ثعالب إيسوب
إيسوب هذا , هو عبد يوناني عاش في اليونان القديمة بين عامي 620 و 560 قبل الميلاد.
اشتهرت خرافاتُه اشتهاراً كبيراً ومنها :
الثعلب والعنب والسلحفاة والارنب البري والرياح الشمالية والشمس والصبي والذئب و الجندب و النملة
, وهذه الحكايات معروفة في أرجاء المعمورة .
و قصة الثعلب والعنب هي من أشهر أساطير إيسوب الراسخة في أذهان الناس إلى اليوم .
وملخص القصة أنّ ثعلباً كان يتضور جوعاً عندما شاهد عناقيد العنب تتدلى من أيكة عالية، كانت الشجرة
مثقلة بعناقيد العنب لكنها عالية،قفز الثعلب لكي يصل إليها مرات عدة ولكن بلا جدوى، فلما يئس
من الوصول إليها مضى في طريقه وهو يقول : " على كل حال إن العنب لم ينضج بعد، إنه حِصرِم ".
والحصرم في لسان العرب : " هو أول العنب , و لا يزال العنبُ حِصرماً ما دام أخضرَ"
ترمز هذه القصة إلى الفاشل الذي يحاول أمراً فيعجز عنه فيلقي باللوم على "الظروف" ثم ينتقص
من هذا الأمر و يستخف به ثم ينتقل من الاستخفاف و الانتقاص الى تغيير الفكرة والرغبة في هذا الأمر و العزوف عنه إلى غيره
مما يكون أقل شأناً أو أدنى مستوى ومما يكون بذل الجهد فيه أقل بكثير من غيره حتى إذا خاض في
هذا الأمر الجديد ووجد نفسه فيه , مدحه , وزاد من الانتقاص من الأمر الأول و حمل عليه كل محمل و كل جريرة .
و من المؤكد أن إيسوب اليوناني هذا لم يكن على علم حين ابتدع قصة الثعلب أن بستان الشعرالعربي الكبير
سوف يزدحم بثعالب كثيرة هي أكثر عجزاً و فشلاً من ثعلبهِ المسكين.
من هم هؤلاء الثعالب؟
وما هو عنبهم ؟
العنب هو الشعر العمودي !
و الثعالب هم أنصاف الشعراء أو أرباعهم أو مَنْ هم أقلّ من النصف و الربع و الثمن , الذين يحاولون أن يرتقوه فلا يستطيعون
فيسخطون و يتذمرون
ثمّ ..
يسبّون و يشتمون
ثمّ..
يصِفون هذا العنب الشهي بالحصرِم !!!!
ثم يُهرعون بعد ذلك الى فنون هي ليست من الشعر فيلصقونها به ليقال إنهم شعراء و يصفون الشعر العمودي
بعد ذلك بالتخلف و الرجعية و العجز و السطحية و ما الى هنالك من ألفاظ و شتائم تليق تماماً بما هم يكتبون.
و الغريب حقاً أن رائدة الشعر الحر في الوطن العربي نازك الملائكة والتي هي أول من تجرأ وكتب هذا الشعر الحر
و سوّق له وحَشَرَهُ في أنف الذوق العربي , تخلت عن حماسها له بعد أن تفشّى سرطانُه في جسد الشعر العربي الأصيل ,
حيث تحدثت عن عيوب الشعر الحر ودعت إلى العودة إلى كتابة "شعر الشطرين" !
وقد أكدت ذلك في مقدمة ديوانها «شجرة القمر» (بيروت 1968) إذ قالت «واني لعلى يقين من أن تيار الشعر الحر
سيتوقف في يوم غير بعيد وسيرجع الشعراء إلى الأوزان الشطرية بعد أن خاضوا في الخروج عليها والاستهانة بها ".
إذن , سيتوقف الشعر الحر قريباً ويعود الشعر العمودي و يبسط سلطته من جديد ..
وما دام الشعر الحر سيتوقف في يوم قريب , فلماذا ابتدعتموه ؟
و لماذا عبثتم بسكاكينكم في جسد الشعر العربي فشوهتم وجهه و أخرجتم أحشاءه من بطنه ؟
يقول المستشرق الإيطالي جويدي : " إنّ قصائد القرن السادس الميلادي الجديرة بالإعجاب تنبئ بأنها ثمرةُ صناعةٍ طويلة ".
الجاهليون تعبوا طويلاً في صناعة هذا الشعر ثم تبعهم شعراء العصر الإسلامي و الأموي و العباسي و العصر الحديث بالتطوير و التجديد.
و المستشرقون معجبون به , والعرب اللاهثون وراء الثقافة الغربية يتهمون هذا الشعر بالساذج !
يقول غوته شاعر ألمانيا العظيم : لولا امرؤ القيس لقلت إن هوميروس هو أشعر شعراء العالم.
و يقول نيكلسون : إن المتنبي هو فيكتور هوجو المشرق .
ويقول شوقي ضيف و هو أحد الأهرامات العملاقة في الأدب العربي في القرن العشرين :
" الشعر ليس عملا سهلاً ساذجاً كما يعتقد كثير من الناس , بل هو عمل معقد غاية التعقيد . هو صناعة تجتمع لها
في كل لغة طائفة من المصطلحات و التقاليد , وما يزال النقاد منذ أرسطاليس يحاولون أن يصِفوها بما يقيمون عليها من مراصد و مقاييس " .
و يقول :
" فالشعر في رأي العرب – كما هو في رأي اليونان- صناعة , و هي صناعة معقدة تخضع لقواعد دقيقة صارمة في دقتها ".
وهؤلاء لا يريدون أن يلتزموا القواعد و لا أن يتعبوا ..
ولكنهم يستوردون العنب من أوروبا "معلّباً " في صناديق تفوح منها رائحة العقوق .
يقول الحطيئة :
الشعر صـعبٌ وطويـل سلّمُه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمُه
زلّت به إلى الحضيض قدمُه
يــريد أن يعربــــَـــه فيعجمُه
أيها الثعالب ..
ارحلوا الى حيث تنتمون
أما البستان فاتركوه لأصحابه
و أما العنب فاتركوه للأسود .
محمد البياسي