الرمل في خيال الطفل عالم لا يندرج تحت بنود المستحيل ولا يخضع للقوانين المسننة التي وُضعت قبل أن تخرج أقدامه من بوتقة البدء .
بل هي حبات يملأ منها جيوبه , صكوك يصرفها للريح دون أن تختمر في البنوك , كميات عصية على العد , فيلجأ الطفل إلى رسم وتخطيط المدن في ذهنه , تلك المشروطة عبر مفهومه بطاقمها القضائي والإقصائي ..
يضع مفاتيحها بيد الريح , ويسمح لها أن تصفعها , فرؤيته لانهيار قصور الرمال متعة خاصة والهدف الغالب على المتعة هو اختبار قدرته على إعادة البنيان وللإعادة لذة أخرى تصقل الوعي باجتياز حرائق ما للوصول إلى نتيجة ما ,, ففي كل مرة يدرب يديه على الهدم لينجح في فنون رأب الصدع وإعادة الوضع ..
وفي النهار يراها كيانات تعانق شعاع الشمس المنسوجة في عشوائية تراكمية غير مرئية على البساط المستقر المرئي ..وهي ثمة كيان يندرج تحت مسمى السراب المحسوس , وفي براءة الرياح يُعَدٌ الرمل وسط مادي ناقل لكل ما هو نابض حي و المترجم لطلاسم الكون الملموس , والعالم يغمض عينيه على صرصر جلبة وصول الأقدام المحملة بأثقال أضغاث سكان مدن القرميد .
قبل أن يفشل نسيم البحر في استقطاب روائحهم المثقلة بأجراس الترهيب التي تتخذ لمسارها أجساد الشواطئ الفيروزية , لكن أوراق الانتظار لم تكف عن السؤال حتى جاءت ملامح غياب الحدس لمواهب الترغيب في صورة الحضور .
الرمال تشهر سيف الاستفزاز في وجه الغازي خوفا من اكتمال قرص الغسق الذي يغرق في خط الأفق في منتهى مد البصر لنهايات البحر وكأنها قنينة حبر علق بها القمر .
الرمل مبتغى القادمين , ومشتكى القاطنين , تلتقي فيها نظرات الراحلين والعائدين ..
للرمل ذائقة شم تعجز أمامه الأنوف , تعلمك مهنة الصعود , لأنها على يقين بأنك عائد إليها لا محالة .
حبات الرمل ترتدي في كرنفال السواحل قلنسوة برونزية .
يلتقي فيها الترح بالفرح ليشكلا حزمة يربطها وحدة الأمل ..
وللرمل علاقة وطيدة بالبحور , تلك الجسور المائية المطلية بالأزرق , تطرز سواحل آسيا بشواطئ أفريقيا وبينهما سفر الذاكرة الممتد لا يحتاج إلى شحن بطاقته من بحور أخرى ..
و قباب الموج المتتالي لؤلؤ يخبئ ريبته باليقين لأن اليقين هنا صورة معكوسة تلمع من بعيد في انطفاء , فوق غمامات يتصاعد إليها بوح البحر الهائج في يوم الصحو , حين تعبث به شكوى الطقس من مخافة المناخ ..
و يلاطف برودة الحلم الطفيف فيعود وابلا كريستاليا يزهو بالهطول , وحبات المطر المتراقصة على يديه تؤكد بأن مراسم الرمل في حالة ازدهار دائم , وكل ما نملكه وتعتمد عليه خرائطنا هو تقوس السواحل وتعرجات الشواطئ , لأن الرمل يظل هناك مصيدة التوهان لـ أقدام الغرباء .
والقراصنة المحتلة لن تأخذ الرمل في جيوبها المثقوبة ولا تجدي في ثبات الرمل تلك الخرائط المقلوبة , ولن يفقد الرمل لمعانه مهما حدث أكان احتراقا لغابة ما أو تصاعد أدخنة الأساطيل القادمة بتقادمها ..
الشمس لن تلاعبك يوما على منوال الفناء لأن الفناء يُفنى عندما يصل إليك لذا.. أيها "الرمل "الطيف حزامك /والثقة وسامك/ أما ثقتنا بك وضعناها في مزهريات الصحراء أمامك قبل أن يحترف الظن تأثيث سكنا له في سراديب الريبة وإن كنا جميعا في أوطاننا سياحا ذلك محض قهر للفروسية