كم مؤسف أن أقفل ملف الغربة للأبد , ومجموعتي التي كتبتها على رصيف الغربة برثاء لأبي , أعود الى وطني سريعاً كم يعود عصفور لعشه, واضعاً عسف نخيل على قبر أبي
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
عسفُ نخيلٍ على قبر أبي
***********************
أرثيك.. أرثيك بدمعي
يا أغلى الأحباب.
أرثيك.. أرثيك
الى أهلى والأصحاب.
أرثيك.. ولا أصدق سمعي
كيف هذا الغياب؟
كيف يجف دمعي؟
كيف يرحل العذاب؟
أرثيك يا عصراً ذهبياً
كان في بيتنا.
يا أجمل صفحات حياتنا
يا أجمل فصلٍ في الكتاب.
ماذا أكتب في رحيلك يا أبي؟
ماذا أكتب عن مغيب الشمس ؟
عن ضوء القمر؟
ماذا أكتب عن علو السحاب ؟
يا أخوتي..يا أحبتي..
يا رفاقي.. يا كل الأصحاب.
من يكذبني هذا الخبر؟
من يخفف عني هذا الجلل؟
من يهون عليا هذا المصاب؟
أأنا في حلمٌ ؟ أم عقلي في غيبوبة؟
أم يدي وجسدي في ضباب؟
أبي قد أعد حقائب السفر
دون وداعي لسفرٍ ليس له إياب!
تباً لغربتي.. قابعٌ هنا أنا
غائبٌ بجسدي عن أبي
لا يد لي تحمل في نعشه
لا يد لي تحملني لعشه
لا أنعم حتى بقبلة أخيرة على يده
ولا أسمع آخر دعاءٍ صالحٍ من فمه
لا يد لي تكيل على هذا الجسد
الطاهر المسجى ولو حبة تراب؟
يمضي مسافراً سريعاً كشهاب
بالأمس القريب كنت قربه أقبل يده
وأسمع النصائح الحلوة من فمه
أكيل عليه المدح والثنايا
بالأمس القريب كنت أصحو
على النور من وجهه
أعد له فطور الصباح
أشتري له الجريدة
ألقي عليه السلام والتحايا
للأمس القريب صوته ما زال
يتردد في البيت
بين الجدران والزوايا
هذه سماعة الهاتف التي
ما زالت دافئةً بصوته
هذه الأشياء التي
ما زلت تشهد عن لا موته
كيف سأعود للبيت مرةً أخرى وأراها
كيف سأدخل البيت دونه؟
كيف سأطرق لغرفته الباب؟
وانا الذي كنت أشتري رضاه
وأصنع له القهوة , وأقول له ..
صباح الخير آيها الأب
الحاني كالأم الرؤوم
كيف لي أن لا أقدم له شاي المساء
وأقول له ..مساء الخير
يا نبع الصفاء والطيبة
يا دفقات الخير للعمر تدوم وتدوم.
*******************************
أيها الغالي يا من في الدنيا كنت تحن علينا
نبكي عليك فمن بعدك سيبكي علينا
يا من كنت ساعدي وظهري ورفيقي
يا من كنت أغلى ما لدينا
صعبة الحياة بعدك فأرحم أبي
صغيرك الذي يكتب لك
ارحم الحزن المرسوم على صغارك
اشتقنا لك أبي, اشتقنا أن
نرمي أنفسنا في أحضانك
***************************
كل ردهةٍ في البيت تبكي في وداع أبي
كل الأشياء .. تفتقده
سجادة صلاته, مسبحته,قداحته, سجائره
التي إحترقت مع همومه وأحزانه
سيارته القابعة في المرأب
التي كان يقودها دوماً سعياً في الخير
كيف لكل هذه الجموع الحزينة الباكية لا تخرج
تودع ُ رجلٌ مثل أبي يحملُ بين جنحاته
قلب عصفورٍ نقيٌ , قلب طير.
يموت أبي كما تموت الأشجار واقفةً
في هذا الوطن المجروح المعذب.
***********
أأرثي أبي؟ أم أرثي نفسي؟
أم أرثي هذا الفلسطيني
المنتشر في كل مكان كالهواء.
ذلك المشرد واللاجيء والأسير
والجريح والقابع خلف الأسر
والمثخن الجراح والمفترش العراء.
ذلك المطارد القابض على بندقيته
ذلك الذي يعاني من هويته
ذلك الذي لا يجد كسرة خبزة ولا شربة ماء.
أأرثى أبي أم أرثي نفسي؟
أم أرثي هذه الأم التي؟
تتنظر ولدها الذي لن يعود وقت المساء
تلك المودعة المفجوعة بالعويل والبكاء
أأرثي كل بيتٍ وكل بيتٍ في أرضنا
منذ مائة عامٍ مفتوحٌ فيه بيت عزاء
أأرثي هؤلاء المشردون
للمهدمين البيوت
للمفترشين سقف العراء.
أأرثي هذا الشعب المرابط
الذي يدفع ضريبة العيش بالدماء؟
كيف لموتنا لا يكون شهادة؟
إن متنا هنا أو هناك كيف
لا يكون هذا الموت شهادة ؟
كيف لهؤلاء القابضين على الجمر
إن أقاموا في بلدهم
لا تكون إقامتهم عبادة ؟
ضيقةٌ مساحة المعاني
إن كتبنا او بكينا على من ودعنا
او كتبنا كيف نعاني
أنا أخجل يا أبي إن وقفت على قبرك
أو وضعت عسف نخيل
وبكيت و كتبت لك فأنا لن اوفيك قدرك
فكل تاريخنا أيام عزاءٍ وحداد.
كل أيام حياتنا كانت وما زالت تتشح بالسواد .
************
أنا لا أرثيك
ولكن أسلو نفسي بالصلاة
والصبر والإيمان الجميل.
أنا أعلم ان الألم جليلٌ جليل
أنا أعلم أننا سنلتقي فجنان الخلد
قريبة بعد هذا الرحيل
وأن اللقاء ليس طويل .
أنا سأدعو لك دوماً بالرحمة
أيها الفارس الأصيل
سأدعو لك وقت الفجر
وقت غروب الشمس عند الأصيل
أيها الأب الطاهر العزيز الطيب
يا من وضعت بيدي قلبك الطيب
آيها الكريم الشهم النبيل
أرقد بسلام واسترح
من هذا العناء الطويل
من زمننا العليل العليل .
سلامٌ على هذا القبر
الذي يضم أبي كضمة
الأم الرؤوم
سلامٌ على أبي يوم ولد
ويوم عاش ويوم مات
سلامٌ الى يوم البعث والخلد.
**********************
الثلاثاء 29-4-2003
أشعار على رصيف الغربة