الأستاذ محمد البياسي شكراً لك على الموضوع الرائع وأود هنا أن أشارك في إضافة قصيدة رائعة من روائع أبو فراس الحمداني لموضوعك الشيّق .
أبو فراس الحمداني
هو الحارث بن سعيد بن حمدان، كنيته "أبو فراس". ولد في الموصل واغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.
استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب. درس الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله.
كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره.
وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.
لماذا تأخّر سيف الدولة في تحريره؟
علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر.
ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.
أبو فراس الحمداني بين فكّي التاريخ
سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه.
وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُـكَ الصّبـرُ
أمَا لِلْهَوَى نَهْيٌ عَلَيْـكَ وَلا أمْـرُ
بَلى ، أنَا مُشتَـاقٌ وَعِنْديَ لَوْعَـةٌ
وَلَكِنّ مِثْلـي لا يُـذَاعُ لَـهُ سِـرُّ
إذا اللّيلُ أضْوَاني بَسَطتُ يدَ الـهَوَى
وَأذْلَلْتُ دَمْعـاً من خَلائقـهِ الكِبْـرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّـارُ بيـنَ جَوَانِحِـي
إذا هيَ أذْكَتْـهَا الصّبَابَـةُ والفِكْـرُ
مُعَلّلَتي بالوَصْـلِ ، وَالمَـوْتُ دُونَـهُ
إذا مِتُّ ظَمْآنـاً فَلا نَـزَل القَطْـرُ
حَفِظْـتُ وَضَيَّعْـتِ المَـوَدّةَ بَيْنَنَـا
وأحسنُ ، مِن بَعضِ الوَفاءِ لكِ العُذْرُ
وَمَـا هَـذِهِ الأيّـامُ إلاّ صَحَائِـفٌ
لأَحرُفِها ، مِنْ كَفّ كاتِبها ، بَشْـرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِيـنَ فِي الحَيّ غَـادَةً
هَوَايَ لهَا ذَنْبٌ ، وَبَهْجَتُـها عُـذْرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِيـنَ فِيَّ ، وإنَّ لِـي
لأُذْناً بِهَا ، عَنْ كُلّ وَاشِيَـةٍ ، وَقـرُ
بَدَوْتُ ، وَأهْلي حَاضِرُونَ ، لأنّنـي
أرَى أنّ دَاراً ، لَسْتِ مِنْ أهلِها ، قَفْرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي فِي هَوَاكِ ، وإنّهُـمْ
وَإيّايَ ، لَوْلا حُبّـكِ ، المَاءُ وَالخَمـرُ
فإنْ يَكُ مَا قَالَ الوُشَـاةُ وَلْمُ يَكُـنْ
فقَدْ يَهدِمُ الإيِمَانُ مَا شَيّـدَ الكُفـرُ
وَفَيـتُ ، وفِي بَعضِ الوَفَـاءِ مَذَلّـةٌ
لآنِسَةٍ فِي الحَـيّ شِيمَتُـهَا الغَـدْرُ
وَقُورٌ ، وَرَيْعَـانُ الصِّـبَا يَسْتَفِزّهـا
فَتَأْرَنُ ، أحْيَاناً ، كمَـا أرِنَ المُهْـرُ
تُسَائِلُنـي : مَنْ أنتَ ؟ وَهيَ عَلِيمَـةٌ
وَهَلْ بِفَتىً مِثْلي عَلى حَالِـهِ نُكـرُ ؟
فَقُلتُ كمَا شاءَتْ وَشَاءَ لَهَا الهَـوَى
قَتِيلُكِ ! قالَتْ : أيّهُـمْ ؟ فهُمُ كُثـرُ
فَقُلْتُ لَهَا : لَوْ شِئْـتِ لَمْ تَتَعَنّتـي
وَلَمْ تَسألي عَني وَعِنْـدَكِ بـي خُبـرُ
فَقَالَتْ : لَقد أزْرَى بكَ الدّهرُ بَعدنـا
فَقُلتُ : مَعاذَ الله بَل أنتِ لا الدّهـرُ
وَما كانَ للأحزَانِ ، لَوْلاكِ ، مَسلَكٌ
إلى القَلْبِ ، لكِنّ الهَوَى للبِلى جسـرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَـزْلِ والجِـدّ مُهجَـةٌ
إذا مَا عَداها البَيـنُ عَذّبَهـا الهَجْـرُ
فَأيْقَنْتُ أنْ لا عِـزّ بَعـدي لعاشِـقٍ
وَأنّ يَدِي مِمّا عَلِقْـتُ بِـهِ صِفْـرُ
وَقَلّبْـتُ أمْـرِي لا أرَى لي رَاحَـةً
إذا البَينُ أنْسَانـي ألَحّ بـيَ الهَجْـرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمـانِ وَحكمِهـا
لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى بِـهِ وَليَ العُـذْرُ
كَأنـي أُنَـادي دُونَ مَيْثَـاءَ ظَبْيَـةً
على شَرَفٍ ظَمْيَـاءَ جَلّلَهـا الذّعـرُ
تَجَفّـلُ حِينـاً ، ثُمّ تَرْنُـو كَأنّهـا
تُنادي طَلاً بالوَادِ أعجَـزَهُ الحُضْـرُ
فَلا تُنْكِرِينـي ، يَابْنَةَ العَـمِّ ، إنّـهُ
ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَـدْوُ وَالحَضْـرُ
وَلا تُنْكِرِينـي ، إنّنـي غَيرُ مُنْكَـرٍ
إذا زَلّتِ الأقْدامُ ، وَاستُنـزِلَ النَّصْـرُ
وَإنـي لجَـرّارٌ لِكُـلِّ كَتـيـبَـةٍ
مُعَـوَّدَةٍ أنْ لا يَخِـلَّ بِهَـا النّصـر
وَإنـي لَنَـزّالٌ بِكُـلِّ مَـخُـوفَـةٍ
كَثِيـرٌ إلى نُزّالِهَـا النّظَـرُ الشَّـزْرُ
فَأَظمأُ حتَّى تَرْتَوي البِيـضُ وَالقَنَـا
وَأسْغَبُ حتَّى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنِّسـرُ
وَلا أُصْبِـحُ الحَيَّ الخَلُـوفَ بِغَـارَةٍ
وَلا الجَيشَ مَا لَمْ تأتِه قَبلـيَ النُّـذْرُ
وَيا رُبَّ دَارٍ ، لَمْ تَخَفْنـي ، مَنِيعَـةٍ
طَلَعتُ عَلَيْهَا بالـرّدى ، أنا وَالفَجـرُ
وَحَيٍّ رَدَدْتُ الخَيـلَ حَتَّـى مَلكتُـهُ
هَزِيمـاً وَرَدّتْنـي البَرَاقِـعُ وَالخُمْـرُ
وَسَاحِبَةِ الأذْيالِ نَحـوي ، لَقِيتُهَـا
فَلَمْ يَلقَهـا جَافِي اللّقَـاءِ وَلا وَعْـرُ
وَهَبْتُ لَهَا مَا حَـازَهُ الجَيـشُ كُلَّـهُ
وَرُحْتُ وَلَمْ يُكشَفْ لأبْياتِهـا سِتـرُ
وَلا رَاحَ يُطْغِينـي بأثْوَابِـهِ الغِنـى
وَلا بَاتَ يَثْنينـي عَنِ الكَرَمِ الفَقْـرُ
وَما حَاجَتي بالـمَالِ أبْغـي وُفُـورَهُ
إذا لَمْ أفِرْ عِرْضِـي فَلا وَفَرَ الوَفْـرُ
أُسِرْتُ وَما صَحبي بعُزْلٍ لدى الوَغى
وَلا فَرَسي مُهـرٌ ، وَلا رَبُّـهُ غُمْـرُ
وَلكِنْ إذا حُمّ القَضَاءُ على امـرِىءٍ
فَلَيْـسَ لَهُ بَـرٌّ يَقِيـهِ ، وَلا بَحْـرُ
وَقالَ أُصَيْحَابي : الفِرَارُ أوِ الـرَّدى ؟
فقُلتُ : هُمَا أمرَانِ ، أحلاهُما مُـرّ
وَلَكِنّنـي أمْضِـي لِمَـا لا يَعِيبُنـي
وَحَسبُكَ من أمرَيـنِ خَيرُهما الأسْـرُ
يَقُولونَ ، لي : بِعتَ السّلامَةَ بالرّدى
فَقُلْتُ : أمَا وَالله ، مَا نَالَنـي خُسْـرُ
وَهَلْ يَتَجَافَى عَنـيَ المَـوْتُ سَاعَـةً
إذَا مَا تَجَافَى عَنـيَ الأسْرُ وَالضّـرُّ ؟
هُوَ المَوْتُ ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه
فلَمْ يَمُتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذكـرُ
يَمُنّـونَ أنْ خَلّوا ثِيَابـي ، وَإنّمَـا
عَليّ ثِيَابٌ ، من دِمَائِهِـمُ ، حُمْـرُ
وَقَائِمُ سَيْـفٍ فيهِمُ انْـدَقّ نَصْلُـهُ
وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّـمَ الصّـدرُ
سَيَذْكُرُنـي قَوْمي إذا جَدّ جدّهُـمْ
وفِي اللَّيْلَةِ الظَلْمَـاءِ يُفْتَقَـدُ البَـدْرُ
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْـنُ الذي يَعْرِفُونَـه
وَتِلْكَ القَنَا والبِيضُ والضُّمّرُ الشُّقـرُ
وَإنْ مِتّ فالإنْسَـانُ لا بُـدّ مَيّـتٌ
وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ ، وَانْفَسَحَ العمـرُ
وَلَوْ سَدّ غَيرِي ما سددتُ اكتفَوْا بـهِ
وَما كانَ يَغلو التّبـرُ لَوْ نَفَقَ الصُّفْـرُ
وَنَحْنُ أُنَـاسٌ ، لا تَوَسُّـطَ عِنْدَنَـا
لَنَا الصّدرُ ، دُونَ العالَمينَ ، أو القَبرُ
تَهُـونُ عَلَيْنَا فِي المَعَالـي نُفُوسُنَـا
وَمَنْ يخَطَب الحَسناءَ لَمْ يُغلِهِ المَهـرُ
أعَزُّ بَني الدّنْيَا وَأعْلَـى ذَوِي العُـلا
وَأكرَمُ مَن فَوقَ التـرَابِ وَلا فَخـْرُ
الأستاذ البياسي الموقر
عندي استفسار بسيط هل الصحيح يُغْلهِ أم يُغلِهَا جاءت بالمصدر ( يغلها )وقمت بتعديلها ما هي الكلمة الصحيحة ؟
منقول .