أبحثُ عن نَبضِكِ في صَدري
وأُلقي صَدَفاتي في رَحم سُكونِ الماء
قد ترسو عند أساساتِ السورِ
وَتُبقيني مَزروعا في عَبقِ التاريخ
بين خصوبةِ مَن غابوا
وجفافِ الآتينَ ثِقالاً فوق اللحمِ المصهورْ..
أما آن لهذا النورس أن يغفوَ في محراب أبيه..؟
"كنعانُ" أبي
وضع الحجرَ الأولَ بيديه.
حَفَرَ على صَخرِ الساحل:
أن هذي الأرض لأبنائي..
الآتين نقاءً من أرحامٍ عَربيَّة
وأقام طَويلاً يَسجدُ شُكراً
شرّع كَفيّه وقال:
كوني "عكا.."
كان البحرُ يطلُّ غَريباً
ويصُبُّ الملحَ على الشاطئ
والموجةُ تائِهَةً بين صخورِ المدّ
والأفقُ المهجورُ يُفتّتُ وجهَ الصَمت
يا سيدَ تلكَ الصَحراء
اليوم هنا..
يبدأ أولُ طيرٍ يبني بيتاً من قَصبِ الرَبعِ الخالي
ونواةُ البَلحِ الأولى
تَدفِنُ بِذرَتها في لحمِ الأرض.
ليَرويها الماءُ سَبيلاً مِن "نبعِ الفوّارة"
كي تزدانَ الساحاتُ بشَبكاتِ الصيادين
وأشجارَ الخَرّوب
وجِرارَ الفَخّار مُعتَّقةً بالزعترِ والزيتون
وشقيقةَ نعمانٍ تُعلن أنّ شهيداً آتْ
يَسكنُ تُربتها وَيُقيم..
يا سيدة الشطآن..
أما آنَ لفارسكِ الهَدأةَ من جولاتِ الحَرب.؟
وحوافرُ خيلِ "الاسكندرِ" طافَتْ يَوماً حَولَ تلالِ "الزيب"
يومَ انطفأتْ أحلامُ الـ "سرجون" بِها
وانكفأت صامتةً آثارُ الـ "فرعون"
وأطماعُ الباغين تِباعاً
"كسرى، واليونان، وروما"
وجثا مهزوماً عند حِجارةِ أسواركِ
"نابليون"
وطوى "الجزّارُ" مشانِقَهُ.. ومضى.!
وتعاقبتِ الأيامُ عليكِ
قديماً وحَديثاً بإمارة "قمبيز" و "طولون"
والمئذنةُ الشامِخةُ تُهدهِدُ أحلامَ شُيوخ الحَيّ
والأسواقُ المقصورةُ بالأبيضِ
تشتاقُ إلى "الزير" و "غسّان"
كان الوقتُ مساءً
لحظةَ تتكِئُ الشمسُ على تَلِّ "البَروةْ"
وتودّعُ بالأصفرِ "كيسان" و "كابول"
ثمَ..
تَحلّقتِ الأصنامُ على شَفَةِ "الغبسية"
وتِلال "شَعَبْ"
انتفضَ "المَعْمرُ" خوفاً من سَطوِ لُصوص
جاؤوها في عتمةِ ليلْ
صَرَخَتْ..
أين "الناصر." يتنكّبُ ظلَّ القلعة
ويردّ الموجةَ ثانيةً..؟
كي يرتاحَ "نبيّ الناقة" في غَفْوَتِهِ الأبدِيّةْ
يا سيفَ "صلاحَ الدين"
يا رافعَ رايةَ حقٍّ فوقَ ذُرى "حطّين"
يا عِمّّةَ "عزّ الدين"
يا كلّ الناجين من الخوف
نَسْتَصْرِخُ نَخْوتكُمْ..
ها قد جاء النَصْرُ على صورةِ طِفلٍ
يُمسكُ حجَراً..
وصُموداً..
وعِناداً..
يسْحقُ حتى أقصى ما يغتَرّ بهِ المُغتَرّون
ثم على خُطواتِ المَحفورينَ بأعوادِ المَجدْ
أنشأ سَطراً.. ويُغنّي:
(من سجنْ عكّا طِلعتْ جَنازِة
محمد جمجوم، وفؤاد حجازي)
هُم مَهرُكِ يا "عكا"
في كلِّ مساءٍ يَخرجُ من شرنَقةِ الزَهرِ.. شهيدْ
كي يبقى "كنعانُ" أبي
والساحلُ يحملُ اسمي
والنجمَةُ تزدادُ ضِياءً..
كيّ تبقى "عكّا"
سَيّدةَ الشُطآن على مرِّ الأيام
صَبراً "عكا"
هذا الطاغوتُ أبى أن يقرأ من عِبرِ التاريخ
وأبى أن يسألَ أينَ مَضَت أرتالُ المُغتَصبين.؟
ما أكثرهم.. ما أكثرهم..
منهم من قَبضَ على العالمِ ظَلماً.. وتَنَصَّب مَلِكاً
منهم من حفرَ أخاديدَ الحِقدِ على جَذرِ الزَيتون
منهم من بَقَر بُطونَ الناسْ
لكنَّ المارد ذاك الساكن فيك
يَحمِلُ صَمتاً أقوى من سَطوَتِهم
وصُموداً وعِناداً..
ألقاهُم في مزبَلةِ النِسيانِ جُموعاً
وتَوَحَّدَ مع جَذرِ الأصلِ الكنعانيّ
ولأنكِ أنتِ الأجمَلُ، وَالأغنى، والأحلى
كُنتِ المَطمَعَ للباغينَ وللِطاغوت
وللأشداقِ المَسْعورة..
وسَترحل عنكِ الأشداقُ قَريباً
كما رحَلَتْ كلُّ قوافل من لَمسوا طُهرَ جدائِلكِ
وتعودُ إليكِ دِماءُ الشُهداء
تَتَنَفَّسُ لونَ الريح
وعلى طولِ السَفحِ الأجرَدِ
تَختالُ وَرودُ الـ "نعمان"
وتُعلنُ للعالَمِ أنكِ..
وسَتبقين على مرِّ الدَهر..
سَيِّدةَ الشطآن.
ع.ك
نبع الفوّارة، الغبسية، شَعَبْ: قرى في قضاء عكا
الزيب، البروة، كيسان، كابول، المعمر: تلال في عكا