|
وقفتُ في الدارِ لكنْ لم أجدْ فيها |
من كان بالفكرِ والأمجادِ يبنيها |
ولا دواةً تحوكُ الحُسْنَ ريشتُها |
ولا روائعَ تسبينا معانيها |
مضيتُ أسألُ كلَّ العابرينَ بها |
عنهُ وكلَّ جدارٍ في نواحيها |
فثارَ صوتُ حنينٍ وسْطَ باحتها |
كأنما رجّعتْ أصواتَ أهليها |
مشيتُ في الدارِ أقفو للأبيِّ خُطاً |
راح التقادمُ عن عيني يُواريها |
وأرفع السترَ عن وجه الزمانِ بها |
فيرجعُ الدهرُ للأنظارِ يُبديها |
كأنما صوتُهُ قد رنَّ في أُذُني |
ونبَّهَ القلبَ قبلَ السمعِ تنبيها |
سرتْ إلى مسمعي أصداءُ قافيةٍ |
راحت تردّدُها الأزمانُ في فيها |
جاء البيانُ بها يزهو بتوريةٍ |
وراقني بخيالٍ ضمَّ تشبيها |
فكم لهُ حكمة أعيتْ مقلّدَها |
مثل الربيع قِفارَ الروحِ تُحْييها |
وكمْ شمائلَ أرساها بمنطقِهِ |
تبيتُ ألسنةُ الأزمانِ ترويها |
يا باحةَ الدارِ روحي فيكِ قبَّرةٌ |
تظلُّ تهتفُ والتذكارُ يُشجيها |
تُسائلُ النجمَ عنهُ فوق منزلِهِ |
والشمس غائبة والبدرُ يبكيها |
سبحانَ من علّمَ الإنسانَ فانبعثتْ |
منهُ قرائحُ في الميدان يُجريها |
تبيتُ تنسجُ أبراداً مذهّبَةً |
من البيانِ موشّاةً حواشيها |
إنّ البيانَ لسحرٌ قَلَّ مدركُهُ |
وحكمةُ القولِ ما شيءٌ يُضاهيها |
الشعرُ ديوانُنا المعروفُ من قِدَمٍ |
وكم وقائعَ أبداها لقاريها |
فلا تلُمْني إذا ما زرتُ دارَ (أبي |
مُحَسّدٍ ) أتغنّى في نواحيها (1) |
كم عُجْتُ فيها وأشواقي تُناديها |
والروحُ صارتْ فراشاتٍ تناغيها |
أحجارُ جدرانها كالسِفْر أقرؤُهُ |
حتّى يعودَ من الأيّام خاليها |
ظلّتْ على دورة الأيام واجمةً |
إذْ ماتَ مُنشِئُها قِدْما وبانيها |
فإنْ أردتَ وجوها منهمُ غربتْ |
رأيتَ في وجهِها أشخاصَ أهليها |
مشيتُ في ( حَلبَ ) الشهباءَ أسألُها |
عمّنْ شخوصهُمُ ضمّتْ روابيها |
كأنّ قلعَتَها في الأفقِ باخرةٌ |
في البحر والريحُ همسَ الحُبِّ تُهديها |
أو أنّها في رياضِ الحُسْن غانيةٌ |
والطيرُ من حولِها صُبحاً تناجيها |
فإن سجا الليلُ لاحت كالعروس وقد |
تخفى ولكنْ عقودُ الماسِ تُبديها |
يا أرضَ قومي لقد أطربتِنا زمناً |
برائعاتِ الليالي أو شواديها |
يا واحةً بهُدى الإيمان عامرةً |
الخُلْدُ أعطتْكِ شيئاً من معانيها |