الغضب لا يليق بك !! لأنك من الذين لا يجهلون شيئا قدر جهلهم بالمفردات التي يفرزها الغضب..لك باع في وصف الجمال ومبادلة الحسن بالإحسان واقتطفت له من سدرة القمر ورقة خضراء وعطرت النور بالإيمان.
فمثلك تتقاطع به الطريق عند أول كلمة أوف , لأنك لم تنهر يوما شوكة في الحديقة حتى وان أدمتك بل كنت تنشغل بكيفية نشاط كريات الدم البيضاء! ومقاومتها للجراثيم .
أنت لم تنهر يوما حجرة متعثرة على الدرب بل كنت تميطها بيديك حنوا ورقا .
و عندما تزجر العاصفة في الأرجاء بالأشرعة , و ترعد السماء , وتبرق هلعا ! كنت تشرع في تأمل حصيف لصنع الله وتعود الى ذاتك وتتذكر ما قاله لك شيخ كبير بأن خير الأسماء ما حمّد وعبّد .
وحين تجلس على الشاطئ كنت تبارك زمجرة البحر حين يزبد , وتعلو الأمواج , ثم تتهيأ تلك الأمواج كقبضة هرمية لتسقط على أيبس بقعة , و كنت تبتسم وتتأمل المنظر بأحداق الأديب المبدع وتصور المواقف المهيبة بعدسة اللغة القشيبة .
عندما يزهو النسر منتصبا على كتفك تكاد تكون له جذع شجرة صحراوية كي لا تحرج صموده ..تذكر بأنك تداعب وجنات الزهور وتنكفئ اليها حنانا وحبا .
وكثيرا ما كنت تقشر القبح من القبيح لحاءً غير مردودا وتضمه الى حزب الجمال .
وبعقلك الواعي تفطن بأن الصمغ على الشجر ثمار ودواء لكل شروخ وانفصام وأن العطر في الزهور غذاء الروح و شفاء الأسقام ..
لذلك منذ أن عرفت بأن سنابك خيولك تتقد كأساور الجواري , وأن دفء حنانك من خيوط الشمس.
لم أتخيلك والغضب يحرك شنب القط من قطط جيرانك .. فكيف به الآن ينظّر ويصوغ لغة لا تندرج ضمن قاموسك .؟..فكيف بك تقفز من حواجز كظم الغيظ وتثب من أسوار الحكمة لتجد نفسك في مواجهة مرايا عاجزة عن القبض على صورتك الحقيقية بهذا الشأن .
ومن كل هذا وذاك لم يتبين لي إلا قدرتك الفائقة على استلطاف نسيم يعبرك إليّ لتحمّله سلامي
وكيف استطعت في خضم هذا الاكتظاظ أن تحارب في خندقين ويتسع لك الوقت كي ترسل لي الشمس والشعرى اليماني في مظروف أرق من حروف البلاغة عبر حمام زاجل .؟
ربما لأنك تيقنت بأن الشواطئ لا تلتقي.