شريطة سوداء.
بغض و مقت و كراهية .. عينان مليئتان بالحقد النابع من القلب..
شعور متبادل منذ اللحظة الأولى .على الرغم من أني لا أعرفها ..لا أدري ما سبب هذا الشعور حتى انها هي لا تعرفني أيضا ..
كلما مررت بها أنظر إليهما رغما عني فأجدها تنتظر الحافلة هي الأخرى .تلتقي عينانا و يا له من حديث رغم أنه لا يتجاوز بضع دقائق إلا أنه مشبع بكل معاني الحقد و الكره .....
يا إلهي ما هذا ..إني لا أكاد أطيق وجودها ..بل إني لا أطيقها ...كما أنها لا تحتملني مع أني لا أعرف حتى اسمها ، و لم أتحدث معها قط .حتى أنني لا أعرف ما هي نبرة صوتها لم ينبث أحدنا ببنت شفة منذ صرت أراها كل يوم و أنا ذاهبة إلى العمل ، إلى السوق صرت أراها .أرى شريطة شعرها السوداءالمميزة فتزيد بغضي لها أرى عيناها أرى حقدها و بغضها الذي يكبر و ينمو كل يوم و كل دقيقة و كل ثانية ..و كأنه يباري مقدار كرهي لها .. فمقتي لها لا يعادله شيء ..
أوه ...لكم اختنق و أتضايق كلما رأيتها ..كذلك هي أيضا .. لقد صارت أحد الأساسيات في حياتي .استحوزت على جزءا كبيرا من برنامج حياتي اليومي ..أراها كل يوم و لا أستطيع تجنب النظر إليها و كأن بغضي لها يتقرص جوعا .. يحتاج لأن يزداد و يسمن
اعتدت رؤيتها كل صباح ..اعتدت على نظراتها ،كما اعتدت على كرهها و بغضها رغم أني أدرك تماما و أثق بأننا لم نشتبك و لكن ذلك الشعور الخفي يسيطر علي تماما ..
و لكن ، و لكن إذا بي أخرج يوما على عادتي فلا أجدها ...كان شيئا غريبا ...راودني القلق..ترى ..أين ذهبت ؟؟؟ ترى هل خرجت مبكرا اليوم ؟؟ ربما . لم لا ؟!
شعرت براحة كبيرة لعدم رؤيتها .. ابتسمت ..مرقت بمكانها سريعا و نظرت إليه ببغض شديد ثم انطلقت إلى العمل . تكرر اختفاءها على مر أسبوع ، أسبوعين .. ثم شهر كامل ..
بدأ القلق يراودني من جديد . بل و لم أعد أشعر بأي ارتياح كما ازددت توترا . ترى أين ذهبت ؟؟ ...هل سافرت ؟؟ ..و لكن هكذا ...دون حتى أن أراها و هي تعد الحقائب؟!!. صرت أطيل فترة مكوثي في مكانها أنتظرها لعلها صارت تتأخر في نزولها تجنبا لملاقاتي ...بات الأمر يسيطر على عقلي و وجداني كسيطرة مقتي لها على قلبي .. ترى أهو حب الفضول الغريزي في الإنسان ؟؟ أم أنني ....؟؟؟. أوه لا لا أدري أي شيء لا أدري ...
يا إلهي! و بعد إلى متى يمكنني تحمل ذلك .كلي فضول و هشة و حيرة و بغض و عاطفة حتى أصبحت أتوق شوقا لرؤية عينيها الحاقدتين ..أنظر إلى ذلك الوجه الصارم و العينتان السوداوان الامعتان و شريطها الناعمة السوداء التي تنسدل وراء شعرها الذي تداخلت فيه الكثير من الألوان و الصبغات .. لكم تشدني تلك الشريطة السوداء ! لا أدري كيف تربطها . لها ربطة مميزة لا أظن أن أحدا يمكنه عمل تلك الربطة مثل غريمتي كما أن أحدا لا يمكنه فكها .هل أبكي؟ أم أفرح ؟ الأجدر بي أن استريح بل و أقيم حفلة ،و لكن .
أين يمكنني أن أبحث عنها في هذه الدنيا الواسعة ..لا أدري أين تقطن .كما أنني لا أدري أين يعيش أهلها ..
مر أكثر من شهرين .و أنا على تلك الحال ..صرت أصاب بالأرق أكثر الليل ..كما فقدت شهيتي تماما ...
و بعد أكثر من ثلالثة أسابيع لفت نظري أسرة يكسوها السواد و الحزن يستعدون للرحيل فقد كان ذلك واضحا من حقائبهم الكثيرة التي حولهم ..و قد ذهب رب الأسرة يستوقف سيارة أجرة بينما زوجته فقد وقفت و بجانبها فتا صغيرا .و هو على ما اعتقد نجلها و قد وقفت دامعة مرتدية حدادا أسود تنظر إلى الأرض منكسة .أما الفتى الصغير فقد أخرج من حقيبته صورة و أخذ ينظر إليها بعينين دامعتين ..كانت لوحة كبيرة لم أرى منها غير ظهرها و ........
ما هذا ؟ يا إلهي .إنها هي . هل .....؟ و لكن ..... كيف ؟ و متى ؟
إنها هي لقد اكتشفت الحقيقة ..بدون أن أنظر إلى تلك اللوحة لا أحتاج إلي رؤية صاحتها إن صاحبة تلك اللوحة فتاة لهاعينان حاقدتان لامعتان لا بد و أنها قد انطفأتا و وجه صارم شديد مؤكد صار ترابا كما كانت اللوحة محاطة بشريط شريط أسود لامع .. له ربطة مميزة تختلف عن نظيراتها لا يمكن لأحد أن يربطه أو يفكه إلا شخص واحد ..و لا أعتقد أنه سينفك أو يتشكل من جديد سيظل هكذا يزين لوحة صاحبته كما كان يزين شعرها الجميل .
يا إلهي ! أشعر بانقباض رهيب.و كأن سكينا طعن قلبي .أشعر أنني السبب ..لا لا يمكن هاجت مشاعري ..لا أدري هل كنت أكرهها بالفعل ؟ و هل كانت تكرهني ؟
أم أم .ربما لا تعرفني أبدا . هل . هل يمكن ألأ تكون قد انتبهت لوجودي ؟ ربما لا تعرفني أصلا .. و لا تعرف ما كان يجول بنفسي ..لا لا يمكن ...........
ركضت سريعا إلى البيت حيث مكثت طوال أسبوع أو ما يزي بحالة يرثى لها ...
لا طعام ..لا شراب . لا نوم ..و حال لوني...
إلى أن قررت أن أستعيد حياتي من جديد ..
نهضت من فراشي .وقفت من جديد .ارتديت ملابسا سوداء ..ثم خرجت إلى الشارع ..مررت بذاك المكان و لكني لم أجد بغضا لم أجد مقتا و لا حتى كراهية .لم أجد ربطة مميزة لشريطة سوداء..
بقلم /
نهاد صلاح معاطي.