بسم اللـه الرحمن الرحيم
أوْ
وهي من الحروف الهوامل، وذلك نحو قولك: أكلت خبزاً أو تمراً، وتعطف ما بعدها على ما قبلها.
وتكون تخييرا، وذلك نحو قولك: تزوج هنداً أو بنتها، خيرته بينهما، ولايجوز أن يجمعهما.
وتكون إباحة، وذلك قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، وتعلّم الفقه أو الأدب، أي ذلك مباح لك، تفعل منه ما شئت على الانفراد والاجتماع.
ويدخل النهي على هذا باللفظ نحو قوله تعالى:
(( ولاتطعْ منهمْ آثماً أوْ كفوراً)).
ولايجوز أن يقع "أو" مع الأفعال التي تقتضي فاعلين، ولا مع الأسماء التي على هذه الصفة، ولايجوز أن تقول: تخاصم زيد أو عمرو، ولا جلست بين زيد أو عمرو، وكذلك ما جرى هذا المجرى.
فأما قول الشاعر:
فكان سيان ألا يسرحوا نَعَماً
أو يسرحوا بها واغبرّت السُّوحُ
فإنما سوّغ ذلك أنه وجدهم يقولون: جالس الحسن أوابن سيرين على معنى الإباحـة، وهو كقولك: جالس الحسن وابن سيرين، فاستعمل ذلك على هذا التقدير، ولايجوز مثله في الكلام.
فأما قوله تعالى:
((وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدُونَ)): ففيه خمسة أقوال، ثلاثة منها للبصريين:
أحدها: قال سيبويه، وهو أن "أو" هاهنا للتخيير، والمعنى: إذا رآهم الرائي منكم، يخيّر في أن يقول: هم مائة ألف أو يزيدون.
والثاني: حكاه الصيمري عنهم، وهو أن "أو" هاهنا لأحد الأمرين على الإبهام، وهو أصل أو.
والثالث: ذكره ابن جني، وهو أنّ "أو" هاهنا للشك، والمعنى أن الرائي إذا رآهم شكّ في عدّتهم لكثرتهم.
وأما أهل الكوفة: فذهب قوم منهم إلى أن "أو" بمعنى الواو، وكذلك قالوا في قوله تعالى:
(( لعلّه يتذكر ويخشى )).
زعموا أن معناه: لعله يتذكر ويخشى، ومثله:
((عذرا أو نذرا)).
وقال آخرون منهم، "أو" هاهنا بمعنى بل، والمعنى: بل يزيدون، ولايجوز ذلك عند البصريين.
وتضمر مع أو "أن"، وذلك إذا كان معناها معنى حتّى، وذلك قولك:
لألازمنّك أو تقضيني حقي، والمعنى: حتى تقضيني، قال امرؤ القيس:
فقلت له: لاتبكِ عينك إنما
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وتأتي "أو" مع همزة الاستفهام، وذلك نحو قولك: أزيد عندك أو عمرو، والجواب: نعم، أولا، لأن المعنى: أعندك أحد هذين، وأصل "أو" أن تكون لأحد الأمرين، يدلك على ذلك أنك لاتقول: زيد أو عمرو قاما، لأن الغرض الإخبار عنهما.
يُتبَع بإذن اللـه
................
منقـــول من:"كتاب معانــي الحـروف" لمؤلفه أبي الحسـن علي بن عيسـى الرّمانـي النحـوي (296-384ه) . حققه وأخرج شواهده، وعلّق عليه، وقدّم له، وترجم للرمّاني، وأرّخ لعصره: د.عبد الفتاح اسماعيل شلبي. دار نهضة مصر للطبع والنشر/ القاهرة.