قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) [فاطر:45].
فلأن المفهوم أن الدواب تدب على الأرض أعاد إليها الضمير وإن لم يذكر لفظها.
وفي مسند أحمد:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ يَعْنِي عُبَيْدَ بْنَ الْأَخْنَسِ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَكْتُبُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ حَتَّى ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ!
فلأن السياق يتحدث عن الكلام أعاد الضمير إلى الفم الذي لم يذكر في هذه الرواية وغن كان ذكر في روايات أخر.
وأنقل هنا ما ورد في كتاب "جامع الدروس العربية" للشيخ مصطفى الغلاييني تنظيرا لذلك:
عود الضمير
إن كان الضمير للغَيبة فلا بد له من مرجعٍ يُرجع إليه؛ فهو:
1- إِما أن يعودَ إِلى اسم سبقه في اللَّفظ وهو الأصل، مثل "الكتاب أخذتُه".
2- وإما أن يعود إلى متأخرٍ عنه لفظًا متقدّمٍ عليه رُتبةً (أي بحسَب الأصل)، مثل "أخذَ كتابه زهيرٌ"؛ فالهاءُ تعود إلى زهير المتأخر لفظًا، وهو في نِيَّة التقديم، باعتبار رُتبته؛ لأنه فاعل.
3- وإما أن يعود إلى مذكور قبله معنىً لا لفظًا، مثل "اجتهِدْ يكن خيرًا لك" أَى يكن الاجتهاد خيرًا لك، فالضمير يعود الى الاجتهاد المفهوم من "اجتهِدْ".
4- وإما أن يعود إلى غير مذكور لا لفظًا ولا معنىً إن كان سياقُ الكلام يُعيِّنُهُ، كقوله تعالى {واستوَت على الجُوديّ}، فالضمير يعود الى سفينة نوحٍ المعلومة من المقام. وكقول الشاعر:
إذا ما غَضِبْنا غضْبَةً مُضْرِيةً * هَتكْنا حِجابَ الشَّمْس أو قَطرت دَما
فالضمير في "قطرَت" يعودُ الى السُّيوف التي يدُل عليها سياق الكلام.