مغارة بشامون التّراثيّة
بقلم: الدّكتور حسين أحمد سليم
شعار مغارة بشامون التّراثيّة
من تصميم وابتكار ورسم وإخراج
الفنّان والكاتب اللبناني الدّكتور حسين أحمد سليم
مبتكر شعار حركة أمل في لبنان عام 1981 للميلاد
والعديد من الشّعارت محلّيّا وعربيّا
تُعتبر مغارة بشامون التّراثيّة معلماً سياحيّاً مميّزا في لبنان, بالمظهر المعماري المُبتكر, لجدران وأسقف المقصورات المُعلّقة, وطريقة توزيعها بشكل جماليٍّ المشهد, ضمن قطعة من الأرض ضيّقة, توحي للمشاهد أنّها مجموعة شُرفات وزوايا ومآذن, تعلو بعض الصّخور الطّبيعيّة, وكأنّها مزارات ومقامات مُقدّسة...
مشهديّة مغارة بشامون التّراثيّة
تقع المغارة التّراثيّة في الطّرف الغربي لقرية الإستقلال بشامون, على إرتفاع 76 متر عن سطح البحر, بمحاذاة الطريق العام المؤدّي لقرية بشامون, إلى الجنوب الشّرقي من مطار بيروت الدّولي. بحيث يُمكن الوصول إليها من, بيروت والشّمال والجنوب والبقاع والجبل عبر الطّريق السّاحلي عند تقاطع طرقات مثلّث خلدة...
مغارة بشامون التّراثيّة التّاريخيّة, إقيم عليها مزاراً سياحيّاً سنة 2004 للميلاد, على يد الأستاذ احمد فتح الله, لتكون تحفة معماريّة مُتجدّدة, تعكس فعل الإبداع والفن اللبناني العريق, بمحاكاة لطُرز القبب والزّوايا والمآذن والشّرفات والبيوت القديمة, التي كانت تنتشر في شوارع وأحياء بيروت قبل الحرب. والتي عايشها السّيّد أحمد فتح الله خلال فترة إقامته في بيروت قبل الإنتقال إلى بلدة بشامون...
الأستاذ أحمد فتح الله مؤسّس ومصمّم ومنفّذ مغارة بشامون التّراثيّة
الموقع يحتوي على مقتنيات تاريخيّة وبحريّة وحرفيّة ولوحات فنّيّة وأدوات من بقايا حضارة القرية اللبنانيّة... ومعرض للصابون الشّفّاف بالغلسّرين بأشكال رائعة...يُقدّم مقهى مغارة يشامون التّراثيّة في المقصورات الخيالية, اشهى المأكولات القروية اللبنانية, ومنها الفول على الرمل السّاخن ومناقيش الصّاج وغيرها... إضافة للمشروبات اللبنانيّة التّقليديّة, كالشّاي والقهوة العربيّة والزّهورات... وتتربّع النّراجيل متماهية فوق الطّاولات في جميع مقصورات المغارة...
لوحة تراثيّة لمغارة بشامون
مقصورات المغارة مقصد الزّوّار من كافّة الأرجاء المحيطة ببلدة بشامون, بحيث تُقام فيها الحفلات والعروض المختلفة, ويلجأ إليها الكثير في السّهرات وأيّام العطل الأسبوعيّة لأخذ قسط من الرّاحة, ويلتقي فيها الأدباء والكتّاب والشّعراء والفنّانون, ويؤمّها الهواة لأخذ الصّور التذكاريّة...
مغارة بشامون التّراثيّة
ولغز البيروتي المؤسس
أحمد محي الدّين فتح الله
دراسة بقلم
الدّكتور حسين أحمد سليم
كاتب ورسّام
جبل لبنان – قضاء عاليه - بشامون
2011 م – 1432 هـ
المقدّمة
تُعتبر مغارة بشامون التّراثيّة من الأعمال الفرديّة الرّائعة, وهي دليل على أنّ الإرادة الإنسانيّة تصنع المستحيل, وتجترح العجائب وتبتدع الغرائب...
مغارة بشامون هي مغارة تراثيّة مصنوعة من حجارة الصّوّان الطبيعيّة, المستقدمة من بلدة قاقعيّة الجسر, التّابعة لقضاء النّبطيّة, بمحافظة جبل عامل في الجنوب اللبناني.
تنبسط منشآت مغارة بشامون التّراثيّة على مساحة تزيد على الماية وسبعين مترا مربّعا, غربي بلدة الإستقلال بشامون التّاريخيّة وضمن خراجها, وبشامون هي من بلدات قضاء عاليه في قلب محافظة جبل لبنان الجنوبي...
منشآت مغارة بشامون التّاريخيّة قوامها مظلاّت وصوامع ومقصورات وأشكال من المدافع والأجراس والتّماسيح والضّفادع...
صنعتها بمهارة يد السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله, اللبناني البيروتي الذي تمكّن بذوقه الرّفيع وإبداعه المميّز, من تشييد هذه المغارة بإمكانات محدودة وخبرة حرفيّة وقسوة الزّمن عليه...
فعل الإبداع والإبتكار لمغارة بشامون التّراثيّة أتى تلبية لرغبة في داخل السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله, وتوكيدا لمواهبه التي أنعم الله بها عليه...
أُنشئت مغارة بشامون التّراثيّة في بلدة لا توجد فيها مغاور طبيعيّة... فكانت الإرادة الإنسانيّة التي صنعت واحدة قرب ساحة اليهوديّة في بلدة بشامون التّاريخيّة...
شعار
مغارة بشامون التّراثيّة
ابتكر شعار مغارة بشامون التّراثيّة, الفنّان اللبناني حسين أحمد سليم, من وحي الطّراز المعماري للمنشآت القائمة, فأتى على شكل ترميزي مركّب, تنبعث الإشعاعات من جوانبه, ويُشرق من قلب كلمات "مغارة بشامون التّراثيّة"...
بلدة بشامون
اشتهرت بلدة بشامون أيّام الإستقلال, بعدما اختيرت مقرّا للحكومة الحرّة التي كانت تضمّ الرّئيس صبري حمادة وحبيب أبو شهلا والأمير مجيد أرسلان...
وتتبوّأ بلدة بشامون صدارة البروز الوطني كلّما احتفل اللبنانيّون بعيد الإستقلال في الثّاني والعشرين من شهر تشرين الثّاني من كلّ عام... ويتذكّرها اللبنانيون والعالم ليذاع تاريخها وصيتها عبر وسائل الإعلام كافّة...
وزادت بلدة بشامون تألّقا بعدما نفض عنها معلم سياحي تراثي غبار الماضي... والذي أتى تفجيرا لموهبة مواطن بيروتي قصد العيش في رحاب بلدة بشامون... فابتكر وصمّم ونفّذ مغارة سياحيّة تراثيّة بأسلوب وطراز معماري خاصّ, يعكس مدى ثقافته وتأثّره بالمعالم التّاريخيّة للعمارة البيروتيّة القديمة, والمشهديّات الموزّعة في غالبيّة أنحاء القرى والبلدات اللبنانيّة بقاعا وشمالا وجبلا وجنوبا...
تقع بلدة بشامون على تلّة جبليّة مرتفعة شرقي مطار بيروت الدّولي, وغربي بلدة سوق الغرب, في قضاء عاليه أحد أقضية جبل لبنان الجنوبي. وهذه المحافظة هي واحدة من ثمان محافظات يتشكّل منها لبنان الإداري...
يُحيط ببلدة بشامون من الشّمال: بلدتيّ دير قوبل وعين عنوب, ومن الغرب بلدة الشّويفات منطقة القبّة, ومن الجنوب بلدتيّ عرمون وسرحمول, ومن الشّرق بلدات شملان وعيناب وعين عنوب...
تبعد بلدة بشامون 18 كيلومتر عن مدينة بيروت عاصمة لبنان. وترتفع عن سطح البحر حوالي 460 متر. وتمتد على مساحة 625 هكتارا. ويمكن الوصول إليها عن طريق مثّلث خلدة طريق صيدا القديمة. أو عن طريق الحدث, كفرشيما, الشّويفات عبر طريق صيدا القديمة, أو عن طريق عاليه, سوق الغرب, شملان, عين عنوب...
تتشكّل بلدة بشامون من العديد من شرائح المجتمع اللبناني, بحيث اتّسعت رقعة المساحة السّكنيّة والصّناعيّة والتّجاريّة, لتمتد على طول الطّريق المؤدّي للبلدة من طريق صيدا القديمة عند مثلّث خلدة... حيث شهدت وما زالت تشهد نهضة عمرانيّة واسعة, غدت مقصدا لكافّة الشّرائح اللبنانيّة التي وفدت إليها من مختلف المناطق سيّما مدينة بيروت المكتظّة بالحجر والبشر...
موقع
مغارة بشامون التّراثيّة
الموقع لم يكن سوى زاوية مهملة, شوّهتها يد متعهّد الأبنية المشيّدة في المحيط, وكانت عبارة عن حافّة صخريّة, فيها تجويف بعمق حوالي مترين, تقع بالقرب من منزل السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله صاحب بقعة الأرض, والتي آلت إليه بملكيّة رسميّة من صاحبها الأساسي... ويُعتقد أنه كانت هناك مغارة صغيرة منسيّة في نفس الموقع لمغارة بشامون التّراثيّة, يعود عمرها لأكثر من ثلاثماية سنة تقريبا, تحوّلت بفعل الإهمال إلى بؤرة للنفايات...
تقع مغارة بشامون التّراثيّة عند كوع قاس حيث يمتد الطريق إلى ساحة اليهوديّة, على يمين الطّريق العام المؤدّي لبلدة بشامون وإلى اليمين من وادي اليهوديّة الذي أعطى اسمه للمحلّة... وعلى بعد يُقارب الألفي متر من طريق صيدا القديمة عند مثلث خلّدة... حيث تمّ تشييد إنشاءات المغارة على بقايا فضلة أرض بمساحة تُقارب الماية وسبعين مترا مربعا من واجهة العقار رقم 2312 من منطقة بشامون العقاريّة... والذي أقام السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله سكنه المتواضع عليه... حيث يعلو صخرة كبيرة تُخفي في جوفها مغارة صغيرة طبيعيّة بمساحة غرفة متوسّطة...
أقيم بإرادة إنسانيّة فرديّة على الصّخرة وحولها عدّة مظلاّت وصوامع ومقصورات, كناية عن غرف صغيرة دائريّة ومربّعة الشّكل, لا يتعدّى ارتفاع الواحدة منها المترين والنّصف, بمساحة لا تتجاوز أربعة أمتار للمقصورة الواحدة... وعلّقت على الجدران الدّاخليّة لكلّ منها بعض القطع التّراثيّة القديمة... ووضع في كلّ منها طاولة صغيرة الحجم ومجموعة قليلة من المقاعد... فيما حملت جدرانها الخارجيّة العديد من القطع التّراثيّة القديمة إلى جانب أشكال التّماسيح ورؤوس بعض الحيوانات ومنها رأس أسد...
الأسباب الموجبة
من رأس بيروت إلى بلدة بشامون, انتقل السّيّد أحمد فتح الله, لبدء حياة جديدة بعدما خالفه دولاب الحياة وغدر به الزّمن, فساءت حالته الماديّة بعدما كان يملك بناءا ضخما وناديا رياضيّا ومحال ( الكورنر سبور ) في منطقة قريطم وسط بيروت الغربيّة, وخسرها نتيجة خلاف عائلي أدّى فيما بعد إلى انفصاله عن أولاده وانقطاع صلة الرّحم معهم.
قصّة الإبداع
بدأت قصّة الابداع, من جرّاء الشّعور بالغضب والظّلم والمعاناة, ففجّر السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله مواهبه وابداعاته, بتحويله قطعة الأرض الواقعة أمام منزله في بشامون, من مكبّ للقمامة والنّفايات إلى مغارة نموذجيّة, تُلفت انتباه المارّة وسكّان الحي الذي يقطنه...
ففي العام 2000 للميلاد, لجأ السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله إلى صديق مغترب في لندن ببريطانيا, سبق أن أسلفه مبلغا من المال بقيمة مئة ألف ليرة لبنانيّة في السّبعينات... وعندما عرف حالته وما وصلت إليه, أعطاه قطعة الأرض هذه والتي تقع في منطقة بشامون العقاريّة, وهي تُوازي المبلغ الذي استلفه منه في تلك الأيّام...
وهكذا استملك السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله قطعة الأرض, التي تحمل رقم 2312 في محلّة اليهوديّة على يمين الطّريق المؤدّي لبلدة بشامون, والمتفرّع من طريق صيدا القديمة عند مثّلث خلدة, جنوبي مطار بيروت الدّولي... وشيّد السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله منزلا متواضعا يتألّف من طابقين, وتزوّج من جديد ورُزق بولدين على أمل أن يُعوّض ما عاناه في حياته.
ولادة فكرة المغارة
كأنّه الوحي الفنّي هبط فجأة على تفكير السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله, وهو أستاذ الفنون الرّياضيّة والرّسّام والخطّاط... فبرّر لنفسه الإقدام على تنفيذ مشروعه التّجميلي, ودفعته إرادته القويّة والحلم الذي يُحاكي خيالاته إلى تحويل تلك القصعة الصّغيرة من الأرض التي يملكها, إلى قصر صغير هو أقرب إلى قصور الأساطير...
بدأ السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله بتنفيذ فكرة المغارة في بقيّة الأرض التي تفصل بين منزله والشّارع العام, وهي امتداد للعقار الذي تم تشييد منزله عليه... بدافع الهواية أوّلا, تبلورت الفكرة بفعاليّة أكبر بعد مروره بأزمة عائليّة سبّبت له صدمة نفسيّة, حاول الخروج منها بالانخراط في العمل بشكل يومي لمدّة عام تقريبا... وراح يعمل ليكون المشروع معلما سياحيّا يجذب اليه السّيّاح, خصوصا وأنّه يقع في بلدة الإستقلال بشامون التّاريخيّة...
كان المكان مكبّا للنفايات ولقطع السّيّارات القديمة, ويُثير الاشمئزاز للمارّة وللمحيط... فانصبّ تفكير السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله على ابتداع طريقة للتّخلّص من هذه المشكلة... ولا سيّما بعدما فشلت كلّ الأساليب بردع النّاس من رمي الأوساخ والنّفايات في هذه البقعة...
ذات ليلة وبينما كان السّيّد أحمد محي الدين فتح الله يتسامر في جلسة مسائيّة مع أحد الجيران, أخبره الأخير أنّ والده كان يُردّد كلاما عن وجود مغارة داخل الصّخرة الكبيرة التي تتصدّر المكان... وفي هذه اللحظة لمعت في رأس السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله فكرة المغارة... فابتدع الفكرة وبدأ التّصميم من دون مساعدة المهندسين المتخصّصين, وراح يُعدّ العدّة للتنفيذ والكشف عن المغارة, ليجعل منها مقصدا للزّوّار والسّوّاح ولفت الأنظار, مُتمثّلا بما أقدم عليه ونفّذه السّيّد موسى شعبان الملقّب بموسى المعماري في دير القمر قبالة قصر بيت الدّين...
التّكوين
يتكوّن الموقع من باحة أرضيّة رئيسيّة, وغرف صغيرة تتّسع لطاولة صغيرة وبضعة كراس صالحة لجلسات هادئة وسط صوت انسياب المياه, وتحت ظلال بعض الأشجار... أمّا عن الحجارة المستعملة في التّزيين فقد حملها من جبل الصّوّان في بلدة قاقعيّة الجسر في الجنوب, والتي بلغ عددها ما يُقارب الخمسة ملايين قطعة... وقد استخدم فتح الله في البناء مزيجا من الأسمنت مثبّتة بشبك حديديّ لتلصق حجارة التّزيين عليها من الخارج... وفي الزّوايا تنتشر قطع تشبه بقايا أشجار أو القطع الخشبيّة المستديرة... وهي في الواقع عبارة عن دواليب سيّارات وشاحنات قام فتح الله بتغليفها وتلوينها فحوّلها إلى مقاعد صلبة... وإضافة إلى الدّيكور الفنّي المتّقن يملك فتح الله مجموعة من الأدوات الثّمينة يستعملها للزينة أيضا... ومجموعة من الأعمال الفنّيّة التي تتمثّل في اطارات العربات القديمة مصنوعة من الباطون ومدافع حجريّة قديمة...
المنشآت
الولوج للموقع يتمّ من مدخل واسع بعرض ثلاثة أمتار ويتكوّن من قوس حجري مضفّر بعلو يبلغ المتران ونصف المتر, وآخر ضيّق بعرض متر واحد وعلو يقارب المتران وله باب خشبيّ مزيّن بالرّسوم...
تتموضع بين بابي المدخل لافتة كتب عليها "مغارة بشامون التّراثيّة "... فيما تتربّع على جانبيّ المدخل أحواض الورود وشكل مدفع قديم, إضافة لسيّارة قديمة من نوع "فولسفاكن" مزيّنة بالورود والأزهار الإصطناعيّة واللاصقة... ويحمي المدخل العريض حبال غليظة تمنع الدّخول...
تدخل إلى باحة في وسطها بركة ماء بقطر المتر ونصف المتر دائريّة الشّكل في وسطها نافورة مياه, تعلوها خيمة إسمنتيّة على شكل قبّة بقطر ثلاثة أمتار ونصف المتر وعلو يقارب المتران ونصف المتر, ترتفع على أعمدة إسمنتيّة تُحاكي لون الخشب المعتّق, إضافة إلى خيمة إسمنتيّة أخرى مكشوفة بقطر المتر ونصف المتر من نفس مادّة الخيمة الأولى وتحتها طاولة صغيرة وبعض المقاعد...
وفي الجهة المقابلة مستودع له سطح من القرميد الأحمر, وإلى جانب المستودع يوجد تجويف المغارة في صخرة كبيرة الحجم ومرتفعة, والتّجويف يستخدم كمطبخ للخدمات وإعداد الوجبات, وإلى شرقي الموقع يوجد برج صغير بارتفاع ثلاثة أمتار من حجر الصّوان... ومن غربي الباحة هذه ينطلق درج ضيّق يؤدّي للمقصورات الأسطوريّة...
يصل الدّرج الضّيّق عند يمين الباحة إلى مقصورتين عند يمين الموقع على ارتفاع المتر تقريبا, حيث تتربّع مقصورتان بقطر المترين لكلّ واحدة وفي وسط كل مقصورة يوجد طاولة ومجموعة من المقاعد, يُحيط بالمقصورتين برك مائيّة صغيرة, وبعض الأشكال المصنوعة من الإسمنت المعتّق...
نصعد على الدّرج الضّيّق فتطالعنا إلى اليسار سطيحة صغيرة على ارتفاع المترين وُضع في وسطها طاولة ومجموعة مقاعد... أمّا إلى اليمين من الدّرج فتوجد مقصورة نصف دائريّة تبدو وكأنّها معلّقة على جدار بناء قائم, وهي بقطر المترين وارتفاع يقارب المترين ونصف المتر وفي داخلها طاولة صغيرة ومجموعة من المقاعد وبعض القطع التّراثيّة...
إلى جانب هذه المقصورة المعلّقة, تتربّع مقصورة أخرى يسار الدّرج بقطر يقارب المترين وبداخلها كذلك طاولة صغيرة ومجموعة من المقاعد وبعض القطع التّراثيّة, ويوجد مقصورة أخرى إلى يمين الدّرج بمحاذاة المقصورة المعلّقة بقطر المتر وثمانين سنتيمتر وبداخلها أيضا طاولة صغيرة وبعض المقاعد والقطع التّراثيّة...
وباستكمال الصّعود على الدّرج الضيّق تطالعنا باحة صغيرة تعلوها خيمة إسمنتيّة بقطر ثلاثة أمتار تعلو صخرة المغارة القديمة على ارتفاع ثلاثة أمتار تقريبا, وقد وضع في هذه الفسحة المكشوفة طاولة صغيرة ومجموعة من المقاعد... وهي تُطلّ على الطّريق العام وعلى بعض المنشآت الأرضيّة للمغارة...
ونكمل الصّعود على الدّرج الضّيّق تحت مجموعة من الأقواس الحجريّة, حيثّ تطالعنا يمينا ويسارا أشكال متعدّدة من أشكال التّماسيح وغيرها وبعض الدّواليب الحجريّة والبرك المائيّة الصّغيرة والألعاب وبعض الأشجار والورود, لنصل إلى ممرّ ضيّق على ارتفاع حوالي الخمسة أمتار, حيث يؤدّي إلى عدّة مقصورات وصوامع...
غربي الممرّ يوجد باحة مكشوفة إلى جانبها الشمالي حوض من الورود وإلى الجانب الغربي منها بركة ماء ضيّقة وضع في وسطها طاولة صغيرة ومجموعة من المقاعد وتعلوها خيمة إسمنتيّة بقطر ثلاثة أمتار, تُطلّ على شرفة المنزل الذي يقطنه السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله وعلى حديقة خلف المنزل تكتنفها أشجار الزّيتون وبعض المنشآت التّراثيّة, حيث يوجد قطع إعلانات قديمة على شكل لافتات للسّفارة الأميركيّة في بيروت والسّفارة السّعوديّة... إلى جانب هذه الخيمة المكشوفة لجهة الشرق تتربّع مقصورة دائريّة بقطر المترين ونصف المتر, ثمّ فراغ للدّرج المؤّدّي للمقصورات العلويّة فحوض ورود صغير وشجرة أرز خضراء, فمقصورة مربّعة الشّكل بقياس مترين للعرض ومترين للطول, فأخرى دائريّة الشّكل بقطر المترين والنّصف بداخلها مدخنة تراثيّة تتصل ببرج خارجي لطرد الدّخان للخارج...
كلّ مقصورة من المقصورات العلويّة المغلقة بجدران من حجارة صوّانيّة ترتفع حوالي المترين والنّصف, تحتوي على الكثير من القطع التّراثيّة القديمة وبعض اللوحات الفنّيّة المشغولة بألوان الزّيت, وفي وسط كل مقصورة يوجد طاولة صغيرة ومجموعة من المقاعد, وعلى كلّ طاولة من الطّاولات تنتظرك نارجيلة...
إحدى المقصورات الوسطيّة تحمل في برجها دولابا هوائيّا من المعدن, يُخيّل اليك وكأنها ناعورة من نواعير حماة بسوريا أو كأنّها مقصورة لتوليد الطّاقة الكهربائيّة من سرعة الرّياح التي تدير دولاب الهواء... وهو حلم مرتجى يُحاكي رؤى السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله...
تتوزّع بين المقصورات البرك المائيّة الصّغيرة المعلّقة على جدران المقصورات, والتي تعمل بها المياه كشلالات تنحدر من بركة لأخرى في مشهديّات جميلة... وقد تم وضع بعض الأسماك المصنوعة من البلاستيك في البرك الصّغيرة, وتمّ تجميلها وتزيينها بالأضواء الكهربائيّة التي تعطيها مشهديّات ساحرة الإضاءة في الليل...
هذا وتتوزّع على الجدران للمقصورات أيضا, بعض الأشكال من الدّوليب المصنوعة من الإسمنت, وبعض الأشكال التّراثيّة القديمة, إلى جانب الأشكال الصّغيرة المنتشرة في بعض الزّوايا, والعديد من الورود والأشجار الصّغيرة, لتضفي على مقصورات المغارة بعض الجمال التي يرفل به الموقع...
على جانبيّ الدّرج يُشاهد الزّائر حواجز خشبيّة معتّقة وُضعت للحماية إلى جانب أشكال فخّاريّة كثيرة من الجرار والأباريق التي تزيد في تزيين جوانب المقصورات...
إلى هذا تعلو أسطح المقصورات أبراجا مخروطيّة هرميّة بعلو لا يزيد عن المتر الواحد, وهي تشبه إلى حدّ بعيد نهايات قبب المآذن وقبب الأضرحة وبعض الزّوايا والمقامات, المنتشرة في القرى اللبنانيّة وفي مدينة بيروت القديمة... وهو ما التفت اليه مؤسّس المغارة وأضفى على ابتكاراته في انشاءات الموقع أشكالا مستوحاة من تلك المشهديّات المعماريّة التراثيّة القديمة... التي تُحاكي في تفاصيل بعضها الفنّ المعماري في اليمن وفي الهند وفي سوريّا وبعض الدّول والأقطار العربيّة...
مراحل مشروع المغارة
انقسم مشروع عمل مغارة بشامون التّراثيّة إلى أربع مراحل وفق المخطّط الذي وضع تصاميمه السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله وقام بتنفيذ تفاصيله...
لمرحلة الأولى: تمثّلت ببناء الهيكل الخارجي من الشّلاّلات والمظلاّت الإسمنتيّة.
المرحلة الثّانية: اقتصرت على إنشاء صومعة من حجر الصّوّان على حائط الجيران لجهة الغرب ومن دون أيّ ركائز دفاعيّة, لتظهر وكأنّها معلّقة في الهواء.
المرحلة الثّالثة: وهي مرحلة عمل فيها السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله على جمع الأنتيكات والقطع القديمة وشراءها من الأسواق القديمة في لبنان وبعض المدن الرّئيسيّة مثل مدينة طرابلس والأسواق الأسبوعيّة التي تقام في بيروت والنّبطيّة وغيرها...
المرحلة الرّابعة: وهي لبناء بيوت الأطفال لاحقا, والتي ستكون أشبه بتلك الموجودة في " والت ديزني ".
البدايات
بدأ السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله الشّروع في بدايات العام 2004 للميلاد, بتنفيذ بركة ماء ثمّ مجموعة من الشّماسي, ثمّ تمّ تشييد درج يُوصل بين الطّريق العام ومنزله القائم على تلّة مرتفعة فوق صخرة كبيرة قديمة, بعد أن كان يستخدم حبلا طويلا يتسلّقه لاختصار المسافة الطّويلة التي تأخذه إلى الطّريق العام... وهو ما أثار حفيظة بعض أصدقائه وقام بتشجيعه على بناء أشياء أخرى تجميليّة... فحاول السّيّد فتح الله أن يحفر في الصّخرة الكبيرة للفوز بمساحة تصلح لموقف يتّسع لسيّارته... كانت الصّخرة ضخمة بحيث فشل في تفتيتها... فعزم فيما بعد على إقامة بعض الإنشاءات, وكرّت سبّحة الإنجازات وكانت مغارة بشامون التّراثيّة, حيث انطلق من المغارة الصّغيرة المطمورة تحت التّراب, فوسّع مساحتها حتّى وصلت لحولي عشرة أمتار, فوضع بابا خشبيّا عريضا وحفر عليه فتحة دائريّة أشبه بالنّافذة... وضع فيها نافذة زجاجيّة لسفينة غريقة في عمق البحر, بعدما استطاع الحصول عليها وهو يُمارس هواية رياضة الغطس في البحر...
لفت انتباه السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله الحجارة الحمراء في بلدة قاقعيّة الجسر بالجنوب اللبناني, وهو يقوم بزياراته الأسبوعيّة للبلدة كون زوجته الجديدة منها, وخطرت لوجدانه عمليّة استخدام هذه الحجارة الصّغيرة في عمليّة بناء المغارة, وراح السّيّد فتح الله يجمع من هناك أحجار الصّوّان, بتكليفه بعض الأولاد لجمع هذه الحجارة, وكان يعطي كل ولد مبلغ ألف ليرة لبنانيّة مقابل ثلاثة سطول من الحجارة... وكان ينقلها بسيّارته إلى بشامون ويبدأ بتصنيعها وتعتيقها واستخدامها في أعمال بناء وإقامة الجدران... وهذه الحجارة شكّلت المادّة الأساسيّة لبناء مشروع المغارة, إضافة إلى بعض الحديد والإسمنت المطلي باللون الأحمر, ليصبح أقرب إلى الطّبيعة وتربتها...
عمل السّيّد فتح الله بما يُعادل 15 ساعة يوميّا من دون توقّف, ليزداد مشروعه اتقانا وجمالا يوما بعد يوم... وقام السّيّد فتح الله بصناعة أشكال من المدافع وضعها على مدخل المغارة, والتي صنعها بنفسه من مادّة البلاستيك وقام بطلائها بمادّة الإسفلت ممّا جعلها صلبة شبيهة بالمدافع الحقيقيّة الموجودة في القلاع الأثريّة...
هذا وأقدم السّيّد فتح الله على شراء بعض القوالب لصبّ منحوتات لوجه أسد, وصنع منحوتات عدّة لم تتجاوز كلفة الواحدة عشرة آلاف ليرة لبنانيّة في ذلك الوقت... وهكذا بالنّسبة إلى الأجراس التي صنعها من الخشب, وكذلك أشكال كثيرة من التّماسيح التي يخالها المشاهد للوهلة الأولى وكأنّها حقيقيّة تمّ تحنيطها... بينما كانت جذوع الأشجار عبارة عن دواليب كبيرة أجرى عليها تعديلات معيّنة لتصبح على شكل جذع شجرة بعرض متر ونصف المتر... جذوع الأشجار هذه اصطناعيّة تبدو طبيعيّة, بحيث أحضر السّيّد فتح الله إطارات سيّارات وشاحنات وصبّ الباطون في داخلها ثمّ عمل على تعتيقها بواسطة الطّين والطّلاء... ووضعها كدفاعات خوفا من انزلاق السّيارات لداخل المغارة, لأنّ المغارة واقعة عند منعطف قاسي وانحدار أفقي قوي...
هذا وقام السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله بكافّة التّمديدات الكهربائيّة ومولّدات للكهرباء لإنارة مقصورات المغارة ليلا, بحيث تعكس مشهديّات رائعة وساحرة, والمياه تنساب من الشّلاّلات الإصطناعيّة, التي ابتكرها بين المقصورات, وما ساعده على حسن التّنفيذ, المستويات المتفاوتة بين مستوى أرض الطريق العام, ومستوى الأرض التي تعلو الصّخرة الكبيرة حيث أقام منزله... وينوي السّيّد فتح الله بتوليد الطّاقة الكهربائيّة من الشّلالات التي نفّذها بين المقصورات...
يحتفظ السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله بالكثير من التّحف والقطع النّادرة, وفي الحديقة الملحقة بمنزله توجد بعض اللافتات التي حصل عليها أبّان الحرب من مخلّفات التّفجيرات, ومنها لافتة مبنى السّفارة الأميركيّة ولافتة مبنى السّفارة السّعوديّة...
وقد حرص السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله الحصول على قطع تراثيّة تخدم موضوعه, فوضع على مدخل المكان وعائين من النّحاس وعمرهما نحو مئة عام, وكذلك صنع فرنا داخل فجوة في الصّخرة... وزيّن المقصورات من الخارج بالجرار الفخّاريّة والمجسّمات للضّفادع والتّماسيح وغيرها... وعلّق على جدران المقصورات ترسا صنعه من غطاء برميل, بينما علّق على الصّخرة الكبيرة قطعة ثمينة لـ "غسطوه " الفرنسي ابتاعها من أحد المعارض العالميّة...
سيّارةمغارة بشامون التّراثيّة
هذا ولم يكتف السّيّد فتح الله بما قام به من إنشاءات, فأضاف إلى المغارة سيّارة من نوع فولسفاكن قديمة من صنع العام 1960 للميلاد, بحيث حوّل شكلها الخارجي إلى لوحة متجدّدة بألوان كثيرة للورود والأزهار التي يصنعها فتح الله من الأوراق اللاصقة... لتبدو وكأنّها لوحة من الجمال ترفل بالورود والأزهار, وهي مركونة بشكل لافت أمام مدخل المغارة...
صاحب المغارة
يشعر بالفرح والغبطة والإرتياح النّفسي حينما يصنع الإنسان شيئا ما, وهو ما ينطبق على السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله, الذي يتميّز بالخيال الواسع والطّبيعة الهادئة, وينجذب بارتياح نفسي للمناطق الجبليّة, بعيدا عن ضوضاء المدن واكتظاظها بالحجر والبشر...
يعتزّ ويفخر السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله, بما صنعت يداه وهو القادم من عالم الرّياضة بوصفه مدرس تربية بدنيّة, إلى هواية فنّيّة تعتمد الحرفة اليدويّة بشكل رئيسي...
السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله من مواليد مدينة بيروت, وهو من صغره كان الفنّ يطبع شخصيّته فبرز في مدرسته وتميّز بين رفاقه في هوايات عدّة كالرّسم والنّحت على الحجارة... حيث كان الفنّ يُحاكيه بدواخله, كون الفنّ موجود في البيئة التي عاشها... عمل أستاذ رياضة طيلة 43 سنة, كما وشغل السّيّد فتح الله منصب أمين سرّ اتحاد " السكواتش " ولديه صداقات كثيرة في لبنان والخارج...
انتقل السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله والذي تقدّم في العمر, وتقاعد من عمله, من منطقة قريطم في بيروت الغربيّة, حيث كان يملك نادي " الكورنر سبور " إلى بلدة بشامون, نتيجة لظروف عائليّة قاهرة, فبنى منزلا على تلّة مرتفعة فوق صخرة كبيرة, بحثا عن الهدوء واستمتاعا بالمناظر الخلاّبة...
كانت تتكاثر النّفايات وبقايا قطع السّيارات القديمة تحت منزله للجهة المقابلة للطريق العام, وهو ما كان يسبّب له ازعاجا, ممّا دفعه لتخطّي هذه الحالة, فقرّر أحمد محي الدّين فتح الله تخطّي هذه المشكلة, وبدأ يسعى إلى تجميل أسفل بيته, فوسّع حفرة في الصّخر جعلها مغارة وأرفقها بهندسة خارجيّة ملفتة تستوقف كلّ من يمرّ بتلك المنطقة..
لجأ السّيّد فتح الله إلى تفجير المواهب الفنّيّة التي كانت مدفونة في دواخله لسنوات مضت... ولم يكن ينوي القيام بعمل ما عمل, ولكن كان هدفه ايجاد منظر جميل ونظيف تحت بيته...
لهفة السّيّد أحمد محي الدين فتح الله على المغارة ورغبته في شرح وتفصيل ما قام به, دليلان على أنّ الإرادة والتّصميم يصنعان المستحيل, من هنا يجد الباحث أنّ أهمّيّة المشروع في القدرة الذّاتيّة للسّيّد أحمد محي الدّين فتح الله في تجسيد المثل القائل: "صنع شيئا من لا شيء".
مغارة بشامون التّراثيّة
وجود مغارة سياحيّة تراثيّة بين الأبنية وعلى الطّريق العام, يجعلها محطّ أنظار واستغراب العامّة... فمغارة بشامون التّراثيّة أشبه ما يكون بصبيّة جميلة, تجذب أنظار المارّة وتستحوذ على استغرابهم باعتبارها تقع على الطّريق العام, عكس المغاور الطبيعيّة الكائنة في الأوديّة البعيدة...
ولم تعد الزّاوية المهملة والمنسيّة, تلك الشّامة السّوداء على خدّ منطقة مفعمة بالإخضرار, لقد تحوّلت البقعة التي كانت بالأمس مكبّا للنفايات والسّيارات القديمة إلى حدث سياحيّ تراثيّ وصارت مشهديّاتها متعة للعين... وأضحت مغارة بشامون التّراثيّة معلما سياحيّا تراثيّا مقصدا للزّوّار ومتعة...
إبداع فرون
لم يكتف السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله, ولم يقتنع بما تفتّقت أفكاره وخبراته وإبداعاته في بلدة بشامون, فابتكر وأقام وأنشأ مغارة بشامون التّراثيّة, التي جعل منها معلما سياحيّا وتراثيّا ومقصدا للزّوّار...
بل وفي دفع جديد حمله إلى بلدة فرون الجنوبيّة عند تقاطع النّهر الأولي مع الطّريق العام المؤدّي إلى بلدة قاقعيّة الجسر, وبالتّحديد شرقي الجسر على بعد عشرات الأمتار, أقام السّيّد أحمد محي الدّين فتح الله معلما سياحيّا آخر, وبشكل معماريّ آخر في محاكاة جديدة للقلاع والحصون القديمة, فأنشأ قلعة صغيرة الحجم من نفس حجارة الصّوّان ونفس الخلطة الإسمنتيّة, في نسق معماريّ جميل مستوحى من المعالم التّراثيّة القديمة للقلاع والحصون...
باختصار
مغارة بشامون التّراثيّة
بقلم: الدّكتور حسين أحمد سليم
تُعتبر مغارة بشامون التّراثيّة معلماً سياحيّاً مميّزا في لبنان, بالمظهر المعماري المُبتكر, لجدران وأسقف المقصورات المُعلّقة, وطريقة توزيعها بشكل جماليٍّ المشهد, ضمن قطعة من الأرض ضيّقة, توحي للمشاهد أنّها مجموعة شُرفات وزوايا ومآذن, تعلو بعض الصّخور الطّبيعيّة, وكأنّها مزارات ومقامات مُقدّسة...
تقع المغارة التّراثيّة في الطّرف الغربي لقرية الإستقلال بشامون, على إرتفاع 76 متر عن سطح البحر, بمحاذاة الطريق العام المؤدّي لقرية بشامون, إلى الجنوب الشّرقي من مطار بيروت الدّولي. بحيث يُمكن الوصول إليها من, بيروت والشّمال والجنوب والبقاع والجبل عبر الطّريق السّاحلي عند تقاطع طرقات مثلّث خلدة...
مغارة بشامون التّراثيّة التّاريخيّة, إقيم عليها مزاراً سياحيّاً سنة 2004 للميلاد, على يد الأستاذ احمد فتح الله, لتكون تحفة معماريّة مُتجدّدة, تعكس فعل الإبداع والفن اللبناني العريق, بمحاكاة لطُرز القبب والزّوايا والمآذن والشّرفات والبيوت القديمة, التي كانت تنتشر في شوارع وأحياء بيروت قبل الحرب. والتي عايشها السّيّد أحمد فتح الله خلال فترة إقامته في بيروت قبل الإنتقال إلى بلدة بشامون...
الموقع يحتوي على مقتنيات تاريخيّة وبحريّة وحرفيّة ولوحات فنّيّة وأدوات من بقايا حضارة القرية اللبنانيّة... ومعرض للصابون الشّفّاف بالغلسّرين بأشكال رائعة...
يُقدّم مقهى مغارة يشامون التّراثيّة في المقصورات الخيالية, اشهى المأكولات القروية اللبنانية, ومنها الفول على الرمل السّاخن ومناقيش الصّاج وغيرها... إضافة للمشروبات اللبنانيّة التّقليديّة, كالشّاي والقهوة العربيّة والزّهورات... وتتربّع النّراجيل متماهية فوق الطّاولات في جميع مقصورات المغارة...
مقصورات المغارة مقصد الزّوّار من كافّة الأرجاء المحيطة ببلدة بشامون, بحيث تُقام فيها الحفلات والعروض المختلفة, ويلجأ إليها الكثير في السّهرات وأيّام العطل الأسبوعيّة لأخذ قسط من الرّاحة, ويلتقي فيها الأدباء والكتّاب والشّعراء والفنّانون, ويؤمّها الهواة لأخذ الصّور التذكاريّة...