بين الحُطيئة والزّبرقان بنِ بدر
التقى الْحُطيئةُ ((جَرْوَلُ بنُ أوس)) في سَنة مُجدبة صعبة بالزِّبرقان بنِ بدر السّعدي التّميمي في الطّريق ، فقال له الزِّبرِقَانُ : اذهب الى منازلنا وهناك سوف تشبع من اللّبن والتّمر، وسوف تكونُ في أحسنِ جوار وأكرمه ، فذهبَ الْحُطيئةُ إلى مضارب بني سعد فأكرمته أمُّ الزِّبرقان .
وكان الزِّبرقان يتنازعُ السّيادةَ مع رجل من بني عمّه ، من بني أنف النّاقة بن قريع بن عوف ، إسمه بغيض بن عامر ، فانتهز بغيضٌ غيابَ الزِّبرقان ، وأغرى الحطيئةَ بتغيير جِواره ، ولكنّه أبى ، وبعد إلحاحٍ شديدٍ ، انتقلَ الحطيئةُ الى جوارهم ، فقاموا بإكرامه غايةَ الإكرام ، ومدحهم قائلا :
قومٌ همُ الأنف والأَذنابُ غيرُهم ... ومن يساوي بأنف النّاقة الذّنبا
ثم أخذُوا يُحَرِّضُونه على هجاء الزِّبرقان ولكنّه مَدحَهُم ولم يهجِه ، ولما طلب الزِّبرقانُ من أحد الشّعراء ، من بني النّمر بنِ قاسط أن يهجوَ بغيضَ بنَ عامر، فهجاه، قام الحطيئةُ بالرّد مُدافعًا عن بغيض، وهجا الزِّبرقان بقصيدته التي قال فيها :
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغيَتها ... واقعدْ فَإنّك أنتَ الطّاعم الكاسِي
فجاء الزِّبرقانُ يشكُو الحطيئةَ إلى عمرَ بنَ الخطّاب ((رضي اللهُ عنه )) ويتّهمه بأنه هجاه ، فقال عمرُ : إنني لا أرى ما رأيتَ ؛ فإن الرجل يمدَحُك .
فقال الزِّبرقانُ بل هو الهِجاءُ بعينه ، وأصرّ الزِّبرقانُ على دعواه .
فقال عمر عليّ بحسّان بنِ ثابت .
فعرض عمر شعره على حسان بن ثابت وسأله رأيَه فيه
: ولكنه سَلَحَ عليه . لم يهجه ، فقال حسّان بنُ ثابت ((رضي اللهُ عنه ))
فحبسه عمرُ فاستعطفه الحطيئة بأبيات قال فيها
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مـرخٍ ... زغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
ألقيت كاسبَهم في قعر مُظلمـة ... فاغفر عليك سلامُ الله يا عمـرُ
أنت الإمامُ الذي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليدَ النُّهـى البشـرُ
لم يؤثروك بها إذ قدّمـوك لهـا ... لكن لأنفسهم كانت بـك الأثـرُ
فامنُن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم ... بين الأباطح يغشاهم بهـا القـدرُ
نفسي فداؤك كم بينـي وبينَهُـمُ ... من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ
فَرَقّ لهُ عمرُ وأطلقه ، ونهاه عن هجاء الناس .
فقال: إذن يموت عيالي جوعًا .
فاشترى منه الخليفةُ أعراضَ النّاس بثلاثة آلاف درهم .
فكفّ عن الهجاء في عهد عمرَ ((رضي اللهُ عنه ))
من كتابي (( لطائف الأجوبة ص 26 )) يسّر الله طبعه ونشره