صحيح البخاري:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: يَتِرَكُمْ: وَتَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْتَ لَهُ قَتِيلًا، أَوْ أَخَذْتَ لَهُ مَالًا.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني:
قَوْلُهُ: (وُتِرَ أَهْلَهُ) هُوَ بِالنَّصْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِوُتِرَ, وَأُضْمِرَ فِي وُتِرَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي فَاتَتْهُ, فَالْمَعْنَى أُصِيبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ). وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَتِرَكُمْ. اِنْتَهَى. وَقِيلَ: وُتِرَ هُنَا بِمَعْنَى نُقِصَ, فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَرَفْعُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ رَدَّ النَّقْصَ إِلَى الرَّجُلِ نَصَبَ وَأَضْمَرَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَاعِلِ, وَمَنْ رَدَّهُ إِلَى الْأَهْلِ رَفَعَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى سُلِبَ، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ, وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى أُخِذَ، فَيَكُونُ أَهْلَهُ هُوَ الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي أَيْضًا "وَتَرْت الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْت لَهُ قَتِيلًا أَوْ أَخَذْت مَالَهُ", وَحَقِيقَةُ الْوَتْرِ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الظُّلْمُ فِي الدَّمِ, فَعَلَى هَذَا فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَالِ مَجَازٌ, لَكِنْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمَوْتُورُ هُوَ الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرَكْ بِدَمِهِ, تَقُولُ مِنْهُ: وُتِرَ. وَتَقُولُ أَيْضًا: وَتَرَهُ حَقَّهُ، أَيْ نَقَصَهُ. وَقِيلَ: الْمَوْتُورُ مَنْ أُخِذَ أَهْلُهُ أَوْ مَالُهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَشَدُّ لِغَمِّهِ, فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بِذَلِكَ لِمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ: غَمُّ الْإِثْمِ وَغَمُّ فَقْدِ الثَّوَابِ، كَمَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْمَوْتُورِ غَمَّانِ: غَمُّ السَّلْبِ, وَغَمُّ الطَّلَبِ بِالثَّأْرِ. وَقِيلَ: مَعْنَى وُتِرَ أُخِذَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَصَارَ وَتْرًا أَيْ فَرْدًا, وَيُؤَيِّدُ الَّذِي قَبْلَهُ رِوَايَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ "وَهُوَ قَاعِدٌ".