الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله الذي أرسله الله عز وجل بين يدي الساعة بشيرا و نذيرا نادى بالحق وكان سمته الصدق و دعوته كلها رفق ,
الإخوة والأخوات في هذا الموضوع
متابعون لكم في كل كلمة
فلله دركم
وإني مرتاح لما تقولون
إن الزيتون إذا ضغطت عليه أخرج أرقى الزيوت
و الفواكه كذلك إذا ضغطت عليها أخرجت أحلى العصائر
فإذا أحسست أنك متعب وأنت تعمل لله
فاعلم أن الله يريد أن يخرج منك أحلى ما في قلبك
هذا و قد سن الله عز وجل سنة كونية بين خلقه تعرف في ألوانهم و لغاتهم باختلاف ألسنتهم قال الله تعالى : ( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم/22] فذكر أن هذه آية و كم للناس من آية جعلها الله بين خلقه لتكون لهم عبرة و دلالة على عظيم صنعه , فالاختلاف سنة كونية قُيد في شريعة الإسلام بأخلاق سامية و آداب عظيمة ليحيى من حي عن بينه و يهلك من هلك عن بينه
إن الاختلاف لا يدل على القطيعة بل قد يدل على بداية الحوار فإن ابن مسعود اختلف مع أمير المؤمنين عثمان في مسألة إتمام الصلاة في سفر الحج ولكنه لم يخالف بل أتم معه وقال : الخلاف شر.
قد يدل الخلاف على القطيعة.
و إذا أتتك مقالة قد خالفت *** نص الكتاب أو الحديث المسند
فاقف الكتاب و لا تمل عنه, وقف *** متأدبا مع كل حبر أوحد
فلحوم أهل العلم سم للجناة***عليهم فاحفظ لسانك و أبعدِ
الاختلاف ظاهرة لا يمكن تحاشيها باعتبارها مظهراً من مظاهر الإرادة التي ركبت في الإنسان إذ الإرادة بالضرورة
تؤدي إلى وقوع الاختلاف والتفاوت في الرأي.
وقد انتبه لذلك العلامة ابن القيم عندما يقول : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بغضهم على بغض وعدوانه" ( إعلام الموقعين)
فإن الشقاق يمكن تفاديه بالحوار الذي من شأنه أن يقدم البدائل العديدة لتجنب مأزق الاصطدام في زاوية الشقاق
قال الله تعالى : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا [الإسراء/36]
و قال سبحانه : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد/19]
و بوب الإمام البخاري في صحيحه لهذه الآية فقال :
بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ
و الظاهر من هذه الأيات أن من أدب الخلاف عدم الكلام بغير علم
وقد جمع الله عز وجل بين النهي عن القول عليه بغير علم و بين الشرك , فلقد قال سبحانه :
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33]
فعلم بذلك خطورة هذا القول الذي بُني على غير علم
إننا نحاول البحث عن كيفية تعقيل أو عقلنة جدلنا وتنظيم اختلافاتنا وترتيب درجات سلم أولوياتنا وتحسين نياتنا وإرادتنا على ضوء ما يستخلص من نصوص شرعية حاكمة وآثار عن السلف شارحة وممارسات رشيدة هادية. إذ من شأن ذلك أن يقلل من الخلاف أو ينزع فتيل ناره لتصبح بردًا وسلاماً.
يقول العلامة ابن القيم : " فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى الإلتباس وكل المختلفين قصدهم طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية لأنه إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة والطريقة المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف وإن وقع كان اختلافًا لا يضر كما اختلف الصحابة ) (الصواعق المرسلة ج 2 ص 519 )
كيف نجعل اختلافنا من هذا النوع الذي أشار إليه ابن القيم
هذا مثال في حسن الظن عظيم حينما اختلفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع ابن عمر رضي الله عنهما
قَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنْ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ
لا ينبغي مهما كان المخالف على الباطل و أنت على الحق أن تتهمه في نيته ,
فلم نؤمر بشق الصدور و هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لأسامة بن زيد بعد قتله للرجل الذي نطق بكلمة التوحيد :
أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ
و الحديث أخرجه الإمام مسلم
فلنا الظاهر و الله يتولى السرائر