وذلك أنه قد ثبت عندنا من عِدّة أوجه أن الحركة إذا جاورت الحرف الساكن فكثيرا ما تجريها العرب مجراها فيه فيصير لجواره إياها كأنه محرّك بها، فإذا كان كذلك فكأن فتحة باء "باز" إنما هي في نفس الألف، فالألف لذلك وعلى هذا التنزيل كأنها محرّكة، (وإذا) تحرّكت الألف انقلبت همزة.وأنا أرى ما ورد عنهم من همز الألف الساكنة في بأز وسأق وتأبَل ونحو ذلك إنما هو عن تطرّق وصنعة وليس اعتباطا هكذا من غير مُسْكة.
من ذلك قراءة أيُّوب السِّختيانيّ: " غير المغضوب عليهم ولا الضأَلّين ". وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد قال: سمعت عمرو بن عُبَيد يقرأ: (فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسُ وَلاَ جَأَنُ)، (فظننت أنه) قد لحن إلى أن سمعت العرب تقول: شَأَبَّة ودَأَبَّة. وقال كُثَيّر:
(إذا ما العوالي بالعَبِيط احمأرّت...)
يريد احمارَّت.
وقال أيضا:
وللأرض أمّا سُودُها فتجلّلتْ... بياضا وأمّا بِيضُها فاسوأدّتِ
وأنشد قوله:
(يا عجبا لقد رأيت عجبَا... حِمار قبّان يسوق أرنبَا)
(خاطِمها زَأَمِّها أن تذهبَا...)
وقال دُكَين:
(وجله حتى أبيأَضّ ملببه...)
فإن قلت: فما أنكرت أن يكون ذلك فاسدا؛ لقولهم في جمع بأز: بئزان بالهمز. وهذا يدلّ على كون الهمزة فيه عينا أصلا كرأل ورِئلانٍ- قيل: هذا غير لازم. وذلك أنه لمّا وجِد الواحد وهو بأز مهموزا، نَعَمْ وهمزته غير مستحكِمة السبب جرى عِنده وفي نفسه مجرى ما همزته أصليّة فصارت بئزان كرئلان. وإذا كانوا قد أجروا ما قويت علّة قلبه مجرى الأصليّ في قولهم: ميثاق ومياثق كان إجراء بأز مجرى رأل أولى وأحرى. وسيأتي نحو هذه في باب له.
وعليه أيضا قوله:
(لَحُبّ المؤقدان إليّ مؤسى...)
ألا ترى أن ضمة الميم في (الموقدان) و (موسى) لمّا جاورت الواو الساكنة صارت كأنها فيها والواو إذا انضمّت ضما لازما همزت نحو أجوه وأُقِّتت. فاعرف ذلك. وعليه جاء قوله:
(... فَرَأُ مُتَار...)
يريد: مُتْأَرا فلما جاورت الفتحة في الهمزة التاء صارت كأنها فيها فجرى ذلك مجرى مُتَأْر فخفف على نحو من تخفيف رأس وبأس. وسيأتي ذلك في بابه بإذن الله.