كيف كان اللقا وكيف السلام
أخبريني وأطنبي ياختام
عودة إلى البيت الأول ، فبعد أن استحسنت هنا توظيف القصر في اللقا ، توقفنا عند كلمة أطنبي ، وهذه الكلمة استُثقلت أيضا من الأخت نادية ، فأقول المجال هنا المدح لأمه ، فالشاعر يتصور حوارية بينه وبين أمه رحمها الله فيريد أن يؤكد لها حبه غير المحدود لها فجاءت كلمة الإطناب لتخدم المعنى الذي يمور في داخله ، وهذه تذكرنا باستعمال الشعراء لهذه المفردة مثل قول الشاعر في مدح خير الورى صلى الله عليه وسلم :
مهما أجاد المادحون وأطنبوا *** فثناك فوق مكانة الإمكان
فأرى أن توظيف هذه الكلمة هنا فيها براعة من الشاعر لوقع الكلمة بين الرثاء والمدح ولو رجعنا لحقيقة الإطناب في المعنى لرأينا أنه يزيد في توضيح صورة الإطناب، تفريق البلاغيين بينه وبين التطويل الذي عدوه زيادة لفظية، من غير فائدة. فقال أبو هلال العسكري (ت 395هـ/ 1004م):
الإطناب بلاغة؛ والتطويل عِيٌّ. لأن التطويل بمنزلة سلوك ما يبعد جهلاً بما يقرب. والإطناب بمنزلة السلوك طريق بعيد نزه يحتوي على زيادة فائدة ..
فالمبالغة واضحة في البيت ولا تحتاج إلى دليل فالمحاورة بين حيّ وميت !
ومن لايحب أن يسمع بإطناب عن ما أعد الله لعباده المتقين ، كما تصور الشاعر أمه في أعلى الجنان ، فالحديث يطول ..
وعن عدم لباقة الشاعر لنداء أمه باسمه ، فعي لعمري عادات لا أستسيغها في الأصل حتى نعدها في الشعر شيئا وأوردنا بعض أقوال وأشعار لمن ذكر اسم زوجه أو بنته ، العبرة لاتقف عند حدود ذكر الأم وحسب ..على أني بينت أن رثاء الأم في الأصل هو قليل وقليل جدا في الشعر العربي في القديم والحديث .