حديث مع عروس البحر
المكان : شاطئ المنار الكبير ....جيجل
الوقت : إحدى عشر سيجارة ونصف صمتا
أجلس فوق مقعدي في مواجهة الخطوط الأمامية لموج البحر....اتركها عمدا تداعب قدماي...لتخفف من شدة الأفكار الثائرة في راسي.
تقفز الأسماك أمامي فوق سطح الماء فرحانة بنور القمر وخلو المكان من المصطافين وضجيجهم بالنهار.
السكون المخيم والنسمة التي تهب من حين لآخر تدعواني لقول شيء ما...
لكن من أين لي أن ابدأ ..؟
فالمحطات كثيرة...والأحداث خطيرة....وأيام العمر معدودة وقصيرة .
فجأة ينشق البحر أمامي إلى شقين ويخرج من بينهما مخلوق غريب...
نصفه العلوي شكله على شكل امرأة في غاية الجمال...ونصفه السفلي شكله على شكل سمكة.
.
سعدت مساء أيها الشاعر المحزون.....قد تكون سمعت بي أو قرأت عني شيء في كتب الأساطير....ها أندا حقيقة أمامك للعيان.
جلست في مقعدي من جديد بعد أن هممت الهروب براسي سالما...
نعم سمعت وقرأت عنك في كتب الأساطير كما قلت....لكن بالله عليك ...
اخبرني ما الذي حملك على أن تفزعيني وتقطعي علي نوبة صمتي في هذا الوقت المتأخر من الصمت..؟
بل أنت جد محضوض إذ حصل لك في يوم من الأيام شرف معاينة هذا المخلوق العجيب الذي تقرؤون وتسمعون عنه فقط...فنحن بنات عرسان البحر لا نظهر لكل من هب ودب.
وما الذي جعلك تختارين شاعرا محزونا كما سميته يغرق في نوبة صمت قذف به التهميش والإقصاء إلى شاطئ البحر في أقصى البلاد كي تظهرين له للعيان ؟
أضف لذلك كيف عرفتي اسمي ومكان تواجدي الآن ولم يسبق لي أن التقيت بهذا المخلوق العجيب..؟
لم يسبق لك أن ظهرت لك للعيان وتحدث معك نعم...لكن أنا أعرفك جيدا وسمعت منك كلاما كثيرا.
متى كان ذلك وكيف أيتها المخلوقة العجيبة...؟
الست تهوى الصيد في لبحر...وتقضي عطلة نهاية الأسبوع بجنب البحر ليلا ونهارا..؟
هذا صحيح...
لقد كنا مجموعة من الأسماك نتسلل ليلا بين أمواج البحر ونسرق مكانا للسمع يجنبك دون أن تشعر بنا....وننصت لأشعارك التي كنت تلقيها بجوف الليل عن ظهر قلب....لقد سمعنا معظمها قبل أن يسمع
إبها اي انسان ...احفظ الكثير منها ...هل تحب أن أسمعك بعض من أشعارك..؟
لا من فضلك... فانا ما هربت إلا منها في هذا الوقت المتأخر من الصمت.
لكن ألا تعمين أن حقوق السمع محفوظة أيتها المخلوقة العجيبة.
ذلك أمر يعنيكم وحدكم معشر سكان البر...لان عالمكم يعم بالضجيج الصاخب وتحتاجون لقانون ينظم أصواتكم وإسماعكم.
أما نحن فعالمنا في قاع البحار يسمى بالعالم الصامت...والدليل انك تأتي إلينا هاربا كل أسبوع لتغرف من عندنا شحنة صمت.
وهذا صحيح كذلك.....ذعنا من حقوق السمع
كيف عرفت بأنني في شرق البلاد وفي هذا المكان بالضبط..؟
لقد افتقدناك في المكان الذي تعودت المجيء إليه كل أسبوع للصيد فلم نجدك فيه...
فاحترنا لأمرك...وخفنا عليك
اقتربت من أصدقائك الذين تعودت الصيد معهم ..فعرفت من خلال حديثهم انك في هذه البقعة من الارض.
اشتقنا لكلماتك....وأحببنا أن نعرف حديدك في هذه الديار...فاختارتني المجموعة أن أقوم برحلة للبحث عنك وإتيانها بجديد أخبارك ...فانطلقت في رحلتي بأعالي البحار سبحت يومين كاملين لأقطع ما يقارب 900 ميل لأصل إلى أخيرا هنا.
بعدها بدأت ابحث عنك بين بين ملامح كل شخص يجلس بجنب البحر صامتا حتى عثرت عليك كما ترى.
الكل يبلغك التحيات الحارة من هناك وهن في انتظار عودتك بفارغ الصبر.
أحييكم بدوري...واقدر فيكن هذا الدوق الرفيع للفن والأدب الذي يفتقده كثير من بني البشر في هذا الزمن البخيل.
لقد ذكرتني أيتها المخلوقة العجيبة برحلتك هذه وقطعك لمئات الأميال في أعال البحار من ا جل الأدب بالرحالة الكبار من رجال
تاريخنا العريق اللذين انقرضوا وعجزت النساء أن يلدن مثل ابن بطوطة مثلا.
شكرا لك لقد أسعدتني...ولكي أكون اسعد يجب أن تسمعني ما كنت تكتبه في كراسك قبل أن يخيم الظلام كي أعود للمجموعة بجديدك.
هل تحتاج لمصباح كي تقرا لي من كراسك ؟.
اطمئني ...عروسي
فلست وحدك من يحفظ الأشعار عن ظهر قلب
فانا اعي واحفظ جيدا عن ظهر كل أبنائي الشرعيون..لأنهم مني من لحم ودم ..ويحملون كل صفات الوراثة
والكتابة بالنسبة لي هي آخر مراحل المخاض العسير لكل مولود....
حسن....اسمعني إذن ما كنت تكتبه قبل في كراسك.
من الصدفة أن تتزامن زيارتك لي بذكرى مرور ألف سنة من عمر الجرح....وما رأيتني اكتبه في ذلك الكراس البائس ماهر إلا تخليد لهذه الذكرى ببعض الهواجس.
***
واليك ما طلبت يا عروسي.
***
ثورة الزئبق الوردي
***