تحارب منظمة التجارة العالمية البضائع المقلدة الآتية من الأسواق الصينية والدول النامية ، لضررها على الاقتصادات المتقدمة ، وعلى المنتج الأصلي ، وأخذت بذلك أمريكا تضغط على الصين بكل جهد يمكن بذله ، وفي شتى المجالات ، وبكل الأساليب المتاحة ، ولكنها غفر الله لها ( أي أمريكا ) لم تفطن بعد لبضائع السعودية المقلدة ، فهي قد غزتنا في كل مكان ، وبكل حِرَفية أحيانا ، وبكل غباء أحيانا أخرى .
بضائعنا المقلدة في السعودية متميزة ببصمات شرعية ، وملامح دعوية ، وأساليب علمية ، ولن أتكلم عن السعودية كلها ، ولكني سأتحدث عما ظهر لنا في مجتمع المدينة المنورة البسيط .
في المدينة المنورة نجد البضائع المقلدة في المساجد غالبا ، ولن تراها جمادات ، بل أحياء تتحرك على الأرض ، وتتنفس وتنطق وتعي ما يقال لها .
هذه النسخ بشرية ؛ ولكنها ليست أصلية بل مقلدة ، تراها من الخارج وتحسبها أصلية ، ولكنها عندما تؤدي نوعا معينا من العمل تدرك مدى التقليد ، وسوء الصنعة ، وعدم وجود البصمة الخاصة .
هذا النوع من التقليد يكمن في قراء القرآن الكريم ، وأئمة المساجد ، فتجدهم يتلون القرآن الكريم بطريقة الشريم أو القاسم أو المعيقلي ، فتسمع المساجد يقلد أئمتها الآخر ، ويتسابقون ويتنافسون أيهم يكون النسخة المقلدة المطابقة للأصلية ، وليتهم حينما اختاروا من يقلدوا ؛ اختاروا الأئمة من القراء أو المتقنين ، ولكنهم وقعوا على من يحوس بتلاوته القران حوسا ، ويضيّع جمال كلام الله باللخبطة في أحكام التجويد ، والمغط الغريب ( المبالغة في المد ) ، أذ ما فعلوه تشويه للقرآن ، وقد مرت علينا أيام سمعنا فيها من يقلد القارئ القديم : إبراهيم السعدان ، الذي لا يمد المدود بل يمغطها مغطا ، فما كان حقه أربع حركات يمغطه عشرًا ، وخذ من المغط .
وقد عجبت من هؤلاء السِّكـْراب ( السِّكـْراب هو الحديد المستعمل والخردة ) لا يسقطون حين سقوطهم على سنع ( أي على طريقة جيدة ) ، بل على المتميز في اللخبطة والحوسة ، ولا يقلدون المنشاوي والحصري وعبدالباسط والأخضر ومحمد أيوب ، وأي من المتقنين للتلاوة ، الآخذين لها بالأسانيد ، الحاصلين على الإجازات فيها من عمالقة القراءة .
ومن هذه النسخ المدنية نوع مسْخ ، تردى حتى مله الإسفاف ( كما قال العشماوي قديما : أطرقت حتى ملني الإطراق ) ، وانحط حتى استحقر هو نفسه ، وذل حتى مردغ وجهه ( مرغه بالتراب ) .
هانوا فما وجدوا سموا أو علا * * إلا الخنوع دناءة وشعارا
) أنا (
مسخوا أنفسهم بطريقة غريبة ، تـُضحك من لم يضحك في حياته قط ، وهم يدّعون المحبة والاقتداء ،
هؤلاء هم ممن ينظر لهم أبناء المجتمع المدني على أنهم مشايخ الزمن القادم ( ليس لعبدالملك القاسم ) ، وطلاب ذلك العالم المشهور .
هذا العالم لن اذكر اسمه ، ولكني سأذكر تلميحات له ، ليفهما الأذكياء فقط .
هذا العالم هو عضو هيئة كبار العلماء الوحيد من المدينة المنورة ، وهو عضو فيها عن المذهب المالكي ، وله درس في المسجد النبوي ، ودروس في مكة المكرمة ، وجدة المجددة ( لنطيِّب خاطرها ) .
وقع مشايخ الزمن القادم في التقليد ، فكانوا نسخاً مقلدة لشيخهم ، وقد فاقوا الفئة السالفة الذكر في الانحطاط ، حتى لتظن لو أن شيخهم دخل جحر ضب لدخلوه ، ولو ارتكب الكبائر الشرعية لارتكبوها تقليدا له .
فحينما تسمع حديثهم وهدوءه ؛ لتظن أن شيخهم هو المتحدث ، وليست النسخة المقلدة له ، ولو شاهدته – أي الطالب - وهو يتحدث معك لرأيت الانكسار الذي في نسختهم الأصلية ، ولو صليت وراء أغلبهم لسمعت انتهاجهم لأسلوبه في التلاوة .
والأدهى والأمرّ من ذلك كله ؛ أن تجدهم يقلدوه في مظهرهم الخارجي ، فهم يحفـّون شواربهم كما يحفـّه شيخهم ، ويأخذون من لحاهم بمقدار القبضة كما يأخذ شيخهم ، والأسوأ من ذلك أن تجدهم يلبسون كما يلبس شيخهم ، فلو نظرت إلى طواقيهم ( ما يلبس تحت العمامة ) وطاقية شيخهم ؛ لجزمت أنهم يشترونها من نفس المحل الذي يشتري منه شيخهم ، ولو نظرت إلى طريقة وضع العمامة على رؤوسهم وتأخرها عن مقدم الرأس ، وإبداء مقدم الطاقية ؛ لشككت أن شيخهم يوصيهم بذلك .
وقد تظن في بعض الأحيان ؛ أن بعضهم ليتجرع الحسرة والألم حين تخشُن لحيته ، ولا تكون كلحية شيخه ، وإني لأظن أنهم لو علموا أن شيخهم رأى في رسالته العلمية ( أحكام الجراحة الطبية ، التي نال بها جائزة المدينة المنورة ) جواز العمليات التجميلية لمماثلة ملامح وجه بآخر لأجروها .
وقد حضرت مرة ومعي مَن معي مجلس أحد طلبة هذا الشيخ ، فوجدنا فيه ما يقارب نصف الدرزن ( ستة ) من طلبة هذا الشيخ ، وإذا بهم يشبه بعضهم بعضا فيما يستطيعون المشابهة فيه ، ووجدت الدروشة والخنوع في ذلك المجلس ، حيث يقولون عن أحدهم : فلان عيون الشيخ ، وفلان قلب الشيخ ، وفلان يد الشيخ ، وخشيت حينها أن يقال عن أحدهم أنه حذاء الشيخ ولكن الله سلـّم .
وانا عندما لاحظت ما لاحظت ، لم أر سوى طلابه المدنيين ، ولم أر المكيين والجداويين ، وهل هم على نفس الموديل أم لا ؟ !
وما هذا الذي ذكرت إلا من الانحطاط ، وضعف الشخصية ، وقد علمت - علما يقينيا - أن أحدهم سمى ابنته على اسم أم الشيخ ( رقية ) ، ولم يسم ابنه على اسم أبيه ( مَن الأولى والأحق بالإرضاء ؛ الشيخ أم الأب ) .
ولو نظرنا لخير البشر صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من الصحابة ؛ لرأينا الاعتزاز بالنفس ، وقوة الشخصية ، وأعلى درجات المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وما ورد عن أنس بن مالك وحبه للدباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها ، لم يكن له أي إخلال بالشخصية الفردية والمظهرية ، ولو حصلت مع النبي صلى الله عليه وسلم لكان أوجب وأولى .