بقلم/ سامح عسكر
التوت والنبّوت و"الفلول" وقانون "العزل السياسي"
كثيرة هذه هي الأعمال الفنية التي تحكي فلسفات وأخلاقيات تعكس الواقع الإجتماعي والثقافي لدى الشعوب..هذه الفلسفات والأخلاقيات منها ما يُنتج سلوكاً يجب التمسك به ليس فقط رفعةً للأخلاق ولكن أيضاً حِرصاً على المصلحتين العامة والخاصة..وبين ما يبدو لنا منها ما يصلح وما لا يصلح للتطبيق وبين فهم الواقع تتجلى لنا بعض الإشكاليات، ولم يَسلُم من هذه الإشكاليات من يتحدث باسم العقل ومن يتحدث باسم الدين، حتى بات الناس في مأزق حقيقي لهويتهم.
في تسجيل قديم للشيخ محمد متولي الشعراوي شاء الله أن يُظهره لنا بعد قيام الثورة المصرية، في التسجيل يُشدد الشيخ على أن الثائر الحق هو الذي يثور على الفساد وفور تخلصه من الفساد يلجأ للهدوء كي يصنع الأمجاد ويبني البلاد، ثم يقوم هذا الثائر الحق بالعمل على نزع الأحقاد وتطبيب الأنفس بالقيام على توحيد الناس للبناء..ويُشدد على أن ثورته لم تكن ضد طائفة أو فئة أو أشخاص معينون، بل كانت ثورته ضد الظلم وليس شئ غيره، ومن هذا السلوك الذي قام على شرحه الشيخ بأسلوب تبسيطي يُقنع كافة العقول ويصل للقلوب..أستنبط تلك الهوية الثورية الحقيقية.
هناك رابط معنوي بين سمعناه من الشيخ محمد متولي الشعراوي-رحمه الله-وبين النهاية السعيدة للفيلم المصري.."التوت والنبوت"..حيث أنه وفي نهاية الفيلم يظهر قائد الثورة الشعبية الممثل.."عزت العلايلي"..وقد أعلن انتصاره على الحاكم الطاغية الملقب .."بالفتوة"..حيث كان هذا الحاكم والذي قام بتمثيل دوره الفنان الراحل.."حمدي غيث".. كان يجمع الإتاوات والضرائب جبراً دون مراعاة للظرف الإقتصادي لأهل المنطقة، وكان يمارس أبشع درجات الظلم دون اعتبار للقيم الإلهية، وبشيوع مظالمه كسر.."الحرافيش"..حاجز الخوف وقرروا طرد هذا الطاغية إلى غير رجعة.
الرابط كان في قيام البطل بإنهاء الحرب بين أتباع الفتوة وبين الحرافيش، وصرخ في الجميع أنه لا ظلم بعد اليوم، وأن المستقبل للجميع ولن يكون هناك إقصاءٌ لأحد بما فيهم من كان يوالي وينافق الطاغية الهالك، من هنا نرى بأن زوال الأحقاد وتطبيب الأنفس الذي أشار إليه الشيخ الشعراوي هو بذاته ما فعله الثائر "العلايلي" حيث أشار إلى أن ثورته لم تكن إلا لشيوع المظالم وأنه لا يكره أحد...وأن الوطن للجميع ويجب علينا أن نطوي صفحة الماضي لنتفرغ للبناء.
هذه الصورة الفنية والدعوية التي جمعت بين اثنين من العاملين في حقل الدعوة والفن،تُعطي انطباعاً لديّ بأن المأزق الراهن الذي تعيشه مصر لا ينفصل عن صورة الثائر الحق الذي صورته لنا الأعمال الفنية والدعوية، فشاء الله أن تظهر لنا مُصطلحاتاً كنا في غِنى عنها ، وهي بالأصل إقصائية ومنها مصطلح.."الفلول"..هذه الكلمة التي تعبر عن صورة مطاردات سياسية، لذلك فهو مُصطلحٌ إقصائيٌ بحت، وقد سمعته قديماً إبان انهيار حُكم صدام حسين فما لبثت العراق أن دخلت في دوامة العنف حتى أصبحت دولة فاشلة بكل المقاييس.
وإذ تعيش مصر في هذه اللحظات أحداثاً حرجة بعد قيام المحكمة الدستورية المصرية بإبطال قانون العزل السياسي وحلّ البرلمان المنتخب، أرى أن صورة المطاردات السياسية التي تجلّت في الوعي الثوري تحت عنوان.."الفلول"..هي نفسها الصورة التي صنعت لنا قانون العزل السياسي، هذا القانون الجائر والغير دستوري الذي خلق لنا مأزقاً ليس فقط بوجهٍ سياسي ولكن أيضا بوجه ثقافي وأخلاقي، وأتذكر أنني كنت من أوائل الذي كتبوا عن هذا القانون على شبكة الإنترنت ، مُبدياً استهجاني لهذا التصرف اللاأخلاقي في حق المواطن المصري وحقوقه السياسية.
إن النفس التي طاردت أنصار النظام المصري السابق وأطلقت عليهم مُصطلح الفلول وشرعت ضدهم قانوناً للعزل السياسي يحرم كُبرائهم من ممارسة السياسة، هي ذات النفس التي أدخلت الإخوان السجون في الماضي، وهي التي أطلقت عليهم لقب.."المحظورة"..وكأن الرابط بين.."المحظورة والفلول"..هو رابطٌ أخلاقي يُجبر الإنسان حين تمكنه من سلوك الدوجمائية المفرطة، تلك العقلية الإقصائية التي لا تتصور إصلاحاً بمشاركة الخصوم، وهؤلاء في العادة لا يتصورون العلاقة السياسية إلا كونها قضية وجود ومصير وليست علاقة متغيرة تتسم بالصيرورة حسب معطيات الواقع ومراعاة المؤثرات.