حجاب الرجل و اغتصاب البتريارك
دراسة أسلوبية في الشعر النسوي اليمني الحديث
__________
هدى أبلان ( نموذج )
ترى سارة ميلز ان ما تسميه ( النقد الأسلوبي النسوي ) ( feminist stylistics ) قد لا يكون أكثر من مصطلح يعجز حتى عن العبور الى المقصود من فحواه(1) ، وتلح في أكثر من مقام على ضرورة إستبداله بـــ ( النقد الأسلوبي الجنسي ) ، أي نقل المنهج وإنفتاحه كلية ً على رؤية إجتماعية ثقافية تهتم بالجنس gender)) – ذكر / أنثى وتمثلات ذلك في الخطاب او العكس بعد عقودٍ من التحيز لصالح النسوية ، كما تقول ميلز(2) .
وبالرغم من أن النقد الحديث عبر كل مراحل تطوره في القرن الماضي ، بدءاً باكرا ً من النقد التطبيقي الريتشاردي وعبر كل مراحل البنيوية وما تمنهج عنها الى ما بعد البنيوية وانفتاحه المباشر على السياقات وعوامل ما وراء اللغة ، وصولا ً الى أحدث صوره كــ ( أسلوبية الخطاب ) discourse stylistics ، إلا أنه رغم كل ما قدم وتقدم إليه يبقى متجاهلا ً بفظاظة التساؤل الذي طرحه ستانلي فيش أواسط القرن والمتعلق بإعتباطية نسبة البنية الى التأويل بكل الأحوال بما يعرف عموما ً بـالفجوة التأويلية (3) ( Hermeneutic gap ) وإمكانية قبول ذلك على حساب أي منهج علمي.
غير أن أي مقاربة سوشيولغوية أو حتى لغاإجتماعية ، خصوصا ً تلك المشتغلة بالجنس (gender) والمهتمة بالعلاقة بين الرجل والمرأة ، لا تحتاج إلى المبالغة في الحذر ،لا سيما وقت يكون الخطاب- تحت - الدراسة من ( او عن ) مجتمعات لا يزال فيها حتى مجرد سؤال من هذا القبيل محط دراسات جدوى متعبة عموما ً و محاطة بالحلكة والتغييب عن عمد من جميع الجهات . وربما كفانا هنا للتأكيد الإشارة إلى أن كلمة (gender) الإنجليزية والتي تجد لها مقابلاً ربما في معظم لغات العالم gendre ) بالفرنسية أو género بالأسبانية ) أي ]نوع[ = ذكر/ أنثى ،من ناحية إجتماعية وثقافية كما يوضح علم الإجتماع اللغوي(4) ، هذه الكلمة لا نجد لها مقابلا ً مقبولا ً وقيد الإستخدام في العربية غير لفظة ( جنس ) (sex , sexe , sexo ) ذات المعنى البيلوجي الأول , مع كل ما تستدعيه التراكمات النفسية إزاءها من تابوهات ومحرمات , و كأن قاموس العربي بهذا يضمن له بترياركيته وموقعه كفاعل دائم كلما حوصر وطـُـولب بالإنفصال عن العربية.
هذه الورقة هي في الأصل ملخص لمخطط دراسة أكاديمية قيد الإنجاز , وهي تهدف لكشف جوانب من طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات العربية والشرقية عموما ً واليمنية خصوصا ً وتمثلات ذلك في الخطاب النسوي , ثم كيف أن الثقافة من منظور النقد التكويني قد تفرض على الأديب- المرأة رؤية أو رؤى معينة تجاه الرجل وما مدى تجلي ذلك في خطابها. ويسعى الباحث مجازفا ً بإحتمال وقوعه في العبثية المشار إليها سابقا ً ( الفجوة التأويلية ) الى تقديم نموذجه عبر مجموعة( نصف إنحناءة ) لــ هدى أبلان ، مدعما ً ذلك بأدلة إمبريقوبنيوية علمية من المستويين النحوي والخطابي وكذا جانبا ً من المستوى الصرفي ، سيتم التعرض لنماذج منها في هذه الورقة ، بينما حُجبت بعض المستويات الأخرى كالصوتي نظراً لضيق المقام هنا أولا ً ثم خشية الوقوع في فخ (الإستحلاب ) overmilking كما يسميه ميك شورت (5) ، مع التذكير دوماً بأن الدراسة لا تزال قيد التنفيذ .
* * *
ترى وجدان الصائغ أن الكتابات النسوية اليمنية (تتميز بأسلوب معالجتها للهم الإنساني عامة والهم الأنثوي على وجه الخصوص)1 . بيد أن الإنفتاح على العصر والآداب العالمية يجعل الإمتياز الذي تذكره الصائغ ، لا سيما لدى الرائدات أمثال هدى أبلان ، يظهر مولعا ً بذات الهم الأنثوي الأقليمي ، وربما المحلي الضيق , ولكن على مستوى عال ٍ من الحرفية والتمكن بحيث يثوب بالمحلي وربما الشخصي وقد غدى هما ً إنسانيا ً عالميا. فهو لا يكتفي بلعق ( دموع الشراشف ) أو مطارحة ( أحزان البنت مياسة ) بل ويرفض القبول بأن تتحول القضية برمتها الى مجرد تعاطف مع ( حريم أعزكم الله) كما يظهر للعامة عبر تصوير المُعاش وتوثيقه صوتا ً وحرف ، وإعادة إنتاج الواقع عُـلبا ً كتابية بحيث ، وفي حالة أشبه بسباق تسلح أو حرب كواكب ، يُحسم ألأمر قبل بدئه ، فيكون من الحتم أن تصل المرأة ، مُـتأخرة كالعادة ، الى عالم ٍ مُتخيل جاهز ومؤثث بالكامل من قـِبل الرجل، تماما ً كما في عش الزوجية السعيد !! إن التميّز الذي تشير إليه الصائغ يكمن في تمكن الأديبة اليمنية - هدى أبلان في نصف انحناءتها على الأقل - من الفصل , ليس بين عالمين إثنين وحسب ، بل في التمكن من الفصل في التصرف بهذين العالمين ... عالم (مفروض) تقف عاجزة عن تغيير واقعه أو حتى تقبـُّل فلسفته ، و آخر ( مفترض ) تخلقه هي ، ترتبه وفقا لرؤاها وأحلامها ، وتعمل من خلاله على إيجاد التوازن المطلوب للوجود مرة أخرى.
هذا العالم ليس لنا
بهذا العنوان الذي تعارض به الشاعرة مطلع قصيدة (رحيل الى بيزنطة) لشاعر إيرلندا العظيم ييتس ، تطرح أول أسئلتها وآخر إجاباتها تجاه قضيتها الأولى والأخيرة كامرأة ٍ ، مع فارق أن بيزنطتها المنشودة ليست مُطـْـلقة التأنيث لغاية التأنيث ومن ثم مقاضاة الجاني والإقتصاص منه ، وإنما لعرض حالة الوجود مقلوبا ً عبر اللغة ، بحيث تثبت إستقلاليتها المطلقة وتعلن حقوقها كاملة وتمارس حرياتها التي يكفلها لها الجميع داخل ما يشبه ( الحريم اللغوي ) عندما هضم الجميع َ الجميع ُ خارجه. حريمُ تلجأ إليه الشاعرة وتحرِّز هويته الأنثوية فلا يظهر الذكر إلا بمأذونية أصحابه مع ضمان إلتزامه اللغوي بالحجاب والنقاب وربما الجلباب ، تماما ً كما لا يُسمح للأنثى خارجه بالخروج من البيت إلا بمأذونية أصحابه و على نفس الشاكلة . ثم أنه لا يجوز له شرعا ً و شعرا ًً غير ذلك إلا بالمعروف ، أمام محارمه أو في الطقوس الدينية المعروفة ، وذلك في حضرة ( الله ) لغة ً.
هذا التغييب / الحجب / التهميش اللغوي يعمل على عدة جبهات داخل خطاب هذا الحريم الشعري ، لا لشيء سوى صون كرامة الذكر من أن تُسلب ذكوريته أو تُغتصب ضمائره ، وكما يمارس هو في الواقع تغييبه للأنثى منتزعاً منها ظلما ً حقها في الوجود ، مغتصبا ً ما لها في المجتمع من إستحقاقات ، تقوم هي ، إذا لزم الأمر شعريا ً ، بتغييبه عن النص ، منتزعة منه ما منحته إياه عدلا ً سابقا ً من حق في الوجود هناك ، بل وقد تصادر ما له في اللغة .
هذه الإدعاءآت الهرميونيتيكية ، قد تبدو مبالغة ً في التقدير ، و عصية على التقبل ، غير انها تجد ما يدعمها بإلحاح ، و تتحالف بقوة مع الكثير من الشواهد البنيوية على كل المستويات اللغوية ، ربما يكون كافيا ً هنا الإشارة الى ما يلي منها :
أ*- غياب المبادرة لدى الذكر وإسنادها الى الأنثى بحيث يكون هو المفعول به لغويا ً والمتأثر بفعل الأنثى دلاليا ً
ربما تأخذه نشوة الهديل
...
تصفعه ذات مساء ريح
فكان من غابت يداه
( إحتمالات )
ما رأته مرة
...
نظرته زفرة عند بوابة الزحام
(قراءة في رئة التعب)
ب*- حرمان المذكر من ممارسة أي فعل عن طريق عدم إسناد الأفعال إليه ، وإن حدث ذلك فلا يكون إلا حالة من ثلاث :
1- الفاعل المذكر هو في الأصل من أشياء / أغراض / ممتلكات تخص الأنثى التي غالبا ً ما تكون صوت الشاعرة نفسها
إنه القلب يرفض عاشقيه
(قراءة في رئة التعب)
يهطل وجعي على رصيف الإنتظار الطويل
(ثرثرة)
يحمله غصني الذي قد ذهب
(إعترافات من الضفة الأخرى)
2- يتم حجب هويته الذكورية أو الإدعاء بالجهل بها
يا قادما ً وفيك من إحتراقات الحياة
(قراءة في رئة التعب)
3- يتم حرمان الفعل من فاعلة إذا تأكدت ذكوريته ، ويصحب ذلك عادة ً قفزة نوعية مجملها إرتدادة عنيفة وغير مبررة السياق الى التأنيث
قد ضاع دون سمائه ...
وغيمة الأحزان في وجه أمه الحنون
(قراءة في رئة التعب)
ج*- غياب ضمير المتكلم المفرد ( أنا ) ، ولو مستترا ً، وإسيبداله بالجمع في معظم المناسبات النصية تقريبا ً في المجموعة كاملة ، عدا البعض تمشيا ً مع غائية إنزياحية كما سيأتي ، وذلك ربما لما لهذا الضمير من رجع تكويني في نفسية اليمني وغيره ممن تتعامل لهجاتهم المحلية مع هذا الضمير بالتذكير مقابل آخر مؤنث مثل ( أني )
حين نمشي ...
(خطوات)
ربما نقف
(إحتمالات)
ونمتد حتى نهايات الوقوف
(إعترافات من الضفة الأخرى)
بإضافة ( أ ) الى ( ج ) ، يمكن القول بأن هذا الإصرار على تغييب الضمير ( أنا ) ولو مستترا ً هي محاولة لإعادة ترتيب العالم بحيث تتم التسوية بين الجنسين حضورا ً وغيابا ً فيما يشبه التماهي وصيرورة الكل واحد ، هذا الكل ليس للذكر بمفرده ولا للأنثى بمفردها ، وإنما كل ٌ لكليهما ، يفنى ليتجدد / يتجدد ليفنى من أجل غاية أعلى و أسمى
ربما نقف ..
ويسقط الكهف الخرافي
ونمد في الأفق شراعنا المنسوج بالدماء
المسيج بالحقيقة ..
ربما شكّل الوطن من أجسادنا طريقه
( إحتمالات )
تكفي لتشكيل وطن
(ثرثرة)
د- مثل ( ج ) ، غياب ياء المفعول بعد نون الوقاية (ني) . فبإستثناء (الإهداء) ، لا نجد الشاعرة تظهر كأنثى بموقع المتكلم المفعول إلا بعد إشتراط أن :
1- يكون الفاعل ( وبإلحاح ) هو الله
أطفأني الله في ماء عينيك
(كينونة)
2- يكون الفاعل إسم مضاف إلى ( الله ) او في حضرة إسم من إسمائه أو صفة من صفاته مع إنزياح من نوع معين كما سيأتي في ( نصف إنحناءة)
لو اهدتني سماء الله المطر الحار
(حلم)
من لا تعويذة للرب تصد ( عني ) رمله الخؤون
(نصف إنحناءة)
3- يكون الفاعل مستترا خلف فعل أمر صادر عنها شخصيا ً (صوت رويها)
حدثني قليلا ً
(إحتمالات)
* * *
كل ما ذكر سابقا ً ، نراه يتكثف ليُشع فجأة في قصيدة العنوان ( نصف انحناءة ) التي يظهر أن الشاعرة أولتها إهتماما ً خاصا ً حتى أنها حمّـلتها اسم المجموعة كاملة ، وكأنها بلا وعي منها تعلن أنها ستمارس فيها كل لهفها اللغوي المنتصر للذات الأنثى وقضيتها ، مستخدمة لذلك كل ما أُتيح لها من بُـنىً شعرية لغوية ، و لغوية فقط ، قابلة ً التحدي وقد تجردت من كل ما قد يُحسب نصيرا ً ( ميتا لغويا ً ) لها سواء اجتماعي ، ثقافي ، سياسي ... الخ. أي أنها قدمت نفسها في القصيدة كأنثى خالصة في أعلى حالات الاستسلام الجبرية ... ذلك هو إنطراح الجسد المؤنث لجوع الاخر المذكر كحقيقة كونية ؛ أنثى على السرير في لحظات التأنث الأكبر ، تلغي بنجاح كل مظاهر الذكورية اللغوية والبترياركية الخطابية ، مُـقصية ً الرجل من على منصة النص بعد إفتراسه دلاليا ً وتحويل كيانه إلى مزق ٍ ، فلا يبقى منه إلا ( ما تيسر من ملامح) سرعان ما تأنثت و ( صارت بعض وجهــ ) ها ، ثم لا يُــرى منه إلا نثار ( من جغرافيا دمه ) . لاحظ ما يلي :
- مباشرة الأفعال لتفويت فرصة المبادرة على الذكر
عندما انحنيت...
انكسرت مرتين ...
و مت أربعا ً...
- إسناد العمل الى فواعل مؤنثة
توزعت ذاكرة ...
...
بالتضاريس التي كبرت
...
صارت
...
تهب
..
- أو إلى جمع متكلم
أودعناها
- حرمان الفاعل من قيامه بالفعل الذي تكون هي مفعوله وذلك بالنفي أوالتحايل عبر الإنزياح الدلالي
-
لا رمل يقرؤني
- تغييب الذكر حتى عن إحتمالية أن يكون مفعولا ً ولو كلـّف ذلك حذفه من الموروث كليا ً
(ذهب الذين أحب)
- بعد حصر الأفعال والفاعلين يُلاحظ أن الإنزياح الوحيد في هذا التوازي هو السطر ( لم يبق إلا هذا الليل ) بكل ما يحمل من رمزية و دلالة معروفتين في الثقافة العربية ، أضف إلى ذلك إشتراط وجودة بـــ
امرأة مطرزة بقامتها
هذا الإنزياح هو من الدرجة الثالثة ( داخلي ) و يعمل ملحا ً على مستوى الخطاب كاملا ً ليعزز الإشارة إلى ما قد يستدعيه الليل من ظلام / سواد / خوف ... الخ . وما يوازي ذلك رمزا ً كالإحساس بالظلم / الغبن / التغييب ... الخ. فعلى سبيل المثال نراه متبوعا ً بانزياح أخرمن الدرجة الأولى ، من نوع ( تكرار لفظي )
من لا ظل
من لا شجر
من لا تعويذة
ثم أن ( قامة المرأة ) المذكورة تعمل عبر تكرار ذكرها في آخر القصيدة و في ظروف سياقية ودلالية مشابهة على تمتين هذا الإنزياح مع إضافة بُعد آخر يفيد طول أمد الظلم / الظلام وأزلية الأمل في انحساره ورحيله
وشكلت من قامتي ...
مملكة الانتظار الطويل ...
المثير للإهتمام أن هذه الصورة ، وفقا ً للدلالة المفترضة هنا ، تتكرر لنفس الغرض تقريبا ً ، بسلوك إنزياحي مماثل ، ليس على المستوى الخطابي الواحد (القصيدة الواحدة ) وإنما على مستوى الخطابات المتعددة،الأمر الذي يصعب معه الجزم- إلى الآن على الأقل - بأن مصطلحا ً حداثيا ً من أي مدرسة نقدية قد قام بتأطيره . لاحظ في ( إعترافات من الضفة الأخرى ):
ويبقى زيت أحلامنا في قبضة الليل ...
هو الليل...
ولاحظ بالمثل أيضا ً سلوك الفعل ( حدثني ) في قصيدة (إحتمالات) مقارنة بسلوكه في قصيدة (الأخرى) ، حيث ينزاح في الأولى كفعل أمر وحيد فيها ، وينزاح في الثانية بالتكرار.
حدثني قليلا ً
(إحتمالات)
حدثني عن أخرى × 2
( الأخرى) ] سطر 9 + 27 [
* * *
بالرغم أن المطالبة المُدّعاة بالتسوية في الغياب بين الرجل والمرأة كما يظهر للعيان في معظم قصائد المجموعة ، وكما تقر الشواهد اللغوية وتؤكد ، فإن من الواضح أيضا ً انها ليست مطالبة لغاية التغييب وحسب كسلوك إنتقامي إنفعالى شبه لا واعي ، و إنما إجراء مثالي أخلاقي عالي الوعي و مضبوط الهدف ، الغاية منه خلق توازن في الوجود ، وإعادة ترتيب عالمين ، كما سبق . ذلك أن هذا المطلب لا يمنع من ظهور الذكر لغويا ً إذا ضُمنت كافة الحقوق للآخر - المرأة بالظهور، فيما يشبه التعايش . يتجلى ذلك في ( مرآة )
أنف أشمخ من ذي قبل
ينكسر بين خطي الله وأنت
وشارة سر مذبوح بين الشفتين
وأنا أعلن عن ذي قبل
(مرآة)
فالضميران ( أنا ) و ( أنت ) كما هو ظاهر ، لا يأتيان بهذا التلازم في المجموعة كاملة إلا هنا ، وهما يشكلان إنزياح واسع الطيف بحيث يشذ بنيويا ً وخطابيا ً ليس على مستوى هذه القصيدة فقط ، بل و كامل المجموعة . لاحظ :
- ذِكر الضميرين الظاهرين معا ً فيما لا يزيد عن الثلاثة أسطر
- الواو الذي يسبقهما
- تكرار ( ذي قبل ) مع حرف جر قبلها في كلا الحالتين
- ذِكر ( الله ) مع الانزياح الدلالي المصاحب الناتج عن إضافة ( خطي ّ)
من هذا كله يمكن الجزم بأن هناك توتر لغوي ما ، يشوب العلاقة بين الذكر والأنثى ، هو إنعكاس لآخر غير لغوي . ويمكن الإعلان بثقة عبر هذا الإنزياح فقط من أن محاور هذا التوتر هي أنا ( الأنثى ) أنت ( الذكر )
ومضامينه هي أنف يتطلع للكرامة ويرفض الإنكسار
والأبرز من بين العوامل في هذا التأزم كله هو الموروث (إجتماعي، ثقافي ،إيدلوجي ) المفروض ( من ذي قبل ) والمطلوب تصحيحه ( عن ذي قبل ) .
لاحظ الإنزياح الواسع الطيف الآخر والموازي في الإشارة الدلالية ، المتمترس في قصيدة ( إنتماء ) ، حيث نجد :
- ذِكر الضميرين( أنا + أنت ) صراحة موزعين على طرفي القصيدة ( أولها و آخرها )
- إتـْبْاع الأول بانزياح آخر متمثلا ً في تكرارين مختلفين هما :
• تكرار تركيبي( مضارع فاعله مستتر تقديره هو ومفعوله] ني[)
• تكرار لفضي ( كيف شاء ) × 2
يشكلني كيف شاء
يبدلني كيف شاء
- ثم بالعكس في الضمير الثاني حيث يأتي مسبوقا ً بإنزياح من نفس النوع التكراري اللفظي ( الله ) × 2
-
وفي شرفة الله
ليس لي سوى الله
وأنت
وكأن فلسفة ( الغياب ) النسوية ( الأبلانية ) هذه ، توقــِّـع إنجيلها علنا ً في (قراءة في سفر الغياب) معلنة ً في واحد من أطول سطور المجموعة ...
إنني أشتهي الآن سفرا ً لذيذا ً أقدمه لكائنات جوعي
ورائحة حبر قديم...
أشتهي الغياب العظيم
( غياب عظيم ) إيجابي صحي ، مقابل ( تغييب ) سابق ، جائر و قميء ، عل ّ توازنا ً مفقودا ً من الوجود ، الى الوجود يعود ، يتلخص في الإستطاعة الأنثوية المطلقة للقول ، الكتابة ، القراءة ...الخ.
أقرأ الآن صفحة
ــــــــــــــــ
أقرأ الآن سوسنة
ــــــــــــــــ
أقرأ الآن عاصفة
ـــــــــــــــــــ
أقرأ الآن أغنية مشتهاة
ـــــــــــــــــ
أقرأ الآن جثة
و...
و...
و...
عندها فقط ، وإذا ما ضُمِن لصورة الوجود أن تأخذ كل هذا الكم من التأنيث بمرسوم خطي ، وبــ (سفر غياب ) ، عندها فقط ، يمكن أن
أظهر فيها أنا
* * *
المراجع والهوامش
ENGLISH REFERENCES
1- Mills, S. ( 1995) Feminist Stylistics, Rutledge : New York(Software published in the Taylor & Francis e-Library, 2005).
2- Ibid
3- Barry, P. (2002) stylistics, Beginning Theory, Manchester: Manchester University Press.
4- Hudson, R. A. (1996). Sociolinguistics. 2nd edn. Cambridge: Cambridge University Press.
5- Short, M.(1996) Exploring the Language of Poems , Plays and Prose. London: Longman.
المراجع العربية
1- وجدان الصائغ ، الإسقا ط والترميز في قصص هدى العطاس ، النقاد يصنعون موجة للبحر, إصدارات إتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين ، دار عبادي ، صنعاء ، (2008).
* * *