قصّةُ " أيضاً ". .
قال لي أحد الإخوة: حاولت أن أخدم الإسلام فلم أقدر.
قلت: كيف؟.
قال: إن حفظي وفهمي يتنافسان في الرداءة، فلم أقدر على حفظ المتون، ولا على طلب العلم.
قلت: وهل خدمة الإسلام مقصورة على هذا؟.
قال: ماذا أصنع؟.
قلت: الحمد لله، الباب واسع، فهناك طلب العلم، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة، والخطابة، وغيرها، فمن لم يقدر على أمر قدر على الآخر، فربما يقدر العامي في الجهاد على ما لا يقدر عليه العالم، وربما يزيل المحتسب من المنكرات ما لا تزيله مؤلفات طالب العلم، وكل واحد منهم يكمل الثاني.
قال: فأنا لا أقدر على شيء من هذا كله!.
قلت: كلامك هذا يذكرني بقصة ر...
قال: وما هي؟.
قلت: يقال – والعهدة على الرواة –: إن " أيضاً " كانت مضطهدة من قبل الأدباء والشعراء، فلا يذكرونها في الشعر ولا النثر، ويقولون: إنها كلمة تستخدم في كلام العلماء وأصحاب الشروح والحواشي، وليست لها قيمة جمالية، بل قد تسقط أي مقطوعة أدبية إذا وجدت فيها، فصارت " أيضاً " مدفوعة بالأبواب...
حتى قال أحد الشعراء:
رب ورقاء هتوفٍ في الضحى ...ذات شجوٍ صدحت في فنـَنِ
ذكرت إلفاً و عهداً سالـفـاً ...فبكت حزناً فـهاجت حَزَني
فبكائي ربّمــــــــــا أرّقها ... وبكاها ربّما أرّقَني
و لـقـد تشكو فما أفهمها ...و لـقـد أشكو فما تفهمني
غيـر أني بالجوى أعـرفهـا ...وهي " أيضاً " بـالجوى تعرفني
فقال الأدباء: وضع " أيضاً " هنا في موضع لا يتطلب سواها، وكان لها من العذوبة والرقة و الروعة ما يعجز عن وصفه البيان!.
وأنت كما ترى " أيضاً " هنا، هي " أيضاً " المضطهدة نفسها، بحروفها، ووزنها، لم يتغير منها شيء، ولكنها لما وضعت في مكان مناسب كان لها من الروعة ما جعلها تفوق غيرها، فالمشكلة ليست في " أيضاً "، بل في مكانها!.
وإذا صدق المسلم في عمله يسره الله له، ومن أراد أن يخدم الإسلام بصدق عرف كيف يخدمه.
وقد أراد بعض الإخوة الجهاد في سبيل الله، فأكثر المخذلون من عذله، فقال بعضهم: لست طالب علم فتنفعهم، وقال آخرون: لست زعيماً فتقودهم، وقال بعضهم: لم تتدرب فستكون عالة عليهم، وقالوا كثيراً من هذا الجنس، وأخونا يستمع...
فلما انتهوا، فكر قليلاً، ثم قال لهم:
أليس المجاهدون يعانون من حقول الألغام؟.
قالوا: بلى!.
قال: فإذا لم أنفعهم بشيء، فليجعلوني كاسحة ألغام!.
بقلم الشّيخ ناصر بن حمد الفهد ( فكّ الله أسرَهُ ) ...