(1)
سألتنى طفلتى وأنا أضعها فى فراشها : أين وُلدتِ يا أمى؟
أدركت أنها تريد حكاية قبل النوم , ولكنها تريدنى بطلة للقصة ..
وأجبتها : ولدت يا صغيرتى فى بلدة صغيرة فى ريف مصر .. لم تكن بلدة أبى وأمى ..بل كانت مكاناً بديلاً هاجرا إليه بعد أن تعرضت مدينتهم الساحلية الجميلة لقصف العدو .
سألتنى: ما معنى العدو ؟
نظرت إليها باسمة .. فنحن وعينا وجود العدو منذ لحظة الميلاد وملأ كياننا كرهه والنقمة عليه .. لكنه الآن خفى .. لا يمكن تحديده ..
أجبتها: هو من يكره بلدى وأهل بلدى ويأخذ أرضى .
سألتنى : وكيف عدت إذن إلى بلدتنا الساحلية الجميلة ثانية ؟
قلت : عدت وأنا طفلة صغيرة جداً وكانت البيوت كلها خاوية ومهدمة وطلقات المدافع على الجدران فى كل مكان ,والأبطال الذين ظلوا يدافعون عن المدينة -ومنهم جدك- كتبوا بدمائهم على تلك الجدران كلمات جميلة عن حب الوطن والتضحية لأجله..
سألتنى : وماذا كنت تلعبين ؟ هل كان هناك ملاهى؟
ضحكت من قلبى وأنا أسمع سؤالها ..
وقلت : كنا فى بلدة خالية تماماً .. لم يكن هناك غير عدة أسر ولم تكن هناك سيارات , وكنا نتجمع يا صغيرتى فى الشارع الخالى ونرسم لعبة (الأولى ) بالطباشير على الأرض ونظل نقفز بين المربعات حتى يفوز احدنا .. ويلاعبنا من حين لآخر أحد أفراد قوات الطوارىء الدولية ..أعطانى أحدهم ذات مرة قطعة شيكولاتة كبيرة جداً .. لم يكن يوجد مثلها فى بلدنا حينذاك.. لأنه كان يشتاق لأطفاله الذين تركهم فى بلده البعيد .. أو ربما لأنه لم يصادف من قبل طفلة لها هذا الشعر الأسود والعيون السوداء ..
سألتنى وهى تتثاءب : ما معنى قوات الطوارىء .. وماذا كان مذاق الشيكولاتة ؟؟
أجبتها : غداً أجيبك يا صغيرتى ..
قالت وهى تغالب النعاس : أكره الحرب يا أمى .. تصبحين على خير .