أعزائي أقدم لكم مقالة في بعض فوائد النبيت الجرثومي الطبيعي في الجهاز الهضمي ، كنت قد نشرتها في أحد مجلات الإمارات ، راجيا أن تجدوا فيها فوائد صحية وعلمية .
د.مازن لبابيدي
===================
النبيت الجرثوميينعم الجنين في رحم أمه في عمق ظلمات ثلاث بأمن وسلامة من العوامل الخارجية ومنها العضيّات الحية المجهرية ، كالفيروسات والجراثيم ، مستقرا في بيئة معقمة مثالية لتشكله ونموه إلى أن يحين موعد لقائه بالعالم الخارجي المليء بالتحديات والمخاطر والأعداء الذين يتربصون بصحته وسلامته ، ولكنه الغني أيضا بالمحبة والعطف والرعاية والأصدقاء الذين يودّون سلامته ويرعون صحته ونموه .
من اللحظات الأولى للولادة وبدئا من لحظة خروجه من الرحم يبدأ الوليد بالتعرض لكم كبير ومتنوع من الكائنات المجهرية المتوافرة في مفرزات والدته وعلى أعضائها وجلدها ، وما إن يطلق صرخة الحياة الأولى المبهجة للقلوب حتى تبدأ هذه الكائنات بالولوج إلى جهازه التنفسي ، وعندما يلتقم ثدي أمه ليباشر الرضاعة يدخل هؤلاء الزائرون إلى فمه وجهازه الهضمي ، وسرعان ما تستوطن هذه الكائنات على الجلد وفي فوهات وتجاويف وثنايا الجسم مشكلة بيئة جرثومية طبيعية متنوعة متعايشة مع الجسم ترافقه طوال حياته وتعرف بالنبيت (Flora) الجرثومي . وهكذا يكون النبيت الجرثومي الذي يكتسبه الطفل مشابهاً للبيئة الملامس لها والمحيطة به .
يعتبر النبيت المعوي الأهم والأكثر تنوعاً وحجماً في الجسم حيث يقدر عدد الكائنات الدقيقة المجهرية فيه بعشرة أضعاف خلايا الجسم تقريباً ، ويحوي القولون غالبية هذا العدد الذي تشكل معظمه الجراثيم ، والتي تنتمي إلى ما يقارب 300 إلى 1000 نوع مختلف . وتكوّن الجراثيم ما يقارب 60 % من كتلة البراز في الأحوال الطبيعية .
فوائد النبيت الجرثومي
للنبيت الجرثومي المعوي وظائف عديدة مفيدة جداً لأجسامنا وصحتنا وضرورية لتعايشنا بحالة طبيعية ضمن البيئة المحيطة بنا ، من أهم ما يعرف من هذه الفوائد :
• تخمير جزئيات الطعام التي لم يتم هضمها ، وذلك لاحتواء هذه الجراثيم على إنزيمات (خمائر) غير متوفرة في خلايا الجسم البشري ، موفرة بذلك مصدرا مفيدا للطاقة والعناصر الغذائية التي تستفيد منها خلايا الجسم والتي كانت ستهدر لولا وجود هذه الجراثيم في جهازنا الهضمي .
• تحفيز تكاثر ونمو خلايا الجهاز الهضمي .
• تمرين الجهاز المناعي منذ الولادة وفي الطفولة المبكرة للتعرف على العضيات الممرضة ومقاومتها ، وترك الأنواع المفيدة ، وبذلك يكتسب جهازنا المناعي القدرة على التمييز بين العضّيات الحية الصديقة وتلك الممرضة التي يجب مقاومتها .
• المساعدة كذلك على منع الأمراض التحسسية .
• التقليل من فرص الإصابة بأمراض الأمعاء المناعية .
• إعاقة نمو العضيات الممرضة بآليات متعددة .
• ينتج بعض أنواع الفيتامينات الضرورية لصحة الجسم ويساعد على امتصاصها من الأمعاء ، مثل فيتامين ك والبيوتين .
• يساعد على امتصاص بعض المعادن مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والحديد .
ما الذي يخل بتوازن النبيت الجرثومي ؟ وما هي العواقب ؟
المضادات الحيوية : إن تناول المضادات الحيوية الواسعة الطيف (أي التي تؤثر على أنواع عديدة من الجراثيم) تؤدي لنقص في عدد الجراثيم المعوية المفيدة ما قد يؤثر على صحة الجسم وقابلية هضم الطعام ومن آثارها :
• تسبب الإسهالات بسبب التهييج المباشر للأمعاء
• تغيير مستويات النبيت المعوي يعطي الفرصة للجراثيم الممرضة بالتكاثر .
• زيادة نسبة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية .
• تغيير أعداد وأنواع الجراثيم في النبيت المعوي يقلل من قدرة الأمعاء على هضم وامتصاص النشويات وهذه النشويات الغير مهضومة تمتص كمية كبيرة من الماء وتؤدي للإسهال أيضاً .
• الاستعمال المديد للمضادات الحيوية ينقص من الفيتامينات التي تصنعها الزمرة الجرثومية الصديقة.
• كذلك تؤثر المضادات الحيوية ، خاصة منها الواسعة الطيف على النبيت الجرثومي في أجزاء أخرى من الجسم مثل الفم والجهاز التناسلي ، وهذا يعطي الفرصة للإصابة بالفطريات .
كذلك يتأثر تركيب النبيت المعوي في بعض الحالات المرضية الشديدة مثل :
• نقص التروية الدموية للجهاز الهضمي
• عدم القدرة على تناول الطعام بسبب المرض
• حالات نقص المناعة
• التسمم الغذائي بسبب تناول الأطعمة الملوثة
وأخيراً لا بد من تقديم بعض النصائح العامة لتجنب الاختلال بتوازن النبيت الجرثومي المفيد لنا والمتعايش فينا ومعنا ومن ثم تجنب العواقب المرضية التي قد تنشأ عن ذلك الاختلال :
• الإرضاع الطبيعي من الأم بعد الولادة
• اعتناء الأم المباشر بوليدها
• إعطاء الفرصة للطفل عندما يبدأ بالحبو للعب والحركة والتعرف على الأشياء المحيطة به دون مبالغة بالتعقيم واستعمال المواد الكيماوية القاتلة للجراثيم في تنظيف الأرض والأثاث. ولكن مع المحافظة طبعاً على النظافة الطبيعية وقواعد السلامة ، وإبعاد الأشياء المؤذية من طريقه .
• الغسل الجيد للخضار والفواكه ، الطهو الجيد للأطعمة ، والحفظ الجيد للطعام في الثلاجة وعدم تركه معرضاً للهواء لفترة طويلة .
• تناول طعام متنوع ومتوازن من الخضار والنشويات واللحوم والحبوب والفواكه والألبان، مع مراعاة التقليل وعدم الإفراط في تناول اللحوم ، والمضغ الجيد للطعام .
• الامتناع عن تناول المضادات الحيوية بدون ضرورة ، إلا بمشورة طبية ، مع الالتزام بالجرعة والمدة المحددة من قبل الطبيب المعالج ، ومراجعته في حال ظهور أي أعراض جانبية وبخاصة الحساسية والإسهال .
أتمنى للجميع صحة جيدة وحياة هانئة .