بسم الله الرحمن الرحيم
حدثني أحدُ الجيران قال :
إسْمَعْ يا عَافاكَ اللهُ قوْلي : ذاتَ يَوْم وقدْ سَاءَنِي العَوَزُ الذي بُوركَ لهُ حَوْلي، خرَجْتُ أنـُوءُ بحمْلي، أرتـَجي فرَجًا علـَّهُ يَأتِي، أو ألقـَى دُونَهُ مَوْتِي. فاسْتعَنتُ بالله، الذي لا تـُودَعُ الوَدَائِعُ إلى سِوَاه، وتيمَّنتُ شَطْرَ الجدَار، حيْثُ ألقـَى صَحْبي الأشْرَار، رفـْقة سُوءٍ وصيَّادِي غنائِم، لنكِيلَ للمَارَّةِ أرْذلَ الفِعْل وأجْوَدَ أنـْوَاع الشَتائِم.
أسِفْتُ كالعَادَةِ علىَ مَجيئِي بتأخِير، وحَمَدْتُ اللهَ علىَ حُضُوري قبْلَ آن النـَّفِير، أيْ قبْلَ خُرُوج العَامَّةِ إلى الشَّوَارع، وقبْل اسْتِعَار غزْوَةِ الأصَابع، نشْلاً حينـًا وإشاراتـًا أحْيانا، أو عَضًّا عليْهَا ندَمًا وامْتِهَانا.
تمَطـَّط النهَارُ طويلاً وتـَاه، حتىَّ خِلـْتُ الليْلَ قدْ عَزَفَ عَن الحُضُور ولزمَ مَنـْآه، وظللـْنا طبْعَا علىَ حَالنا ننْشـُدُ تحْصِيلا، وسُدَّتْ أمَامَنا كلَّ الأبْوابِ جُمْلة وتفْصِيلا. فالفترَةُ مُوجعَة لأصْحَابِ الجرَايَات، وكذا لعُمَّال المَخَابز والهيْئات، وفهمْنا غصْبًا أنَّ سَعْيَنا مقبُور، وأنَّ حَرْثـَنا بُور، وعُدْنا إلى مَراتِعِنا بيْنَ جَارٍّ ومَجْرُور، نرْتكِـنُ منْ جَدِيدٍ لبَلـْوَانا، فنلْعَنُ شُـؤْمَ اليَوْم ألـْوَانا، ونعْزفُ دَفـْقَ الحَاجَةِ ألحَانــًا.
تـَهزَّعَ الطقـْسُ عشِِيًّا فتلبَّدَتِ السَّمَاء، وأصَابَنا ما أصَابَ قوْمَ نُوح منْ أنوَاء، حتىَّ خِلـْتُ أنـَّنـَا هَالِكُونَ لا مَحَالة، بمَا صَنعَتْ أيْدِينا منْ إفـْكٍ ونـَذالة. وفي لمْح البَصَرغمَرَنا طقـْسٌ منَ الإيمَان، وارْتفعَتْ حَناجرُنا بالتسْبيح وبآي القرْآن، ومنْ سُخْريَةِ القدَر أنَّ أغْلبَـنا يَحْفظُ الكثِيـرَ مِنَ الآيَات، ويسْتنِير بالأسَانِيدِ منْ أحَادِيثَ وروَايَات، ظهَرَتْ ساعَة حَسْم باتَ مُفـْزعـًا، فبَدا أشْجَعُنا ذلِيلا هِجْزَعًا. ثـمَّ انـْكشَفَ جَللُ الكارثةِ أوْدِيَة، وتناهَتْ إليْنا تُخُومًا كانتْ حوْلَ الحَيِّ نائِيَة، أجَاءَهَا الفيْضُ فمَشَتْ إليْنا مُتهَادِيَة، اشْتبَكَ فيهَا الطـَّعَامُ بالأتـْربَةِ وبالأجْسَادِ العَاريَة. فكأنِّي لمَحْتُ فيمَا لمَحْتُ رَفيقَ سُوءٍ يسْبَحُ كالحُوت، يُوصِينا خيْرًا بثكـْلاهُ قبْلَ أنْ يَمُوت. ولمَّا زَالتِ الغمَامَة، حَمَدْتُ اللهَ علىَ السَّلامَة، ثمَّ أصْبَغـْتُ تـَوْبَـتِي بلِبَاس النـَّدَامَة، وجَعَلـْتُ حَدًّا بيْنِي وبيْنَ الحرَام، لا أقرَبُ قبيحَ العمَل ولا حتىَّ لغـْوَ الكلام، ومُنـْذئِذٍ لمْ أدْنُ منْ صَحْبي الذِينَ تنـَاثرُوا فِي الحَيَاة، بيْنَ عتـَّالِينَ وبنـَّائِينَ ورُعَاة، أمَّا أنـَا .. فِطـْرُ الكـُمَاة :
الآن أبيعُ الخمْرَ خلسَة وأحتاط كثيرًا من الوُشَاة
إلى لقاءٍ آخرَ معَ مقامَة أخْرى
ملاحظة : كالعادة أسجل أن ما أشارك به هنا كنت قد شاركت به في منتديات أخرى غير أني أطمع
في سعة صدوركم لتعهد نصوصي بالنقـد والتصحيح وكلي آذان صاغية.