عندما اندلعت حرب اغتصاب و احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية بمساعدة الانتداب البريطاني وبتواطؤ عالمي مكشوف وغير معذور, قامت الأمم المتحدة بمحاولة فرض سياسة الأمر الواقع من خلال تقسيمها بلادنا فلسطين و إعلان قيام دولتين على أرض فلسطين العربية, الأولى دولة عربية والثانية دولة يهودية, تكون الوطن المنتظر والموعود لكافة اليهود الراغبين بالهجرة من بلدانهم الأصلية إلى أرض اللبن والعسل التي أرادوها باسم إسرائيل. ثم اتخذت الأمم المتحدة قرارها الشهير الرقم 194 الصادر يوم 11 كانون الأول سنة 1948 والذي ينص على حق العودة لكافة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وديارهم التي هجروا منها بالقوة. وجاء في الفقرة 11 من القرار ما يلي :
" تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة الملائمة في منظمة الأمم المتحدة."
هذا القرار الدولي الذي لا يستطيع كائن كان تغييره أو تبديله لمصلحة إسقاطه عن اللاجئين الفلسطينيين, كما أنه لا يحق لأحد التخلي عن هذا الحق مهما كانت الدوافع والأسباب, لأنه حق مقدس وشرعي وغير قابل للتنازل والتقادم,وهذا الحق مضمون ومكفول لكل اللاجئين مع ذرياتهم وأحفادهم. وشعبنا الفلسطيني المشرد في الداخل والخارج لن يقبل بأقل من حقه في العودة إلى دياره وأرضه وبيوته وزرعه. أما الذين أعلنوا استعدادهم للتخلي عن ذاك الحق المقدس من أمثال السادة ياسر عبد ربه وسري نسيبة وخالد سلام وبعض المنتفعين من سلام الشجعان, هؤلاء لا يحق لهم تعميم تصوراتهم المعيبة والتنازلية وجعلها مثلا للآخرين, فهذا التنازل يعبر عن ضيق صدر هؤلاء وعن تراجعهم وتنازلهم عن اقدس المقدسات, مع أن اللاجئ الوحيد من بينهم هو السيد وزير الثقافة والأعلام في سلطة أوسلو, رفيق يوسي بيلين وصديق شمعون بيريس, هذا الوزير الذي شبع وأكتفى من منافع سلام الشجعان بحيث أخذ ما أخذ ولم يعط بالمقابل سوى ما سمعناه منه عن استعداده العلني للتنازل عن حق العودة. إذا كان السيد عبد ربه لا يريد أن يعود إلى بيت والديه وأجداده ويعتبر نفسه حقق إنجازا كبيرا بما نتج عن اتفاقيات أوسلو من عودة مشروطة ومرهونة بعسكر الاحتلال ورحمة حرابهم وبنادقهم وعن حرية حركة مرهونة ببطاقة مرور يمنحها سلام أوسلو العتيد لعدد من الشخصيات التي يطالب بعضها الآن شعبنا الفلسطيني بالتخلي عن حق العودة, وهذه البطاقة تسمح له بالسفر والتحرك بينما باقي أبناء الشعب الفلسطيني يعيشون مثل الدجاج في أقفاص تسمى مدنا وقرى ومخيمات. وهذه الأقفاص جاء بها سلام الشجعان الذي يعتبر السيد وزير الأعلام والثقافة من حماماته الأكثر بياضا. يحق للوزير المذكور وغيره ممن يريدون التخلي عن حق العودة أن يفعلوا ما يريدوا فهذا شأنهم لكن لا يحق لهم ولا لغيرهم التخلي عن حق شعبنا بالعودة, ويجب أن تحاسب كل شخصية فلسطينية تطالب بالتخلي عن هذا الحق لمصلحة سلام الشجعان الذي دمر القضية وخرب الوطن وجعل العبيد أسيادا والأسياد عبيدا, كما يجب تشكيل لجان شعبية فلسطينية يكون لها الحق في محاسبة كل مسؤول فلسطيني يحاول تعميم التنازل عن حق العودة واللعب بهذا الحق المقدس لحساباته الفئوية أو الشخصية أو الحزبية. كما أن تصريحات السيد عبد ربه حول التخلي عن حق العودة تتلاقى مع تصريحات أبو مازن الداعية لوقف الانتفاضة بعدما اعتبرها مهندس أوسلو من الجانب الفلسطيني قد دمرت كافة إنجازات سلام الشجعان وجعلت الفلسطينيين تحت خط الفقر. بصراحة هؤلاء الناس هم الذين قضوا على القضية الوطنية الفلسطينية وقزموها وجعلوها لعبة بيد الأعداء من الصهاينة بيسارهم ويمينهم, و من المتصهينين في بيت أمريكا الأبيض الأكثر سوادا من هذا الكلام وتلك التصريحات التي يطلقها هؤلاء الفرسان الشجعان من عتاريس السلام العتيد, سلام الذين أصبحوا أكثر ثراء وغناء بعدما استباحوا أموال الشعب والقضية باسم وزاراتهم ومؤسساتهم ووظائفهم, سلام ال400 مليون دولار التي ذهبت مع الريح وخرجت من خزائن السلطة إلى جيوب الوزراء الذين استباحوها وشفطوها, وبالرغم من قرارات لجان التحقيق في الفساد ومقررات المجلس التشريعي الفلسطيني حول الموضوع ألا أن شيئا لم يتغير ولأم يحاسب الفاسدين ولم يتابع الملف المذكور. أليس هؤلاء الناس جزء من المصائب التي وقعت على شعبنا الفلسطيني بفعل عقليتهم السلطوية التي مارست إلغاء الآخر واعتقال كل من يخالفها الرأي وأساليب العمل ضد الاحتلال, أليسوا هم من أسس أجهزة المخابرات والأمن والاستخبارات لقمع المعارضين واعتقال المقاومين وتسليم أو تصفية المجاهدين, ألم يتباهى كل قادة الأمن الوقائي وغيره من أجهزة السلطة ببطولاتهم ضد أبناء المعارضة من شعبهم, ثم أين كانوا يوم تم تسليم مقر الأمن الوقائي والمعتقلين فيه والسلاح والصواريخ وقاذفات الأر بي جى وكل شيء لقوات الاحتلال بحجة إنقاذ حياة العائلات التي التجأت إلى المقر المذكور في بيتونيا, إنها عقلية الإلغاء والعمل من أجل المصلحة الحركية أو الشخصية بعيدا عن المصلحة الوطنية الجماعية. قد يقول قائل, انه ليس وقت فتح هذه الملفات وكشف الحساب, بصراحة أنه لم يعد هناك مجال لتحمل تصريحات هؤلاء المنتفعين من سلامهم وأوهامهم وأصبح من الواجب الوطني التصدي لهم ولنهجهم المدمر والشديد الخطورة على المصالح الوطنية الفلسطينية زمن السلم وزمن الحرب.
أيها السادة , إن السلام الحقيقي لا يأتي من بعض الذين يتصرفون بالحقوق العامة وكأنها أملاكهم الشخصية, ولا بالتسليم ورفع الراية البيضاء حتى النهاية, لقد رفعتم تلك الراية في أوسلو وطابا وشرم الشيخ و واي ريفير والخليل و ستوكهولم وكمب ديفيد وغيرها, ثم رأيتم كيف كانت النهاية, مع هذا لم تتعلموا ولم تستفيدوا من التجارب, ومن لا يتعلم ولا يستفيد لا يمكنه مواصلة العمل ولا تحمل المسئوليات الكبيرة , حيث الأمور المصيرية والحاسمة بالنسبة لحياة الشعب والوطن والقضية وحق العودة الممكن والمقدس والشرعي والقانوني والذي هو حق فردي لكل لاجئ وذريته لا يحق ولا يمكن لأي كائن كان التخلي عنه أو المطالبة بإلغائه.