|
ألا يا موطنَ المختارِ إني |
شكوتُ إليك آهاتي وحزْني |
كأنّ الدمعَ في عيني سيلٌ |
تتابعَ دفْقُه منْ فيضِ مُزْنِ |
كأنّي قدْ فَقدْتُ بهِ عَزيزاً |
فضاعتْ هيبتي وفقدتُ وزْني |
أبيتُ بحضنهِ ألهو كطفلٍ |
أدفّي حُضْنَه أبداً بحضْني |
فمنْ نفحاتِه سطَّرْتُ شعري |
وفي أفنانِه رجّعْتُ لحْني |
رماني الحبُّ حتى صرتُ أحيا |
على خفقاتهِ ويعيشُ منِّي |
أعيشُ بقربِهِ في خيرِ حالٍ |
ويشقى القلبُ حينَ يبينُ عنِّي |
كتبتُ لحبِّهِ أحلى نشيدٍ |
وأهديتُ الدُنَا شعري وفنِّي |
تراني حينَ أذكرُه بشعرٍ |
أخطُّ حروفَهُ بدموعِ حُزْني |
ويأخذُني الحنينُ فلستَ تدْرِي |
أأبكي في قصيدي أمْ أُغَنِّي؟! |
أغنِّي حينَ أذكرُ كيفَ كُنّا |
عفاريتَ الوغى ورجالَ جنِّ |
وكنَّا دولةً بالعدلِ تحيا |
وكُنَّا فتيةً منْ غيرِ شَنِّ |
وأبكي حينَ أنظرُ كيفَ صرْنَا |
نبيتُ على الطوى من غيرِ أمْنِ |
(وتعبثُ في مرابعِنَا قرودٌ) |
بأذيالِ الهزيمةِ والتجَنّي |
قَفَوْنَا خطوَ منْ كفرُوا بموسى |
وتابعْنَا النصارى في تَسّنِ |
تغيرَّ حُسْنُها وبدَتْ عِجَافاً |
وأطبقَ ليلُها كظلامِ سِجْنِ |
وباتَتْ صَفْصَفاً لا زرعَ فيها |
وخابَ بأهلِها حدْسِي وظَنِّي |
رمَاهَا ربُّنَا بسلِيلِ لؤْمٍ |
زنيمَ الأصْلِ منسُوباً لِقِنِّ |
تَعَبَّدَهَا العُتِلُّ بكلِّ ظُلْمٍ |
وعاثَ مخرِّباً في كلِّ رُكْنِ |
فلو نطقتْ مرابعُهَا لقالتْ |
لعنتكَ يا لئيمُ فلسْتَ ابني |
تُهَدِّمُ كُلَّ شامخةٍ وقصرٍ |
وتُعْلِنُ : أنّنِي آتٍ لأَبْنِي |
دَفَنْتَ حَضَارَتِي وقَتَلْتَ أَهْلِي |
ودُسْتَ كرَامَتِي وأزَلتَ حُسْني |
هتَكْتَ بفكرِكَ المأفونِ ستري |
وللباغي المغيرِ فتحتَ حِصْنِي |
سأذكرُ فعلَكَ المشؤومَ لمّا |
تصيرُ ممدًا ملقىً ببَطْنِي |
بلادِي جنةُ الأزهارِ صارَتْ |
بظلمِ الظالمينَ فُتَاتَ عِهْنِ |
بلادي قدْ شَقيتِ بحملِ همِّ |
تعالي فاستريحي تَحْتَ جَفْنِي |
أبيتُ فيستلذُّ بها خيالِي |
وأصحو وهي في خَلَدِي وذِهْنِي |
كأنَّ نسيمَها نفحاتُ عطرٍ |
تأَرَّجَ نشْرُهَا بربوعِ حٌسْنِ |
وشدوُ طيورِهَا يُحْيِي فؤادِي |
ويطربُ لحْنُها قلْبِي وأُذْنِي |
ويأْسرنِي هديرُ الموجِ فيهَا |
ببحرٍ صاخبٍ كهديرِ حزْني |
إذا عَزَفَتْ بأَرْبُعِهَا رياحُ |
ظنَنْتَ عَزِيفَها وُرَقاً تُغَنِّي |
ولاسْمِكِ يا بلادي لَحْنُ حُبٍّ |
تغَلغلَ في فؤادي دونَ إِذْني |
أحِبُّكِ ليبيا ما دمتُ أَحيا |
وهذا الشعرُ يُعزَفُ مِنْ لَدُنِّي |
عشقتُكِ يا بلادي فاسْمعينِي |
فإنْ قلتُ الهوى إِياكِ أَعْنِي |
إذا أخذَ الهوى بشغافِ قلبي |
وهاجَ الشوقُ قالَ القلبُ زِدْنَِي |
فلا والِله لا أنساكِ حتَّى |
تُمزّقَ أَضْلُعِي بسَدِيدِ طَعْنِ |
سأذكرُهَا بكُلِّ طلوعِ شَمْسٍ |
ويومَ إقامتِي فيها وظَعْنِي |
سأذكرُهَا متى هَبَّتْ رِيَاحٌ |
وحينَ تُدَاعِبُ الأنْسَامُ جَفْنِي |
سقيتُ ترابَها بدَمِي ودَمْعِي |
وهاجَتْ بالحنينِ فأَرْهَقَتْنِي |
بلادي يا نَشِيداً في فؤادِي |
وخوداً بالهوى المضنِي رَمَتْنِي |
سيبقَى بلبلُ الأشعارِ يشدُو |
برغمِ الظلمِ يَصْدحُ فوقَ غُصْنِ |
ستَبْقى دُرَّةُ الأوطانِ نَجْماً |
تلألأَ نورُها منْ غيرِ وَهْنِ |
ستزهرُ في جنائنِهَا ورُودٌ |
فأجنِي حُسْنَها وأظلُّ أَجْنِي |
بلادي لاأحبُّ سواكِ إنِّي |
عشقتُكِ والهوى للقلبِ مُضْنِ |
فلو طَرَقَ الهوى أبْوَابَ قلبي |
يناجي الروحَ منْ ظبيٍ أغَنِّ |
ليزحمَ حُبَّها بجدارِ قلْبِي |
وينسيني لقلْتُ : إليك عَنّي |
فإنِّي لاأحبُّ سوى بلادٍ |
كأنَّ ربوعَها جناتُ عدْنِ |
لها روحي وما ملكتْ يَمِينِي |
وما حملَ الفؤادُ وما أغنّي |
وألحانُ الصباحِ وكلُّ نبْضٍ |
يدقُّ بخافِقِي فيزيدُ شَجْنِي |
فينبعثُ الحنينُ لَدَيَّ شعراً |
فيحملُهُ الأثيرُ لكلِّ أُذْنِ |
فتنشدُهُ الرُّبَا لَحْناً جَمِيلاً |
يُخَلِّدُ للورَى شِعْرِي وفَنِّي |