|
الحمد للرحمن ألهمنا الهدى |
وهدى الأنام، فغيره لن تعبد |
وله الثناء على المدى سبحانه |
من غيره ملك الثناء الأجود |
وصلاة قلبي والسلام لنور من |
رحم الإله به المدارك أحمد |
هام الفؤاد تشوقاً للقائه |
فلحبه أضحى الفؤاد مجنداً |
رباه أنت رزقتني سبل الهدى |
لولاك ما خشع الفؤاد وما اهتدى |
عجزت سطوري أن تفيك الحمد لك |
وكذا اللسان مع اليراع على المدى |
لم يدعُ عبدٌ ربّه بتضرعٍ |
إلا ولبى باسطاً منه اليد |
نادتك نفسي يا إلهي بالرجى |
كيما أحج ملبياً وموحداً |
كم كنت أدعو من فؤادي لهفة |
شرفاً لنفسي أن أزور المسجد |
فأثبتني ربي زيارة بيتك |
أنت الكريم وكنت منك مؤيداً |
|
وجهت خطوي في زيارة مكة |
لبيك ربي جئت بابك تائباً |
ربي فردَّ كتاب عمري أجدد |
ولسان حالي قال ربك يرحم |
شُعْثَ الرؤوس وغُبرَها والسجّدَ |
والله ليس يضيع فيها عاملاً |
ليرد منها أو يضيعه سدى |
وعد العباد بأن ربك غافر |
ما كان ربك أن يخالف موعداً |
ووصلت مكة منزلاً متباركاً |
فالثغر غناها وقلبي أنشد |
ما عدت أعبأ في الرحاب –جلالةً- |
بحلول موتي أو أخاف من الردى |
إذ من يبالي في ديار من بها |
يقضي، يكون بحتفه مستشهداً |
لاقيت وعداً فيه أول مرة |
بيتاً حراماً كان نبراس الهدى |
أحببت عيني حينها إذ أنها |
أهدت لروحي حلم عمر مبعداً |
في كعبة فاضت بنور سكينة |
وأنالها الرحمن منه السؤدد |
لكأنها ليلَ الزفاف صبيةٌ |
طافوا بها كيما بفرح تسعد |
أحسست أن لسانها في لحظة |
سيقول حمداً، فالمهيمن أيّد |
ودعوت ربي من صميم جوارحي |
هبني الجنان وفيَ لا تتشدد |
واغفر ذنوبي أنت ربي غافر |
وارحم إلهي الأم ثم الوالد |
حرم سما في أمنِهِ ووقارِهِ |
من نوره يعطي البهاء المشهد |
أمواج حجاج تطوف بكعبة |
فترى الجميع ملبياً وموحداً |
من كل فج قد أتوا كي يشهدوا |
لهمُ منافعَ مثلها لن يُشهد |
وترى الورى من كل لون قد أتوا |
يدعون رب العالمين الواحد |
رغم اللغات بقيت أسمع كلْمةً |
"غفرانك اللهم جئتك ناشداً" |
سمّرْتُ طرفي في الطواف بكعبة |
كالأم ترنو للوليد تفقداً |
ويدي إلى الحجر المقدس قد علت |
والطائفون لعزه رفعوا اليد |
ومكبرون الله شكرَ هدايةٍ |
للخير كلٌّ منهمُ متعهداً |
لله، ليس كمثله شيء، ومن |
للناس كان الخالق المتفرّدَ |
ومصدقاً بكتاب رب واحد |
في الآي كان الواعد المتوعد |
ليفي بعهد الله أن يمينه |
لن ينقض الميثاق مهما هدد |
سيظل متبعاً لهدي نبيه |
صلى عليه الله ما فجر بدا |
ومقام سيدنا الخليل بدا وقد |
سد المدى يوم ابنه فيها افتدى |
وبه خيار المسلمين بحجهم |
في ذبحه للأضحيات به اقتدى |
ذا موطىء القدمين باد عندها |
بيتاً بنى معه ابنه وقواعداً |
وبركعتين خفيفتين ودعوة |
تتلو طوافاً للدعاء تجرداً |
من زمزم الرحمات كانت شربة |
من بردها بركاتها تروي الصدى |
أهدت لنفسي الأمن بعد تخوف |
وروت فؤاداً كاد أن يتفأّد |
تشفي السقيم فلا يعاوده السقام |
دواء زمزم في الشفاء تفرد |
أَعظِمْ بها ماءً لما شُرِبَتْ له |
أكرِمْ بها بئراً تروّي الوارد |
رباه إن تقبل طوافي راحماً |
هدأتني وأجيج قلبي أُخمد |
|
والسعي ما بين الصفا والمروة |
كالأم سعياً بينها من أجل ما |
تروي به طفلاً بموت هدد |
وككل ساع خاشع في سعيه |
أدعوك ربي دعوة لن تفسد |
هي عمرة كانت لوجهك ربنا |
يوم الحساب تكون عندي الشاهد |
جافت مضاجعها الجنوب وأعيني |
نسيت لشوقي نومها والمرقد |
فالشوق أوقظ في النفوس حنينها |
لقدوم أهل الأرض تبغي المسجد |
والليل في الحرم استفاض سكينة |
تحييه آلافٌ قياماً هجداً |
سمع الحجيج أذانه في هيبة |
يعلو به فيضيء ليلاً أسوداً |
وأذان فجر رائع بوقاره |
يصل الثريا في الصفاء تفرداً |
ليرطب الفجر اللذيذ بخفة |
فكأنه فجر تكلل بالندى |
الله أكبر وحده ربٌ وأنّ |
رسوله في العالمين محمداً |
وقف الجميع لدى الإقامة صفهم |
سمعاً لقول أمامهم إذ ردد |
سووا الصفوف وعدلوا واسعوا إلى |
جعل القلوب تصير قلباً واحداً |
يا روعة الحرم المضيء بفجره |
فيه الصلاة تردّ قلبي بارداً |
رباه ألحقني بمن بك مؤمن |
واجعل هداي مؤمّناً ومسدداً |
رباه إن تقبل صلاتي راحماً |
هدّأتَ نفسي والفؤادَ والموقَدَ |
|
كان انتظار كاد يفرغ صبره |
فكأنني يوم امتحاني للهدى |
أرجو لأعمالي به أن تصعد |
درجات حسنى عند رب غافر |
فأنال غفراناً وعزاً أمجداً |
عرفات لما فيه زالت شمسه |
دمع العيون على خدودي خدد |
لله ثغري لم يكل بذكره |
فهنا الدعاء يجاب حتماً أكد |
إبليس مخزي بها مع حزبه |
بحقارِهِ يذوي خسيئاً صفد |
والله باهى بالعباد ملائكاً |
وبيومها عتق الرقاب تعدد |
ودعاء خير الخلق طه لم يزل |
خير الدعاء مبيناً ومحددا |
أن لا إله سوى الإله ووحده |
ذو الملك إذ أدعوه رباً واحداً |
رباه فارحم من أتى لك راجياً |
وأنله فردوس الجنان مخلداً |
ثم انقضى يومٌ سعدْتُ بحجِّهِ |
طوبى لمن غنم الزمان وأسعد |
عرفات نفسي فارقتني عندما |
عنك ابتعدت، نسيت أن أتجلد |
رباه إن تقبل وقوفي راحماً |
هدأت نفسي والفؤاد الموقد |
|
حتى ازدلفنا والصلاة بها اثنتان |
فمبيت ليل مع طواف إفاضة |
رمياً لمن من رحمة قد أبعد |
أيام تشريق مباركة تلت |
هي خير أيام لكي نتزود |
ختم الكتاب بمكة ما مثله |
من ختمة مهما الزمان تأبد |
ربي تقبل واعف عني إنني |
عبد بحبك قلبه قد أوجد |
فضل الجهاد على الرجال مميز |
فاكتب جهاداً إذ أتيتك قاصداً |
رباه فاقبل لي المناسك إن لي |
قلباً بدونك للهداية فاقداً |
|
ودعت في أم القرى قلبي الذي |
وتركتها في حسرة وتألم |
فالنار تغلي في الفؤاد توقداً |
فدعوت ربي أن يهبني عودةً |
لأزورها متقرباً متودداً |
فارزق إلهي المسلمين زيارة |
واهد الرشاد لكل من قد ألحد |
وارفع إلهي راية الإسلام في |
كل البقاع ولا تؤيد جاحد |
|
ما بين مكة والمدينة هجرة |
(الله ثالثهم) بنصر واثق |
أمشي بها والقلب مني قد غدا |
متشوقاً متلهفاً ومصلياً |
كالركب هام إلى الرسول وأنشد |
البدر فينا طالع نلنا به |
شرفاً جليلاً رائعاً، شرف الهدى |
حرم النبي بدا سراجاً ساطعاً |
وسط المدينة للظلام مبدداً |
فيه الرسول وصاحبيه بروضة |
أبدت لهم درب الجنان ممهداً |
منه الرسالة أشرقت من منبر |
القبة الخضراء تعلو المسجد |
طوبى لمن صلى وزار نبينا |
ودعا الإله مقدساً وممجداً |
وعلى النبي مسلماً في قبره |
وأحبه وأطاعه وبه اقتدى |
رباه منه شفاعةً في المحشر |
من حوضه سقياً فتروي الوارد |
حرم النبي به الصلاة بوقتها |
كانت كتاباً وقته متقيداً |
وقباء أول مسجد وأساسه |
باب المدينة بالتقى قد شيد |
وترى هنا آثار خندقة، لها |
جمع الرسول عزائماً وسواعداً |
في حفرة ظهرت بشائر نصره |
شورى لسلمانٍ، وكانت ذائداً |
ردت عن الدين الحنيف عدوه |
هزمت على باب المدينة حاقداً |
أحدٌ بها ذكرى الهزيمة إذ على |
أحد عصى فيها الرماة القائد |
من خلفهم قد هوجموا بكتيبة |
وقد ابتلوا لما استبانوا خالداً |
بقيت هنا ملقى لأجيال تلت |
عبر النفوس تفوق فيها العسجد |
نلقي السلام لدار قوم آمنوا |
واختارهم ربي فكانوا الشُهَّدَ |
أسد المهيمن حمزة بعرينه |
قد كان فيها للعدو الحاصد |
طابت مراقدهم وزاد بهاؤها |
ضمت بها أهل الشهادة والهدى |
رباه أكرمني بنيل شهادة |
رباه أكرم كل من قد جاهد |
جاء الوداع ففار دمعي، إنني |
فارقت أُسْداً في المدينة رُقّداً |
فارقت أصحاب الحبيب وأرضه |
من كان للناس المحب المرشد |
صلى عليك الله يا علم الهدى |
ما ناح طير في الرياض وغرد |
ما حل ليل أو نهار بل وما |
صوت البلابل في المرابع قد شدا |
يا خير خلق الله يا من بعده |
شرفت حياتي إذ غدوت مقلداً |
وهنا انتهى فينا المطاف برحلة |
هي حقْبة في العمر لن تتبدد |
فارقت أقدس بقعة من بعدها |
علق الفؤاد بحبها وتعود |
فالحج مدرسة لكل موحد |
منها انطلاق العبد كي يتزود |
والحج إيمان يزيد قلوبنا |
كالنهر كان لكل أرض رافداً |
أدركت معنى الصبر عند وروده |
علّمت قلبي أن يكون مجاهداً |
والناس كلهمُ سواء عنده |
لا يفضُلُ العربي عبداً أسوداً |
إلا بتقوى من يحقق شرطها |
يجد الطريق إلى الجنان معبداً |
كم كنت أحسبني بلغت من التقى |
نزلاً رفيعاً غير أن المشهد |
أبدى الألوف كجيش إيمان مضى |
يحيي عرى الإيمان كي يتوطد |
فكنقطة في بحر طاعتهم أنا |
ما كنت إلا جاهلاً متبلداً |
فحسمت أمري أن أنافسهم بما |
يدعو الإله إليه حتى يعبد |
أدركت أن الله يدعم عبده |
إن مد نحو أخيه في العون اليد |
إن آثر الإخوان رغم خصاصة |
حلت به أو كان يوماً مجهداً |
وعلمت ما خشن الحياة وأن ما |
من نعمة ستدوم فينا سرمداً |
ولكي أجاب، علي إخلاص له |
وبأن أكون على الدعاء مشدداً |
يا من يجير المستجير إذا دعا |
يا غافراً للعبد مهما عربد |
من ضل كنت له الهدى إن أخلص |
من تاب كنت له الغفور الساند |
أما الذي شيطانه في رأسه |
أرسلت من فور شهاباً راصداً |
أنا لست أمشي غير دربك للهدى |
مهما بدا درب الضلال معبداً |
ودعوت ربي وانشغلت بذكره |
في كل حين ساعياً أن أحمد |
فالذكر يروي الروح رياً دائماً |
يسمو بنفس الذاكرين لتصعد |
رباه أكرمني بأن أبقى على |
حال التقى وبأنْ بها أتأبد |
وقراءة القرآن أفضل شاغل |
لترد من ألم الصدور تنهداً |
حلو الكلام يسيل منه عذوبةً |
لو فيه كان مرتلاً ومجوداً |
ويزيد روعته تدبر آية |
رباه ساعدني به كي أرشد |
رباه فاجعلني بزمرة أهله |
في حفظه أصلاً شرفت ومحتداً |
ويكون في صدري جلاء همومه |
ويكون في الليل الظليم الفرقد |
ليكون في قلبي اخضرار ربيعه |
فيزيد بستان الفؤاد تورداً |
يا حج قد نبهتني في رحلتي |
وأنا أراقب في الطواف المشهد |
علمتني عبراً جهلت دروسها |
فرأيت مثل الحشر فيك تحاشدا |
في يوم لا ملك سوى ملك الملوك |
ويوم لا ولد يناصر والداً |
يوم انذهال المرضعات لما جرى |
والناس فيها كالسكارى في السدى |
تضع الحوامل حملها من خوفها |
وجلال موقفها يزيد ترعداً |
يا حج كم غيرت نفساً يومها |
وألنت قلباً كان قبلك جلمداً |
القلب أنكر بعد حجي ذنبه |
وعلى الهداية والتقى قد عاهد |
رباه هب للناس حجتهم وزد |
من كان قبلاً للهداية فاقداً |
كم كنت أحلم أن أحقق حجتي |
حلم قضيت العمر فيه تسهداً |
يا رحلة بالعمر أفدي خطوها |
يا ليتني ما كنت منها عائداً |
|
بيراع قلبي قد سطرت قصيدتي |
ذكرى لقارئها برحمن هدى |
ربٍ فخرت لذاته أن أعبد |
ربي دعوتك أن تثيب بجنة |
من لي بحجي قد أعان وساعد |
أدعوك أن بالعدل ترحم والدي |
وهب لهم أجراً بتربيتي الهدى |
في آخر الدعوات حمدٌ صادقٌ |
لله إذ بالخير قلبي ساند |
ثم الصلاة على الحبيب محمد |
من حبه في القلب كان السائد |