تمر لحظات ...
أنسى فيها أوراقا رحبت بي حين نسيني الجميع
و واستني .. حين غاصت كل الخناجر في القلب الراعف
و كلما ظننت أني قد شفيت ..
أجدني أعود إليها ..
أحمل الجرح .. و بعض الضياء الماضي
حتام تظل تستقبلني و ترحب ؟
لست أدري .. حقا لست أدري !
×××
(2)
رفعت معطفها المبلل عن كتفيها لتلقيه بجوار المدفئة الكهربائية ..
تذكرت مدفئة أمها القديمة .. شعرت أنها تحبها .. لأول مرة ..
كانت تكره الرماد المتطاير .. و السواد يعانق الجدران القديمة المطلية بالطين ..
لكنها غدت تفتقد العفوية التي ينبعث بها الدفء من الحطب
الألفة التي تلف البيت .. المحبة التي تجمع الأجساد المتلاصقة حول المدفئة العجوز ..
انتبهت على صوت الأوراق في يده و هو يحاول رفع الكتب و الملفات عن أحد مقعدي صالته الصغيرة
صالة شرقي أعزب كما يبدو .. فوضى تبدو بين ثناياها الألفة ..
و صخب صامت .. كما ليالي الشرق الصافية .. و دهشة .. فما أبعد ما كانت تتوقع !
أشار يدعوها للجلوس و هو يعدل وضع نظارته بهدوء :
لم أتوقع ضيوفا .. لذا ..
و بعثر نظراته على الأوراق المنثورة في أنحاء الصالة ..
لم تستطع أن تجامل بابتسامة و هي تهز رأسها بطريقة مبهمة ..
تأملت المقعد الرمادي لحظات :
تفضلي ..
اتجهت نحوه و جلست .. شيء ما في لهجة مضيفها يعود بها إلى أمسيات الصيف ..
و سهر ستائر نافذتها معها ..
مع أحاديث رجال العائلة على المصطبة و كتاب تقلب صفحاته بين يديها
مالت عيناها إلى الأرض .. و شرد فكرها بعيدا ..
بينما وقف إلى جوار مدفأته يتأمل ثنايا معطفها المرمي بإهمال :
احم .. ربما الوقت متأخر قليلا .. آسفة إذ جئت دون موعد .. إنما .. أين العائلة ؟
رفع عينيه ببطء .. و تأملها بدهشة أخافتها تحولت عيناه لدوامتين داكنتين :
أ .. أعطاني السيد فاضل العنوان .. أستاذ الدوائر الكهربائية بالجامعة و ..
و قال أنها شقة عائلة أخيه .. المهندس علي .. هل أخطأتُ العنوان ؟
اكتست ملامحه المروية بالشمس بغتة بالفهم و ابتسم ..
وصلت و الماء يغطيها و الليل نال من ملامحها .. فلم يسألها .. و لم تتكلم :
السيد علي ... العفو آنستي لكنني اشتريت منه المنزل منذ شهرين
اتسعت عيناها بذعر .. اشترى المنزل ؟؟ للحظة لم تعد تراه
انتصبت أمام عينيها بقسوة كل السنابل التي رحلت عنها
كل تلك السماء المروية ببحر حان
كل ذرات التراب التي ظلت حتى يوم رحيلها تعانقها بكفيها و تذرها في الهواء
فتمتلئ رئتاها برائحتها .... رائحة الأرض
أعادها وهج المدفئة الكهربائية و بريق المصابيح الحديثة إلى حيث هي
إليه .... و إلى عنوان بلا عنوان ..
و اتسعت دوامة الغربة .. اتسعت ..
حتى ابتلعتها ، و ابتلعت نظارته الفضية ، و تجاعيد المعطف ، و ...
و بدا لها أن الضياع لن ينتظر طويلا .. قبل .. أن يطمس حياتها ..
دون نهاية !
×××
.
.
.