ولذلك كانت مناقضة لفطرة الإنسان .
    ومن هنا كانت القيادة الفكرية الإسلامية وحدها هي الصالحة ، لموافقتها لفطرة الإنسان ، ولموافقتها للعقل ، وما عداها فهو باطل . ولذلك كانت القيادة الفكرية الإسلامية وحدها هي الصحيحة ، وكانت وحدها هي الناجحة .
    بقيت مسألة واحدة هي هل طبق المسلمون الإسلام ؟ أم انهم كانوا يعتنقون عقيدة ويطبقون غيره من الأنظمة والأحكام ؟ ! والجواب على ذلك أن المسلمين طبقوا الإسلام وحده في جميع العصور ، منذ أن وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى سنة 1336هـ أي 1918ميلادية حين سقطت آخر دولة إسلامية على يد الاستعمار ، وكان تطبيقها شاملاً حتى نجحت في هذا التطبيق إلى ابعد حدود النجاح .
    أما كون المسلمين طبقوا عملياً الإسلام فان الذي يطبق النظام هو الدولة ، والذي يطبق في الدولة شخصان أحدهما القاضي الـذي يفصل الخصومات بين الناس ، والثاني الحاكم الذي يحكم الناس . أما القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى نهاية الخلافة في استانبول ، كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع الشريف في جميع أمور الحياة ، سـواء بين المسلمين وحدهم ، وبين المسلمين وغيرهم . وقد كانت المحكمة التي تفصل جميع الخصومات من حقوق وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك ، محكمة واحدة تحكم بالشرع الإسلامي وحده . ولم يرو أحد أن قضية واحدة فصلت على غير الأحكام الشرعية الإسلامية ، أو أن محكمة ما في البلاد الإسلامية حكمت بغير الإسلام قبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير الاستعمار . وأقرب دليل على ذلك سجلات المحاكم الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل يقيني بأن الشرع الإسلامي وحده هو الذي كان يطبقه القضاة . حتى أن غير المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه الإسلامي ويؤلفون فيه مثل سليم الباز شارح المجلة وغيره ممن ألفوا في الفقه الإسلامي في العصور المتأخرة . وأما ما أدخل من القوانين فانه أدخل بناء على فتوى العلماء بأنها لا تخالف أحكام الإسلام ، وهكذا أدخل قانون الجزاء العثماني 1275هـ الموافق 1857م وأدخل قانون الحقوق والتجارة 1276هـ الموافق 1858م ثم في 1288هـ والموافق 1870م . جعلت المحاكم قسمين محاكم شرعية ومحاكم نظامية ، ووضع لها نظام ثم في 1295هـ الموافق 1877م وضعت لائحة تشكيل المحاكم النظامية . ووضع قانون أصول المحاكمات الحقوقية والجزائية 1296هـ . ولما لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت المجلة قانوناً للمعاملات ، وأستبعد القانون المدني وذلك 1286هـ فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها الإسلام ، ولم توضع موضع العمل إلا بعد أن أخذت الفتوى بإجازتها ، وبعد أن أذن شيخ الإسلام بها ، كما تبين من المراسيم التي صدرت بها . وانه وان كان الاستعمار منذ سنة 1918م أي منذ احتلاله البلاد أخذ يفصل الخصومات في الحقوق والجزاء على غير الشريعة الإسلامية ، ولكن البلدان التي لم يدخلها الاستعمار بجيوشه وان دخلها بنفوذه ، لا تزال تحكم قضائياً بالإسلام ، فجزيرة العرب كلها : الحجاز ونجد والكويت ، وكذلك بلاد الأفغان ، لا تزال تطبق الإسلام قضائياً ولم تحكم حتى الآن في القضاء إلا في الشريعة الإسلامية ولو أن الحكام في هذه البلاد الآن لا يطبقون الإسلام . ومع ذلك نرى أن الإسلام طبق قضائياً ولم يطبق غيره في جميع عصور الدولة الإسلامية .
    أما تطبيق الحاكم للإسلام فانه يتمثل في خمسة أشياء : في الأحكام الشرعية المتعلقة بالاجـتماع ، والاقتصاد ، والتعليم ، والسياسة الخارجية ، والحكم . وقد طبقت هذه الأشياء الخمسة جميعها من قبل الدولة الإسلامية . أما النظام الاجتماعي الذي يعين علاقة المرأة بالرجل ومـا يترتب على هذه العلاقة أي الأحوال الشخصية ، فإنها لا تزال تطبق حتى الآن رغم وجود الاستعمار ووجود حكم الكفر ، ولم يطبق غيرها مطلقا حتى الآن . وأما النظام الاقتصادي فيتمثل في ناحيتين إحداهما كيفية أخذ الدولة للمال من الشعب لتعالج مشاكل الناس ، والثاني كيفية إنفاقه . أما كيفية أخذه فقد كانت تأخذ الزكاة على الأموال ، والأراضي ، والأنعام ، باعتبارها عباده ، وتوزعها فقط على الأصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن ولا تستعملها في إدارة شؤون الدولة ، وتأخذ الأموال لادارة شؤون الدولة والأمة حسب الشرع الإسلامي ، فهي لم تأخذ أي نظام للضرائب ، وإنما كانت تطبق الإسلام ، فتأخذ الخراج على الأرض ، وتأخذ الجزية من غير المسلمين ، وتأخذ ضرائب الجمارك بحكم إشرافها على التجارة الخارجية والداخلية ، وما كانت تحصل الأموال إلا حسب الشريعة الإسلامية . وأما توزيع المال فقد كانت تطبق أحكام النفقة للعاجز ، وتحجر على السفيه والمبذر ، وتنصب عليه وصياً ، وكانت تقيم أمكنة في كل مدينة ، وفي طريق الحج ، لاطعام الفقير والمسكين وابن السبيل ، ولا تزال آثارها موجودة حتى اليوم في أمهات بـلاد المسلمين . وبالجملة كان يجري إنفاق المال من الدولة حسب الشريعة ، ولم يجر حسب غيرها مطلقاً ، وما يشاهد من التقصير في هذه الناحية هو إهمال ، وإساءة تطبيق ، وليس عدم تطبيق .

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2004
    المشاركات : 31
    المواضيع : 3
    الردود : 31
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    وأما التعليم فان سياسته كانت مبنية على أساس الإسلام ، فكانت الثقافة الإسلامية هي الأساس في منهاج التعليم ، والثقافة الأجنبية يحرص في عدم أخذها إذا تناقضت مع الإسلام . وأما التقصير في فتح المدارس فهو إنما كان في أواخر الدولة العثمانية ، على السواء في جميع البلاد الإسلامية ، للانحطاط الفكري الذي بلغ نهايته حينئذ . وأما في باقي العصور فان من المشهور في العالم كله أن البلاد الإسلامية كانت وحدها محط أنظار العلماء والمتعلمين ، ولجامعات قرطبة وبغداد ودمشق والإسكندرية والقاهرة أثر كبير في توجيه التعليم في العالم .
    وأما السياسة الخارجية فإنها كانت مبنية على أساس إسلامي ، فالدولة الإسلامية كانت تبني علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس الإسلام ، وكانت جميع الدول تنظر إليها بوصفها دولة إسلامية ، وكانت علاقاتها الخارجية كلها مبنية على أساس الإسلام ومصلحة المسلمين بوصفهم مسلمين ، وإن أمر كون سياسة الدولة الإسلامية الخارجية هي السياسة الإسلامية مشهور شهرة عالمية تغني عن الدليل .
    وأما بالنسبة لنظام الحكم فان جهاز الدولة في الإسلام يقوم على سبعة أركان هي : الخليفة وهو رئيس الدولة ، والمعاونون له في الحكم ، والولاة ، والقضاة ، والجيش ، والجهاز الإداري ، ومجلس الشورى ، وهذا الجهاز كان موجوداً ، فان المسلمين لم يمر عليهم زمن لم يكن لهم فيه خليفة ، إلا بعد أن أزال الكافر المستعمر الخلافة على يد كمال اتاتورك سنة 1342هـ و 1924م . أما قبل ذلك فقد كان خليفة المسلمين دائمياً لا يذهب خليفة إلا وقد أتى بعده خليفة ، حتى في أشد عصور الهبوط . ومتى وجد الخليفة فقد وجدت الدولة الإسلامية ، لأن الدولة الإسلامية هي الخليفة ، وأمـا المعاونون فقد كانوا كذلك موجودين في جميع العصور ، وكانوا معاونين منفذين وليسوا وزراء ، وأنهم وان أطلق عليهم في عصر العباسيين لقب وزراء ولكنهم كانوا معاونين . ولم تكن لهم صفة الوزارة الموجودة في الحكم الديمقراطي مطلقاً ، بل كانوا معاونين ، وهيئة تنفيذية فقط ، والصلاحيات كلها للخليفة . وأما الولاة والقضاة والجهاز الإداري فان وجودها ثابت . والكافر المستعمر حين استلم البلاد كانت أمورها سائرة ، وفيها الولاة والقضاة والجهاز الإداري مما لا يحتاج لدليل . وأما الجيش فانه كان جيشاً إسلاميا ، وكان العالم يتركز في ذهنه أن الجيش الإسلامي لا يغلب ، وأما مجلس الشورى فانه بعد الخلفاء الراشدين لم يعن بوجوده ، والسبب في ذلك أن الشورى ليست قاعدة من قواعد الحكم ، وان كانت من جهاز الدولة ، وإنما هي حق من حقوق الرعية على الراعي ، فان لم يفعل بها يكون قد قصر ، ولكن الحكم يبقى حكماً إسلاميا ، وذلك لأن الشورى هي لأخذ الرأي وليست للحكم ، بخلافها في مجالس النواب الديمقراطية . ومن هذا يتبين أن نظام الحكم كان مطبقاً في الإسلام .
    وها هنا مسألة في بيعة الخليفة ، فان من المقطوع به أنه لم يكن في الخلافة نظام وراثة ، أي لم تكن الوراثة حكماً مقرراً في الدولة يؤخذ الحكم – أي تؤخذ رئاسة الدولة – بموجبها كما هي الحال في النظام الملكي ، وإنما كان الحكم المقرر في الدولة لأخذ الحكم هو البيعة ، كانت تؤخذ من المسلمين في بعض العصور ، ومن أهل الحل والعقد في البعض الآخر ، ومن شيخ الإسلام في آخر العصر الهابط . والذي جرى عليه العمل في جميع عصور الدولة الإسلامية أنـه لم ينصب أي خليفة إلا بالبيعة ، ولم ينصب بالوراثة دون بيعة على الإطلاق ، ولم ترو ولا حادثة واحدة أنه نصب خليفة بالوراثة من غير بيعة . غير أنه كان يساء تطبيق أخذ البيعة ، فيأخذها الخليفة من الناس في حياته لأبنه ، أو أخيه ، أو أبن عمه ، أو شخص من أسرته ، ثم تجدد البيعة لذلك الشخص بعد وفاة الخليفة ، وهذه إساءة لتطبيق البيعة وليست وراثة ، ولا ولاية عهد . كما أن إساءة تطبيق نظام الانتخابات لمجلس النواب في النظام الديمقراطي تسمي انتخاباً ولا تسمى تعييناً ، ولو فاز في الانتخابات الأشخاص الذين تريدهم الحكومة ، ومن ذلك كله نرى أن النظام الإسلامي طبق عملياً ، ولم يطبق غيره في جميع عصور الـدولة الإسلامية .
    أما نجاح هذه القيادة عملياً فقد كان نجاحاً منقطع النظير ولا سيما في الأمرين التاليين :
    أما أحدهما فان القيادة الفكرية الإسلامية نقلت الشعب العربي بمجموعه من حالة فكرية منحطة تتخبط في دياجير العصبية العائلية ، وظلام الجهل الدامس ، إلى عصر نهضة فكرية ، يتلألأ بنور الإسلام الذي لم يقتصر بزوغ شمسه على العرب ، بل عم العالم . فقد اندفع المسلمون في الكرة الأرضية ، وحملوا الإسلام للعالم ، واستولوا على فارس والعراق وبلاد الشام ومصر وشمالي أفريقيا . وكانت لكل شعب من هذه الشعوب قومية غير قوميات الشعوب الأخرى ، ولغة غير لغاتها ، فكانت قومية الفرس في فارس غير قومية الروم في الشام ، وغير قومية القبط في مصر ، وغير قومية البربر في شمالي أفريقيا ، وكانت عاداتهم وتقاليدهم وأديانهم مختلفة . وما أن استظلت بالحكم الإسلامي ، وفهمت الإسلام ، حتى دخلت الإسلام كلها ، وأصبحت جميعها أمة واحدة ، هي الأمة الإسلامية . ولذلك كان نجاح القيادة الفكرية الإسلامية في صهر هذه الشعوب والقوميات نجاحاً منقطع النظير ، مع أن وسيلة المواصلات في حملها هي الناقة والجمل ، ووسيلة نشرها اللسان والقلم .
    أما الفتح فكان لإزالة القوة بالقوة ، وكسر الحواجز المادية ، حتى يخلى بين الناس وما يرشدهم إليه العقل ، أو تهديهم إليه الفطرة ، ولذلك دخل الناس في دين الله أفواجا . أما الفتح الجائر فانه يباعد بين الفاتح والمفتوح ، والغالب والمغلوب ، وما أمر استعمار الغرب للشرق عشرات من السنين دون أن يظفر بنائل ببعيد ، ولولا أثر من الثقافة المظللة سيمحى ، وضغط من الزعامة المأجورة سيضمحل ، لكان العود إلى حظيرة الإسلام في مبدأه ونظامه أقرب مـن رد الطرف . . . ونعود فنقول : لقد كان نجاح القيادة الفكرية الإسلامية في صهر هذه الشعوب نجاحاً منقطع النظير ، وظلت هذه الشعوب مسلمة حتى اليوم ، بالرغم من طوارئ الاستعمار وخبثه ومكره في إفساد العقائد وتسميم الأفكار ، وستظل حتى تقوم الساعة ، أمة واحدة إسلامية . ولم يحصل مطلقاً أن أي شعب من الشعوب التي اعتنقت الإسلام أرتد عـن الإسلام .
    أما مسلموا الأندلس فقد أفنوا إفناء بمحاكم التفتيش ، وبيوت النيران ، ومقاصل الجلادين ، ومسلموا بخارى والقفقاص والتركستان فقد أصابتهم قارعة الذين سبقوهم . وإسلام هذه الشعوب وصيرورتها أمة واحدة وشدة حرصها على عقيدتها يصور مبلغ نجاح هذه القيادة الفكرية ، ومبلغ نجاح الدولة الإسلامية في تطبيق نظام الإسلام .
    أما الأمر الثاني الذي يدل على نجاح هذه القيادة ، فهو أن الأمة الإسلامية ظلت أعلى أمة في العالم حضارة ومدنية وثقافة وعلماً ، وظلت الدولة الإسلامية أعظم الدول في العالم وأقدرها مدة أثني عشر قرناً : من القرن السادس الميلادي حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي ، وكانت وحدها زهرة الدنيا ، والشمس المشرقة بين الأمم طوال هذه المدة ، مما يؤكد نجاح هذه القيادة ، ونجاح الإسلام في تطبيق نظامه وعقيدته على الناس . وحينما تخلت الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية عن حمل القيادة الفكرية حين أهملت الدعوة إلى الإسلام ، وقصرت في فهم الإسلام وتطبيقه ، انتكست بين الأمم .
    ولهذا نقول أن القيادة الفكرية الإسلامية هي وحدها الصالحة ، وهي وحدها التي يجب أن تحمل للعالم . وإذا تحققت الدولة الإسلامية التي تحمل هذه القيادة فسيكون نجاح هذه القيادة اليوم كما كان بالأمس .
    قلنا أن الإسلام يوافق فطرة الإنسان فيما أنبثق عنه من نظم ، ولهذا لا يعتبر الإنسان كائناً صناعياً يعيش على المسطرة ، ويطبق النظام بلا تفاوت بالقياس الهندسي الدقيق ، بل يعتبر الإنسان كائناً اجتماعياً يطبق النظام ككائن اجتماعي تتفاوت فيه القوى والخاصيات ، فمن الطبيعي من جهة أن يقارب بين الناس ولا يساوى ، مع ضمان الطمأنينة للجميع ، ومن الطبيعي من جهة أخرى وهذا موضع البحث الآن أن يشذ على هذا الاعتبار عن تطبيق هذا النظام أفراد فيخالفونه ، وأن لا يستجيب لهذا النظام أفراد ، وأن يتولى عن هذا النظام أفراد ، ولذلك كان لا غنى عن أن يكون في المجتمع فساق وفجار ، وأن يكون فيه كفار ومنافقون ، وأن يكون فيه مرتدون وملحدون ، ولكن العبرة بالمجتمع بمجموعه من حيث كونه أفكاراً ومشاعر وأنظمة وناساً ، فيعتبر مجتمعاً إسلاميا يطبق الإسلام ، حين تبدو فيه هذه الأشياء إسلامية .
    والدليل على ذلك أنه لا يمكن لأحد أن يطبق نظاماً كـما طبق محمد رسول الله ، نظام الإسلام ، ومع ذلك فقد وجد في أيامه كفار ومنافقون ووجد فساق و فجار ، ووجد مرتدون وملحدون ، ولكن لا يستطيع أحد إلا أن يقول جازماً : أن الإسلام كان مطبقاً تطبيقاً كاملاً ، وان المجتمع كان إسلاميا . ولكن هذا التطبيق كان على الإنسان الذي هو كائن اجتماعي ، وليس كائناً صناعياً .
    ولقد ظل الإسلام يطبق وحده على الأمة الإسلامية بكاملها – عـرباً وغير عرب – منذ أن استقر عليه الصلاة والسلام في المدينة ، إلى أن احتل الاستعمار بلاد المسلمين ، فاستبدل به النظام الرأسمالي .
    وعلى ذلك فالإسلام طبق عملياً منذ السنة الأولى للهجرة حتى سنة 1336هجرية الموافق سنة 1918ميلادية . ولم تطبق الأمة الإسلامية طوال هذه المدة أي نظام سوى الإسلام .
    حتى أن المسلمين مع كونهم قد ترجموا للعربية الفلسفة والعلوم والثقافات الأجنبية المختلفة ، لكنهم لم يترجموا أي تشريع أو قانون أو نظام لأي أمة مطلقاً ، لا للعمل به ، ولا لدراسته . إلا أن الإسلام بوصفه نظاماً كان يحسن الناس تطبيقه أو يسيئون هذا التطبيق ، تبعاً لقوة الدولة وضعفها ، وتبعاً لدقة فهمها أو مزايلتها للفهم ، وتبعاً لقوة حمل القيادة الفكرية أو التراخي فيه ، ولذلك كانت إساءة تطبيق الإسلام في بعض العصور تجعل المجتمع الإسلامي منحدراً بعد الانحدار ، ولا يخلو منه أي نظام ، لأنه يعتمد في تطبيقه على البشر ، ولكن إساءة التطبيق لا تعني أن الإسلام لم يطبق ، بل المقطوع فيه أن الإسلام طبق ، ولم يطبق غيره من المبادئ والنظم ، إذ أن العبرة في التطبيق للقوانين والأنظمة التي تأمر الدولة بالعمل بها ، ولم تأخذ الدولة الإسلامية أي شيء من ذلك من غير الإسلام ، وكل الذي حصل هو إساءة تطبيق لبعض نظمه من قبل بعض الحكام . على أن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً أنه يجب علينا حين نستعرض تطبيق الإسلام من التاريخ أن نلاحظ شيئين اثنين :
    أما أولهما فيجب إلا نأخذ هذا التاريخ عن أعداء الإسلام المبغضين له ، وأن نأخذه بالتحقيق الدقيق من المسلمين أنفسهم ، حتى لا نأخذ الصورة المشوهة . والشيء الثاني هو أنه لا يجوز أن نستعمل القياس الشمولي على المجتمع في تاريخ الأفراد ، ولا في تاريخ ناحـية من المجتمع ، فمن الخطأ أن نأخذ العصر الأموي من تاريخ يزيد مثلاً ، وأن نأخذ تاريخ العصر العباسي من بعض حوادث خلفائه ، كذلك لا يجوز أن نحكم على المجتمع في العصر العباسي من قراءة كتاب الأغاني الذي ألف لأخبار المجان والشعراء والأدباء ، أو من قراءة كتب التصوف وما شاكلها ، فنحكم على العصر بأنه عصر فسق وفجور ، أو عصر زهـد وانعزال ، بل يجب أن نأخذ المجتمع بأكمله . على أنه لم يكتب تاريخ المجتمع الإسلامي في أي عصر ، وإنما الذي كتب هو أخبار الحكام وبعض المتنفذين والذين كتبوا ذلك ليسوا من الثـقات ، وكلهم أما قادح أو مادح ، ولا يقبل لواحد منهما قول .
    وحين ندرس المجتمع الإسلامي على هذا الأساس ، أي ندرسه مـن جميع نواحيه ، وبالتحقيق الدقيق ، نجده خير المجتمعات ، لأنه هكذا كان في القرن الأول والثاني والثالث ، ثم سائر القرون حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري ، ونجده طبق الإسلام في جميع عصوره ، حتى أواخر الدولة العثمانية بوصفها دولة إسلامية . على أن الذي يجب أن يلاحظ أن التاريخ لا يجوز أن يكون مصدراً للنظام والفقه ، بل النظام يؤخذ من مصادره الفقهية لا من التاريخ ، لأن التاريخ ليس مصدراً له ، فحين نريد أن نفهم النظام الشيوعي لا نأخـذه من تاريخ روسيا ، بل نأخذه من كتب المبدأ الشيوعي نفسه ، وحين نريد أن نعرف الفقه الإنجليزي لا نأخذه من تاريخ إنجلترا بل نأخذه من الفقه الإنجليزي ، وهذا ينطبق على أي نظام أو قانون .
    والإسلام مبدأ له عقيدة ونظام ، فحين نريد معرفته وأخذه لا يجوز أن نجعل التاريخ مصدراً له مطلقاً ، لا من حيث معرفته ولا من حيث استنباط أحكامه .
    أما من حيث مصدر معرفته فهو كتب الفقه الإسلامي ، وأما من حيث مصدر استنباط أحكامه فهو أدلتها التفصيلية . ولذلك لا يصح أن يكون التاريخ مصدراً للنظام الإسلامي ، لا من حيث معرفته ، ولا من حيث الاستدلال به ، وعليه فلا يصح أن يكون تاريخ عمر بن الخطاب ، أو عمر بن عبد العزيز ، أو هـارون الرشيد ، أو غيرهم مرجعاً للأحكام الشرعية ، لا في الحوادث التاريخية التي رويت عنهم ، ولا في الكتب التي ألفت في تاريخهم . وإذا أتبع رأي لعمر في حادثة فإنما يتبع باعتباره حكماً شرعياً استنبطه عمر وطبقه ، كما يتبع الحكم الذي استنبطه أبو حنيفة والشافعي وجعفر وأمثالهم ، ولا يتبع باعتباره حادثة تاريخية . وعلى ذلك فلا وجود للتاريخ في أخذ النظام ، ولا في معرفته . على أن معرفة كون النـظام كان مطبقاً أم لا ، لا تؤخذ كذلك من التاريخ ، بل تؤخذ من الفقه ، لأن أي عصر من العصور كانت له مشاكل ، وكان يعالج هذه المشاكل بنظام ، فحتى نعرف ما هو النظام الذي كانت تعالج به المشاكل لا نرجع إلى حوادث التاريخ ، لأنه إنما ينقل الأخبار نقلاً ، بل يجب أن نرجع إلى النظام الذي كان يطبق ، أي إلى الفقه الإسلامي . وبالرجوع إليه لا نجد فيه أي نظام أخذه المسلمون من غيرهم ، ولا أي نظام اختاره المسلمون من عند أنفسهم ، بل نجده كله أحكاماً شرعية مستنبطة من الأدلة الشرعية . وأن المسلمين كان حرصهم شديداً على تنقية الفقه من الأقوال الضعيفة ، أي من الاستنباطات الضعيفة ، حتى نهوا عن العمل بالقول الضعيف ولو كان لمجتهد مطلق .
    ولذلك لا يوجد نص واحـد تشريعي غير الفقه الإسلامي في العالم الإسلامي كله ، بل الموجود هو الفقه الإسلامي فحسب ، ووجود نص فقهي وحده في أمة دون أن يوجد معه نص آخر يدل على أن الأمة لم تكن تستعمل في تشريعها غير هذا النص .
    والتاريخ إذا جاز أن يلتفت إليه فإنما يلتفت إليه لاستعراض كيفية التطبيق . ويمكن أن يذكر التاريخ الحوادث السياسية ، فترى فيها كيفية التطبيق . إلا أن هذا أيضاً لا يجوز أن نأخذه إلا بالتحقيق الدقيق من المسلمين ، وللتاريخ ثلاثة مصادر : أحدها الكتب التاريخية ، والثاني الآثار ، والثالث الرواية . أما الكتب فلا يجوز أن تتخذ مصدراً مطلقاً وذلك لأنها خضعت في جميع العصور للظروف السياسية ، وكانت تحشى بالكذب ، إما بجانب الذي كتب في أيامه ، وإما ضد الذين كتبت عنهم في أيام غيرهم ، وأقرب دليل على ذلك تاريخ الأسرة العلوية في مصر ، فإنها قبل 1952 كانت لها صورة مشرقة وبعد 1952 تغير هذا التاريخ إلى صورة قاتمة عكس ما كانت عليه . ومثل ذلك تاريخ الحوادث السياسية في عصرنا هذا ، وفيـما قبله . ولذلك لا يجوز أن نتخذ الكتب التاريخية مصدراً للتاريخ ، حتى ولو كانت مذكرات شخصية كتبها أصحابها .
    أما من حيث الآثار فإنها إذا درست بنزاهة تعطي حقيقة تاريخية عن الشيء ، وهذه وان كانت لا تشكل تسلسلاً تاريخياً ، ولكنها تدل على ثبوت بعض الحوادث . ومن تتبع آثار المسلمين في بلادهم سواء أكان في بنائهم ، أو أدواتهم ، أو أي شيء يعتبر أثراً تاريخياً ، يدل دلالة قطعية على أنه لم يكن موجوداً في العالم الإسلامي كله إلا الإسلام ، وإلا نظام الإسلام ، وإلا أحكام الإسلام ، وكان عيش المسلمين وحياتهم وتصرفاتهم كلها إسلامية ليس غير .
    أما المصدر الثالث وهو الرواية فهو من المصادر الصحيحة التي يعتمد عليها إذا صحت الرواية ، ويتبع فيه الطريق الذي سلك في رواية الحديث . وعلى هذا الأسـلوب يكتب التاريخ . ولذلك تجد المسلمين حين بدأوا يؤلفون ساروا على طريقة الرواية . ولهذا نجد كتب التاريخ القديمة كتاريخ الطبري ، وسيرة أبـن هشام ، ونحوهما ، ألفت على هذا الأسلوب . وعلى هذا فالمسلمون لا يجوز لهم أن يعلموا أبنائهم تاريخهم من الكتب التي ألفت ومصادرها كتب مثلها ، كما لا يجوز أن يؤخذ استعراض تطبيق نظام الإسلام من هذا التاريخ .ومن ذلك يتبين أن الإسلام طبق وحده على الأمة الإسلامية ، ولم يطبق غيره في جميع العصور .
    غير أنه منذ انتهت الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء وأعلن اللورد اللنبي قائد الحملة حين فتح بيت المقدس قائلاً : الآن انتهت الحروب الصليبية ، منذ ذلك الحين والكافر المستعمر يطبق علينا نظامه الرأسمالي في جميع شؤون الحياة ، حتى يجعل الانتصار الذي أحرزه أبدياً . ولذلك لا بد من تغيير هذا النظام الفاسد البالي ، الذي بسببه يتمكن الاستعمار من بلادنا ، ولا بد من قلعه من جذوره بأكمله جملةً وتفصيلاً حتى نستطيع أن نستأنف حياة إسلامية .
    وانه لمن سطحية التفكير أن نضع بدل نظامنا أي نظام ، ومن ضحالة الفكر أن نظن أن الأمة إذا طبقت النظام وحده دون عقيدة ينقذها ، بل لا بد أن تعتنق الأمة العقيدة أولاً ، ثم تطبق النظام المنبثق عن هذه العقيدة ، وحينئذ يكون تطبيق النظام واعتناق العقيدة منقذاً . هذا بالنسبة للأمة التي تتكون على مبدأ ، وتقوم دولتها على هذا الأساس ، أما بالنسبة لغيرها من الشعوب والأمم فلا ضرورة لأن تعتنق تلك الشعوب والأمم المبدأ حتى يطبق عليها ، بل الأمة التي تعتنق المبدأ وتحمله ، تطبقه على أي شعب أو أمة ، ولو لم تعتنق المبدأ ، لأنه ينهضها أيضاً ، ويجذبها لاعتناقه ، وليس اعتناق المبدأ شرطاً فيمن يطبق عليه ، بل اعتناق المبدأ شرط أساسي فيمن يطبقه .
    ومن الخطر أن نأخذ القومية والنظام الاشتراكي ، لأنه لا يؤخذ منفصلاً عن فكرته المادية ، لأنه لا ينتج ولا يؤثر ، ولا يؤخذ متصلاً بفكرته المادية ، لأنها فكرة سلبية تتناقض مع فطرة الإنسان ، وتقتضي أن تترك الأمـة الإسلامية عقيدة الإسلام . ولا يجوز أن نأخذ الاشتراكية ونحتفظ بالناحية الروحية من الإسلام ، لأننا لا نكون أخذنا لا الإسلام ولا الاشتراكية ، لتناقضهما ، ونقص المأخوذ منها ، ولا يجوز أن نأخذ نظام الإسلام ونترك عقيدته المنبثقة عنها أنظمته ، لأننا نكون أخذنا النظام جامدا لا روح فيه ، بل لا بد أن نأخذ الإسلام كاملاً بعقيدته وأنظمته ، وأن نحمل قيادته الفكرية حين نحمل دعوته .
    فسبيل نهضتنا هو سبيل واحد ، وهو أن نستأنف حياة إسلامية . ولا سبيل إلى استئناف حياة إسلامية إلا بالدولة الإسلامية ، ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا أخذنا الإسلام كاملاً : أخذناه عقيدة تحل العقدة الكبرى ، وتتركز عليها وجهة النظر في الحياة ، وأنظمة تنبثق عن هذه العقيدة ، أساسها كتاب الله وسنة رسوله ، وثروتها الثقافية هي الثقافة الإسلامية بما فيها ، مـن فقه ، وحديث ، وتفسير، ولغة ، وغيرها ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بحمل القيادة الفكرية الإسلامية حملاً كاملاً بالدعوة إلى الإسلام ، وبإيجاد الإسلام كاملاً في كل مكان ، حتى إذا انتقل حمل القيادة الفكرية إلى الأمة بمجموعها والى الـدولة الإسلامية ، قمنا بحمل القيادة الفكرية للعالم .
    هذا هو السبيل الوحيد للنهضة : حمل القيادة الفكرية الإسلامية للمسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية ، ثم حملها للناس كافة عن طريق الدولة الإسلامية .

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2004
    المشاركات : 31
    المواضيع : 3
    الردود : 31
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    الحضارة الإسلامية

    هنالك فرق بين الحضارة والمدنية ، فالحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة ، والمدنية هي الأشكال المادية للأشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة . وتكون الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة ، في حين تكون المدنية خاصة وعامة .فالأشكال المدنية التي تنتج عن الحضارة كالتماثيل تكون خاصة ، والأشكال المدنية التي تنتج عن العلم وتقدمه والصناعة ورقيها ، تكون عامة ، ولا تختص بها أمة من الأمم ، بل تكون عالمية كالصناعة والعلم .
    وهذا التفريق بين الحضارة والمدنية يلزم أن يلاحظ دائماً ، كما يلزم أن يلاحظ التفريق بين الأشكال المدنية الناجمة عن الحضارة ، وبين الأشكال المدنية الناجمة عن العلم والصناعة . وذلك ليلاحظ عند أخذ المدنية التفريق بين أشكالها ، والتفريق بينها وبين الحضارة . فالمدنية الغربية الناجمة عن العلم والصناعة لا يوجد ما يمنع من أخذها ، وأما المدنية الغربية الناجمة عن الحضارة الغربية فلا يجوز أخذها بحال ، لأنه لا يجوز أخذ الحضارة الغربية ، لتناقضها مع الحضارة الإسلامية ، في الأساس الذي تقوم عليه ، وفي تصوير الحياة الدنيا ، وفي معنى السعادة للإنسان .
    أما الحضارة الغربية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة ، وإنكار أن للدين أثراً في الحياة ، فنتج عن ذلك فكرة فصل الدين عن الدولة . لأنها طبيعية عند من يفصل الدين عن الحياة ، وينكر وجود الدين في الحياة . وعلى هذا الأساس قامت الحياة ، وقام نظام الحياة . أما تصوير الحياة فانه المنفعة ، لأنها هي مقياس الأعمال ، ولـذلك كانت النفعية هي التي يقوم عليها النظام ، وتقوم عليها الحضارة ، ومن هنا كانت النفعية هي المفهوم البارز في النظام ، وفي الحضارة ، لأنها تصور الحياة بأنها منفعة . ولذلك كانت السعادة عندهم إعطاء الإنسان أكبر قسط من المتعة الجسدية وتوفير أسبابها له . ولهذا كـانت الحضارة الغربية حضارة نفعية بحتة ، لا تقيم لغير المنفعة أي وزن ، ولا تعترف إلا بالنفعية ، وتجعلها هـي المقياس للأعمال . وأما الناحية الروحية فهي فردية لا شأن للجماعة بها ، وهي محصورة في الكنيسة ورجال الكنيسة . ولذلك لا توجد في الحضارة الغربية قيم أخلاقية ، أو روحية ، أو إنسانية ، وإنما توجد قيم مادية ونفعية فقط . وعلى هذا الأساس جعلت الأعمال الإنسانية تابعة لمنظمات منفصلة عن الدولة ، كمؤسسة الصليب الأحمر ، والإرساليات التبشيرية ، وعزلت عن الحياة كل قيمة إلا القيمة المادية وهي الربح . فكانت الحضارة الغربية هي هذه المجموعة من المفاهيم عن الحياة .
    أما الحضارة الإسلامية فإنها تقوم على أساس هو النقيض من أساس الحضارة الغربية ، وتصويرها للحياة غير تصوير الحضارة الغربية لها ، ومفهوم السعادة فيها يختلف عن مفهومها في الحضارة الغربية كل الاختلاف . فالحضارة الإسلامية تقوم على أساس الإيمان بالله ، وأنه جعل للكون والإنسان والحياة نظاماً يسير بموجبه ، وانه أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام ديناً ، أي أن الحضارة الإسلامية تقوم على أساس العقيدة الإسلامية ، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى . فكانت العقيدة هي الأساس للحضارة ، فهي قائمة على أساس روحي .
    أما تصوير الحياة في الحضارة الإسلامية فانه يتمثل في فلسفة الإسلام التي انبثـقت عن العقيدة الإسلامية ، والتي تقوم عليها الحياة ، وأعمال الإنسان في الحياة ، هذه الفلسفة التي هي مزج المادة بالروح ، أي جعل الأعمال مسيرة بأوامر الله ونواهيه ، هي الأساس لتصوير الحياة . فالعمل الإنساني مادة ، وإدراك الإنسان صلته بالله حين القيام بالعمل من كون هذا العمل حلالاً أو حراماً هو الروح . فحصل بذلك مزج المادة بالروح . وبناء على ذلك كان المسير لأعمال المسلم هو أوامر الله ونواهيه . والغاية من تسيير أعماله بأوامر الله ونواهيه ، هي رضوان الله تعالى ، وليس النفعية مطلقاً . أما القصد من القيام بنفس العمل فهو القيمة التي يراعى تحقيقها حين القيام بالعمل . وهذه القيمة تختلف باختلاف الأعمال . فقد تكون قيمة مادية كمن يتاجر بقصد الربح ، فان تجارته عمل مادي ، ويسيره فيها إدراكه لصلته بالله حسب أوامره ونواهيه ابتغاء رضوان الله . والقيمة التي يراعى تحقيقها من القيام بالعمل هي الربح ، وهو قيمة مادية .
    وقد تكون القيمة روحية ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج . وقد تكون القيمة أخلاقية ، كالصدق والأمانة والوفاء . وقد تكون القيمة إنسانية ، كإنقاذ الغريق وإغاثة الملهوف . وهـذه القيم يراعيها الإنسان حين القيام بالعمل حتى يحققها . إلا أنها ليست المسيرة للأعمال ، وليست المثل الأعلى الذي يهدف إليه ، بل هي القيمة من العمل وتختلف باختلاف نوعه .
    وأما السعادة فهي نيل رضوان الله ، وليست إشباع جوعات الإنسان ، لأن إشباع جوعات الإنسان جميعها ، مـن جوعات الحاجات العضوية ، وجوعات الغرائز ، هو وسيلة لازمة للمحافظة على ذات الإنسان ، ولا يلزم من وجود السعادة . هذا هو تصوير الحياة . وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه هذا التصوير . وهو الأساس للحضارة الإسلامية . وإنها لتناقض الحضارة الغربية كل المناقضة ، كما أن الأشكال المدنية الناجمة عنها تناقض الأشكال المدنية الناجمة عن الحضارة الغربية . فمثلاً : الصورة شكل مدني ، والحضارة الغربية تعتبر صورة امرأة عارية تبرز فيها جميع مفاتنها شكلاً مدنياً ، يتفق مع مفاهيمها في الحياة عن المرأة . ولذلك يعتبرها الغربي قطعة فنية يعتز بها كشكل مدني ، وقطعة فنية إذا استكملت شروط الفن ، ولكن هذا الشكل يتناقض مع حضارة الإسلام ، ويخالف مفاهيمه عن المرأة التي هي عرض يجب أن يصان ، ولذلك يمنع هذا التصوير لأنه يسبب إثارة غريزة النوع ويؤدي إلى فوضوية الأخلاق . ومثل ذلك أيضا ما إذا أراد المسلم أن يقيم بيتاً وهو شكل مدني ، فانه يراعي فيه عدم انكشاف المرأة في حال تبذلها لمن هو خارج البيت ، فيقيم حوله سوراً ، بخلاف الغربي فانه لا يراعي ذلك حسب حضارته . وهكذا كافة ما ينتج من الأشكال المدنية عن الحضارة الغربية كالتماثيل ونحوها . وكذلك الملابس ، فإنها إن كانت خاصة بالكفار باعتبارهم كفاراً لم يجز للمسلم أن يلبسها ، لأنها تحمل وجهة نظر معينة ، وان لم تكن كذلك بأن تعارفوا على ملابس معينة لا باعتبار كفرهم ، بل أخذوها لحاجة أو زينة فإنها تعد حينئذ من الأشكال المدنية العامة ويجوز استعمالها .
    أما الأشكال المدنية الناتجة عن العلم والصناعة كأدوات المختبرات والآلات الطبية والصناعية ، والأثاث والطنافس وما شاكلها ، فإنها أشكال مدنية عالمية لا يراعى في أخذها أي شيء ، لأنها ليست ناجمة عن الحضارة ، ولا تتعلق بها .
    ونظرة خاطفة للحضارة الغربية التي تتحكم في العالم اليوم ، ترينا أن الحضارة الغربية لا تستطيع أن تضمن للإنسانية طمأنينتها ، بل إنها على العكس من ذلك سببت هذا الشقاء الذي يتقلب العالم على أشواكه ، ويصطلي بناره . والحضارة التي تجعل أساسها فصل الدين عن الحياة خلافاً لفطرة الإنسان ، ولا تقيم للناحية الروحية وزناً في الحياة العامة ، وتصور الحياة بأنها المنفعة فقط ، وتجعل الصلة بين الإنسان والإنسان في الحياة هي المنفعة ، هذه الحضارة لا تنتج إلا شقاء وقلقاً دائمين ، فما دامت هذه المنفعة هي الأساس ، فالتنازع عليها طبيعي ، والنضال في سبيلها طبيعي ، والاعتماد على القوة في إقامة الصلات بين البشر طبيعي . ولذلك يكون الاستعمار طبيعياً عند أهل هذه الحضارة ، وتكون الأخلاق مزعزعة ، لأن المنفعة وحدها ستظل هي أساس الحياة . ولهذا فمن الطبيعي أن تنفي من الحياة الأخلاق الكريمة كما نفيت منها القيم الروحية ، وأن تقوم الحياة على أساس التنافس والنضال والاعتداء والاستعمار . وما هو واقع في العالم اليوم من وجود أزمات روحية في نفوس البشر ، ومن قلق دائم وشر مستطير ، خير دليل على نتائج هذه الحضارة الغربية ، لأنها هي التي تتحكم في العالم وهي التي أدت إلى هذه النتائج الخطيرة والخطرة على الإنسانية .
    ونظرة إلى الحضارة الإسلامية التي تحكمت في العالم منذ القرن السادس الميلادي حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، ترينا أنها لم تكن مستعمرة ، وليس من طبعها الاستعمار ، لأنها لم تفرق بين المسلمين وغيرهم ، فضمنت العدالة لجميع الشعوب التي دانت لها طوال مدة حكمها ، لأنها حضارة تقوم على الأساس الروحي الذي يحقق القيم جميعها : من مادية ، وروحية ، وأخلاقية ، وإنسانية . وتجعل الوزن كله في الحياة للعقيدة . وتصور الحياة بأنها مسيرة بأوامر الله ونواهيه ، وتجعل معنى السعادة بأنها رضوان الله ، وحين تسود هذه الحضارة الإسلامية كما سادت من قبل ، فإنها ستكفل معالجة أزمات العالم ، وتضمن الرفاهية للإنسانية جمعاء .




    .

المواضيع المتشابهه

  1. أزمة مصرفية أم أزمة النهج الرأسمالي؟
    بواسطة عطية العمري في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-10-2008, 03:27 PM
  2. جامع الكتب والأبحاث فى الرد على الإلحاد والمذاهب الفكرية المعاصرة
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 27-12-2006, 01:44 AM
  3. الشـاعر الأميري ، والشـاب الماركسي
    بواسطة ناصر الكاتب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-03-2005, 07:44 PM
  4. نماذج من الطرح الإسلامي العلماني ( تشويه البنية الفكرية للإسلام)
    بواسطة مهند صلاحات في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 19-01-2005, 09:30 AM