**العروض قديمه وحديثه
من قلم/ غالب احمد الغول
@@@@@@@@@
بكل صراحة أقول : لا نريد عروضاً جديداً برموز التصفيق , والخالى من المعنى العروضى الذي أراده الخليل بن أحمد الفراهيدي , بشقية النغمي والإيقاعي , وبصراحة أخرى أقول : نحن لا نريد أن نكون أمة متخلفة , فإن لم نجد من يصفق لنا من الجماهير الدهماء , فنصفق لحالنا فخراً واعتزازاً على أفكار واهية قدمناها لجمور لا يحسن إلا التصفيق في المناسبات التي يجد فيها مصلحة معنوية أو مادية , حتى ولو أدى هذا التصفيق إلى دمار أمة بأكملها , وحصد أخضرار أرضها ويابسها , المهم سلامة رأس من يصفـِّق ومن يصفـًّـق له فقط .
أي أن روح العلم ومناقشته بشكل موضوعي للمحافظة على تراث أمتنا والخوف عليه من الضياع , لا يستحق عند المصفقين أي اهتمام وعناية , لأنه ــ بنظرهم ـ لا فائدة منه في حاضرهم , ولم يستعد أحد منهم أن يفكر بمستقبل حالهم ومستقبل أجيالهم من بعدهم .
وليس المقصود من هذا القول هو علم العروض فقط , بل قس على ذلك كل علومنا قديمها وحديثها , فلا يميل أكثرنا إلا لكل مستود خبيث أو لكل علم خليع , متجاهلين خطورة هذا التصرف بعد حين من الزمان , خطورته على أجيالنا من بعدنا , عندما لا نضع لهم ( الويل والدمار وإضاعة التراث ) .
لنأخذ علم العروض مثلاً , مقياساً لباقي العلوم الأخرى , وهو ذلك العلم الذي يظنه الناس لا فائدة منه في حاضرهم أو مستقبل أجيالهم , فاستهانوا به ورموه خلف ظهورهم تهاوناً أو تكاسلاً أو لإرضاء من هم خلف شبكة الصيد لصيد ما يمكن أن ينالوه من ثراثنا, ثم شنقه على مقصلة المتخاذلين الضعفاء , لأنهم بفكرهم الضعيف لا يعتقدون إلا بأن الشعر ما هو إلا الإيقاع بالطبل والمزمار والأناشيد والأغاني , وحسن القول وعمود الشعر المنقرض, وغيرها من الأقاويل التي لا يعرف قائلها ماذا يقول , ولا يعي خطورة ما يقول .
عندما ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي ( 718/791) بعلم العروض , وهو قبل أن يكون له دراية في الموسيقى والشعر , كان له دراية بالحديث وقراءة القرآن, وهو الشيخ الجليل التقي النقي , الذي يعرف الحلال والحرام, ويمشي على طريقه العلمي واللغوي واثق الخطوة, وواثق الكلمة أيضاً , فلم يضع العروض لهواً ولا عبثاً , ليأتي أشباه العروضيون من بعده ليعبثوا بالعلم كما يشاؤون دون رقيب أو معارض .
لقد وضع الخليل العروض والنحو والصرف وأتقن علم مخارج الحروف لنرتيل القرأن , واتقن كل هذه العلوم وغيرها, لهدف يريد به إرضاء ربه سبحانه وتعالى , وهو أسمى هدف كان ولا يزال يتمناه كل مسلم غيور على دينه ولغته وتراثه , للحفاظ على القرآن بكل حرف من حروفه , بل بكل مخرج من مخارج حروفه , وبكل كلمة ومعناها صرفاً ونحواً وبلاغة , ولولا وجود القرأن, لما حافظنا على لغتنا العربية كما هي اليوم , ولما حافظنا على الشعر وعروضه طيلة السنين المنصرمة , ولولا الخليل والرجال الرجال الذين رافقوه بعلومهم , لضاع العرب بتراثهم ولحمهم ودمهم , وبخاصة عندما يأتي رجال هذا العصر وقد لبس أحدهم عمامة العلم ليقول لك , وماذا عمل العلماء السابقون ؟ وما علاقة الشعر بالقرأن والحديث والعلوم الآخرى ؟؟؟
ومن هنا جاء مربط الفرس , ووصلنا إلى ما نوي عليه الخليل بن أحمد لوضع علم العروض ( ميزان الشعر ) ليعرف صحيحه من مكسوره .
يقول العرب : أن الكلام كله : شعر ونثر , ولما نزل القرآن صار الكلام شعراً ونثراً وقرآنا .
فالشعر والنثر من كلام البشر , والقرآن من كلام الله له الترتيل, لقوله تعالى: ( ورتل القرآن ترتيلا).
ولكي يحافظ الخليل على ميزات كل كلام جعل :
1 ــ للغة العربية ( صرفها ونحوها وقياسها اللغوي ) .
2 ــ للشعر عروضه وألقابه وإنشاده , وبحوره ودوائره وأوصافه .
2 ـ ووضع للقرآن مخارج حروفه لضبط الترتيل والحفاظ عليه من خلط اللحن , وبما يتعلق بهذا كله من علم الصرف والنحو والبلاغة وغيرها .
ولما جاء فرسان اللغة العربية من المحدثين المعاصرين , والمتفقهين , والنفعيين , والمتآمرين , والحاقدين , والجاهلين , والمصفقين , والأذكياء جداً من المستشرقين , تعمدوا إلى خلط الأوراق , لكي لا يعرف أحدنا صحيح القول من غشه وضره .
فتآمروا على اللغة العربية وهي رأس ما يملك العرب , ونادوا بإدخال اللغة العامية , ونادوا بتغيير الخط العربي بالأجنبي , ونادوا ونادوا ... .
ولما وجدوا مقاومة , ضعف قولهم وتقهقرت نياتهم , لكنهم يعرفون أيضاً من أين تؤكل الكتف , فبدأوا يدسون السموم في موائد الشعر والشعراء , ليصلوا إلى مآربهم بطرق ملتوية خبيثة , ليخلطوا بين الشعر والنثر , ليقال إن كل ما ينتجه الكاتب ما هو إلا شعراً , فعرفـّوا الأيقاع تعريفاً لغوياً ليس له حدود , وأطلقوا وهمهم على ما يسمى بالإيقاع الداخلي , وما لهم معرفة ولا دراية ــ لا بالإيقاع الداخلي ولا بالإيقاع الخارجي ــ وتجاهلوا تعريف الإيقاع العلمي الموسيقي الذي له حدوده بالتنظيم الزمني والحركي ., وبهذا القول يريدون طمس معنى التجويد والترتيل والإنشاد والغناء وما يكتب في المقالات والخواطر والصحف والمجلات , بأوهام الأيقاع المزعوم , ليصبّ هذا كله في بوتقة واحدة , اسمها الفن والذوق والأخلاق, وما هو كذلك , بل هو السم والقهر والعدوان . .
ليخلقوا جيلاُ يقول قولاً ولا ينشد شعراً , ثم يصفقون له أتباعه من المغرورين المشوهين ليشبعهم أنصارهم شيئاً من باقي موائدهم , بل ليكونوا محطة معترف بها أمام أسيادهم, هواة قصيدة النثر في باريس وواشنطن , ليصيروا ( محطة أنظار المثقفين الجدد ) الذين ينادون بقصيدة النثر , والتي لا يقيدها وزن أو قافية . ولكن لماذا ؟؟؟؟
لأنهم لم يعجزوا عن معرفة البحور وضبطها , بل تجاهلوها ودثروها في سلة المهملات , بل لأنهم يريدون أن يتساوى الشعر مع النثر بأي كلام كان , لتأتي الأجيال القادمة , فلا يستطيع الواحد منهم تمييز قول الصحف عن شعر شاعر . ولا تمييز الحديث عن أية القرآن , ليصبح كله بلا وزن ولا إيقاع وما هو إلا ( كوكتيل الشعر المعاصر المشبوه بمصدره وفكره ) .
ولو كان الخليل رحمه الله لا يريد نصح أجياله من بعده , ولا يريد الأجر والثواب على صنيعته , لما أقدم على عروض الشعر خاصة .
فالعروض جاء لحماية اللغة والقرأن, ليمتاز عنها في الإنشاد والوزن والإيقاع فقط . , ليبقى منفرداً بإيقاعه وموسيقاه وفنه ووزنه وألقاب تفاعيله وبحوره المميزة , وهذا الفصل والانفصال دام قروناً , إلى أن جاء في عصرنا هذا من يريد الابتكار والتجديد ليكون (خليلاً لدوداً ) لا للشعر, بل لأنصاره من أهل الحداثة , ليبتكر عروضاً جديداً , ومفاهيم عروضية جديدة , متجنباً موسيقا العروض , وألقاب التفاعيل , بل تجنب تفاعيل البحور , واستبدلها بما يروق له من رموز وحروف ومصطلحات , بغية وضع القماش الأسود على عيون العروضيين التقليديين , ويفتح عيون أنصاره الذين يصفقون من غير وعي , ولا يدركون عواقب تصفيقهم , ولا يعرفون كيف يدافعون عن تراثهم , لأنهم تعلموا بمدارس عروضية جديدة, لم تعطهم ــ هذه المدارس ـ حرفاً واحداً من عروض تراثهم التقليدي الأصيل , ولا يدرون إلى أي سبيل سيصلون , ولو سألتهم سؤالاً :
لماذا ترفضون التشعيث في الحشو ؟ مثلاً ؟ ــ هذا إن عرفوا معنى التشعيث ــ , لقالوا لك : لأن الخليل لا يجيزه في علم العروض , ولو كررت السؤال عليهم بقولك : ولماذا الخليل لا يجيز التشعيث في الحشو ؟, هل لكم أي دليل علمي أو موسيقي أو إنشادي ؟ لقالوا لك ((( دعنا من ذلك , فنحن لا نعرف للإنشاد معنى , ولا نعرف للإيقاع سبيل )))) ومن هنا وجب القول الآتي :
بما أنكم لا تعرفون أهمية التشعيث أو ضرره في البيت الشعري , وبما أنكم لا تعرفون أهمية الضرب المشعث من الضرب المقطوع من الضرب المخبون من الضرب الأحذ وكلها عندكم متعادلة ولا فريق بينها , فكيف الخليل فرقها بألقابه , وكيف تسيرون بعروضكم الجديد المجهول الذي لا يفرق ضرباً عن ضرب , ولا تفعيلة عن أخرى , بأي عروض تأتون , وبأي لغة تتكلمون ؟؟؟ .
من هنا يبدأ الخطر على العروض , ولكن مَن مِن العروضيين يتكلمون بالدفاع عن ثراثهم ببنت شفه ؟؟ ليوقفوا هذا التطور الفاحش وهذالخطر الداهم ؟؟ ولماذا نراكم في الصمت والحيرة وعدم الاعتراض على من يريد تشويه عروضنا ؟؟؟
إلى متى تبقوا في الصمت , هل تنتظرون الكلام بعد فوات الأوان؟ , تماماً كما تقاعص آباؤكم عن الجهاد وظلوا متفرجين لحين ظهور الإمبراطورية الغربية , ومن بعدها بدأتم تصفقون أو تحتجون .
هكذا نحن العرب , لا نريد معالجة أمورنا في حينها , بل نصمت لحين أن يأكل السرطان جسدنا , ومن بعد ذلك ينتصر علينا أوهن الخلق , ليسحقنا الندم .
لقد كتبت للعروضيين وللشعراء أكثر من عشرين مقالاً عروضياً , في مختلف المنتديات الأدبية ,وكلها صالحة للحوار والمناقشة, فمن منكم استعد للحوار لكي نضع معاً النقاط على الحروف ونبدأ كما بدأ الأولون بعروض تقليدي خليلي متطور يناسب عصرنا دون أن نجرح كرامة عروضنا الخليلي بتفاعيله وألقابه وزحافاته .؟
أريد من هذا المقال ما يلي :
1 ــ التصدي لم يهاجم عروضنا وتراثنا العروضي
2 ــ مقاومة كل عروض جديد لم يتماشى مع تفاعيل الخليل وألقاب تفاعيله , وبحوره وما نتج عن دوائره من بحور .
3 ــ اعتبار تفاعيل الخليل وزحافاتها والتعامل معها المبدأ العروضي كمّاً ونوعاً ومنهاجاً هو الطريق الأول الذي يسبق أي فكرة في التجديد , أي من مبدأ العروض التقليدي نبدأ , ولا مانع من أي تطور أو أفكار لاستنتاج غامض ليتم تفسيره وتوضيحه .
4 ــ الشعر لا يُعرّف إلا كما عرّفه الأولون وهم أساتذتنا جميعاً , ولا تعريف للشعر إلا بما هو متعارف عليه ( الوزن والأيقاع ) أي مسايرة العروض مع الموسيقى , ولا يتم ذلك إلا باستعمال الوحدات الإيقاعية ( التفاعيل ) لكل قصيدة شعرية , ولا يكون الشعر شعراً إلا بالوزن والإيقاع , الذي به الإنشاد الشعري المألوف , ولا انفصال بين الشعر والموسيقى قط , وإذا تعذر علينا معرفة الموسيقى , فلا نبدأ بأي علم عروضي جديد , لأن نهايته ومآله الفشل .
5 ــ فتح مدارس عروضية خليلية المنهج , بالتعليم الذاتي على شبكات الإنترنت , تبدأ من الصفر وحتى النهاية , ولا مانع من استعمال أي رمز عروضي للتقطيع سواء أكان رقماً أو حرفاً أبجدياً أو أي رمز آخر , فكلها لا أهمية لها إلا للتعرف على صفة التفعيلة وفاعليتها في البيت الشعري .
ولا نريد تسميات دخيلة لعروض خليلي واحد , أي لا نريد أن يكون هنالك عروضاً إذ استعمل أحدهم ( حرف الباء) رمزاً للمقاطع , لنسمي هذا العروض عروضاً ( أبجديا) , بل كل الرموز المستعملة لا تمثل شيئاً سوي للدالة على حدود التفعيلة , ولا تستحق أن تبدل منهج العروض المبني على الوحدات الإيقاعية الأساسية وهي التفاعيل , فكله ( علم العروض ) ولا زيادة أو نقصان في ذلك .
6 ــ يعين لهذه المدارس ( مدارس علم العروض الخليلي ) لجنة تحكيم خاصة , تتألف من أساتذة لهم دراية بشقي العروض ( شق النغم وشق الإيقاع ) ولا يكفي أن يكون المنظـّر لعلم العروض , عالماً بالتفاعيل والزحافات فقط , ما لم يكن ملماً بمفهوم الزحاف والعلل وتطبيقها على العملية الإنشادية ومفهومها , عند حاجتنا إليها في الإيقاع الشعري الموسيقي .
6 ــ الحفاظ على المصطلحات العروضية العروضية ,لأنها تحمل الرومانسية المألوفة , وتوحيد لغة المصطلحات العروضية الأخرى , بالاتفاق عليها من قبل لجنة التحكيم , واعتمادها كلغة عروضية موحدة , لأنها تساعدنا على تطوير علم العروض بشكل أوسع .
6 ــ يخصص لعلم العروض منتدى يسمى ( منتدي العروض الخليلي ) , ويحذف أي مقال عروضي , يريد النيل من فاعلية هذا المنتدى أو التشكيك به , أو محاولة نشر عروض آخر لا يتماشي مع مباديء العروض التقليدي الخليلي .
7 ــ التواصل بين المنتديات الأخرى لنشر المعلومات والمقالات والمحاورات فيما بينها , لتكون جميعها تعمل على منهاج واحد ولغة عروضية واحدة لكل عروضي أينما كان وحيثما حل في هذا العالم .
بهذا يستطيع مدير أي منتدى أن يدرس الأفكار جيداً ويدعم هذا المنتدى ويحميه من سلوكيات معادية , ويقوم على تشكيل لجنة التحكيم من أساتذة العروض المتخصصين بالشعر والإيقاع معاً , وأنا واثق من أن هذا المنتدى سيكون له أنصاره , ومثقفيه وأعوانه , إن وجدت النوايا السليمة لإنجاحه , وبخاصة إذا وجدت الإمكانات اللازمة التي يؤمنها المتبرعون , كبرنامج الصوت وما يحتاجه الإيقاع الشعري من وسائل توضيحية أخرى .
أشكركم على صبركم لقراءة هذا المقال .
تحياتي
أخوكم // غالب احمد الغول
تشرين1/ 2010
@@@@@@@@@
غالب الغول // باحث عروضي وشاعر ومؤلف كتب مختلفة
1 ــ كتاب النظرية الحديثة للنبر الشعري ط1 + ط2
2 ــ القواعد الحديثة في تطوير علم الشعر ط1 +ط2
3 ـ العارض لأوزان الأشعار
4 ــ المعلم التكنولوجي والإدارة التربوية الحديثة
http://edutrapedia.illaf.net/arabic/show_article.thtml?id=495
وغيرها من دواوين الشعر , والكتب الأخرى والتي بلغ مجموعها (12 ) كتاباً ومخطوطات أخرى تحت الطباعة .
مع أغلى التحايا :