قصيدة (بانت سعاد) لطلاب السعادة
الحمد لله
اللهم صل على محمد و على ءال محمد كما صليت على إبراهيم و على ءال إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد و على ءال محمد كما باركت على إبراهيم و على ءال إبراهيم إنك حميد مجيد
السلام عليكم ورحمة الله
ما أكرم الله
اللهم أعنا على طاعتك و على شكر نعمك ووفقنا للعمل الصالح المتقبل المرضى
و أدخلنا برحمتك فى عبادك الصالحين
وصلتنى تلك الرسالة وأبثها مختصرة لمن أحب من أهلى فى الواحة , حرصا على توضيح الصواب فى موضوع الإستدلال بقصيدة (بانت سعاد) لتسويغ ألوان من الشعر والنثر و هى تكملة لموضوع عشق عشق عشق لمن لم يتابعه , لكنى أضعها منفردة لأهميتها وشهرتها
وغايتى هى رد الأمر إلى كتاب الله وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم , ودلالة نفسي وقومى إلى النور
رسالة في
تضعيف قصيدة (بانت سعاد)
الكلام على أسانيدها ثم على حكم الاستشهاد بها :
أسأل الله سبحانه أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه ، وأن ينفع به من قرأه ، وصلى الله على نبينا محمد .
أولا
الكلام على أسانيدها :
رويت قصة كعب بن زهير من خمسة طرق – فيما وقفت عليه – :
الطريق الأول :
طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير عن أبيه عن جده .
رواها من هذا الطريق : ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) 5/168 ، ومن طريقه أبو نعيم في (معرفة الصحابه) 5/2378 ، ورواها الحاكم في (المستدرك) 3/579 ، ومن طريقه البيهقي في (السنن)10/243 ، و (الدلائل) 5/207 ، وغيرهم .
وهذا الطريق مسلسل بالمجاهيل : فالحجاج ، وأبوه ، وجده ، لا يعرفون ، وليست لهم ترجمة في كتب الرجال ، إلا عبد الرحمن بن كعب ؛ ولا يذكر عنه إلا أنه شاعر كأبيه ، ولم يذكر بجرح أو تعديل .
الطريق الثاني :
طريق ابن إسحاق في (السيرة) ، حيث ذكر هذه القصة بلا إسناد ، وأسند بعضها عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وقال ابن هشام رحمه الله في السيرة : (هكذا أورد محمد بن إسحاق هذه القصيدة ، ولم يذكر لها إسناداً) .
ورواها من طريق ابن إسحاق : الطبراني في (الكبير) 19/176 ، والحاكم في (المستدرك) 3/583 ، ومن طريقه البيهقي في (الدلائل) 5/211 ، وغيرهم .
وهذا الطريق ضعيف أيضاً ، فبين ابن إسحاق والواقعة مفاوز تنقطع دونها أعناق المطي .
وهذان الطريقان أشهر طرق هذه القصة .
الطريق الثالث :
طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن معن بن عيسى عن محمد بن عبد الرحمن الأوقص عن علي بن زيد بن جدعان قال : " أنشد كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم عندها لم يفد مكبول " اهـ.
رواها من هذا الطريق : الفاكهي في (أخبار مكة) 1/307 ، و الحاكم في (المستدرك) 3/582 ، ومن طريقه البيهقي في (الدلائل) 5/211 ، وغيرهم ، وذكر ابن هشام هذا الطريق في (السيرة) 4/118 فقال (وذُكِرَ لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال : أنشد كعب بن زهير ...) .
وهذا الطريق فيه ثلاث علل :
الأولى : ضعف محمد بن عبد الرحمن الأوقص : انظر (الضعفاء) للعقيلي 4/98 ، (اللسان) 5/286.
والثانية : ضعف ابن جدعان : انظر (تهذيب الكمال) و (تهذيبه) وكتب الرجال .
والثالثة : الإرسال .
الطريق الرابع :
طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي أيضاً عن محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال : أنشد النبي صلى الله عليه وسلم كعبُ بن زهير ...القصة .
رواها من هذا الطريق الحاكم في (المستدرك) 3/582 وغيره .
وهذا ضعيف أيضاً ، فهو مرسل أو معضل ، فموسى بن عقبة عداده في صغار التابعين ، وعامة رواياته عن التابعين ، فالكلام على هذا الطريق كالكلام على طريق ابن إسحاق ، وإن كان موسى بن عقبة أوثق .
الطريق الخامس :
طريق الزبير بن بكار عن بعض أهل المدينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال : لما انتهى خبر قتل ابن خطل إلى كعب بن زهير ...فذكر القصة مختصرة .
رواها من هذا الطريق ابن قانع في (معجم الصحابة) 2/381 .
وهذا الطريق له علتان :
الأولى : إبهام أحد الرواة .
والثانية : إرساله .
فالحاصل :
أن أسانيد هذه القصة كما ترى ضعيفة ، وفي كل طريق أكثر من علة ، فلم يثبت فيها إسناد صحيح ولا حسن :
قال ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية) 4/372 بعد ذكره القصة :
"وهذا من الأمور المشهورة ، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه ، فالله أعلم " اهـ.
وقال العراقي رحمه الله :
" وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء ، وذكرها ابن إسحق بسند منقطع"اهـ.
المبحث الثالث :
في حكم الاستشهاد بها :
اعلم أن ذكر هذه القصة على قسمين :
القسم الأول : أن تذكر هذه القصة كواقعة تاريخية :
فالكلام فيها كالكلام في المغازي وسير الصحابة وقصص المتقدمين و نحوها من الوقائع التاريخية ، والأمر في ذلك واسع ، وكان الأئمة المتقدمون لا يشددون في مثل هذه الحالة ، ويفرقون بين مرويات الأحكام ، والمرويات التاريخية.
وقد ذكرت تفصيلاً عن مسألة التفريق بين الروايات التاريخية والحديثية في (كشف شبهات حسن المالكي) في الأصل السابع من الفصل الرابع ، أنقله هنا للفائدة :
(الأصل السابع : أن الأصل في الروايات التاريخية كالأصل في روايات بني إسرائيل :
اعلم أن الروايات التاريخية على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما ثبت بإسناد صحيح وليس فيه محذور شرعي ، فهذا نشره جائز ، وهذا أمر متفق عليه.
القسم الثاني : ما روي بإسناد صحيح أو ضعيف وفي نشره محذور شرعي كالوقيعة في بعض الصحابة أو ما جرى بينهم من الفتن ونحو ذلك ، فهذا لا يجوز نشره ، وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : "حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ؛ فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم " . وإنما بث ما يلزمه شرعاً بثه ولا يجوز كتمانه وهو ما يتعلق بالأحكام التي تلزم المكلفين ، وأما الوعاء الثاني فهو أحاديث الفتن ، وقد ذكر خطورة رواية ذلك رضي الله عنه في زمنه – وهو خير القرون – فكيف بعده ؟!.
القسم الثالث : ما لم يثبت بإسناد صحيح وليس في نشره محذور شرعي فهذا الأمر فيه واسع ويجوز نشره ، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) .
والأخبار عن بني إسرائيل – كما قسمها أهل العلم وكما تدل عليه النصوص - على ثلاثة أقسام :
الأول : ما شهد الشرع بصدقه ، فهذا نصدقه.
والثاني : ما شهد الشرع بكذبه ، فهذا نرده ولا نقبله.
والثالث : ما هو مسكوت عنه فلا يشهد بصدقه أو كذبه ، فتجوز حكايته والاستئناس به.
والقول في تاريخ المسلمين كالقول في تاريخ بني إسرائيل ، بل هو أولى ، فإن أخبار بني إسرائيل أكثرها غير مسند ، وبيننا وبينهم من المفاوز ما هو معروف ، وليسوا من ملتنا ، فلأن يكون هذا الحكم ثابتاً في أخبار المسلمين من باب أولى .
والأخبار التاريخية لا تعامل معاملة الأحاديث النبوية في التصحيح والتضعيف لأمور :
الأمر الأول : أن أحاديث الأحكام قد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظها – لأنها من حفظ دينه – فإذا روي حديث منها بسند ضعيف ونحوه فإننا نجزم بعدم ثبوته لذلك ، أما الأخبار التاريخية فلم يتكفل الله تعالى بحفظها فلا يعني عدم وروده بسند صحيح أن الخبر لم يصح .
الأمر الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) ، فقد نهى عن تكذيبهم ، مع أنك لو طبقت منهج المحدثين على الأخبار الإسرائيلية لانتهيت إلى ضعفها بل وسقوطها من طريق الأسانيد!!.
الأمر الثالث : أن هناك أموراً تاريخية كثيرة جداً مشهورة في الكتب والدواوين ، وأمرها معلوم بالتواتر عند الناس ، ولو أردت أن تثبتها من ناحية الإسناد ما استطعت ، لأن أهل الحفظ والإتقان والرواية والضبط كانوا ينصرفون في غالب روايتهم إلى الأحاديث النبوية بخلاف الأخبار التاريخية ، فلا يعني عدم روايتهم لها عدم ثبوتها في نفس الأمر .
الأمر الرابع : أن أساطين المحدثين قد فرقوا بين الأمرين ، فتراهم يشددون في أحاديث الأحكام ونحوها ، بخلاف الروايات التاريخية ؛ فإنك تراهم يذكرونها ولا يتعقبونها بشيء .
القسم الثاني : أن يستشهد بها في استنباط الأحكام :
وهذا قسمان أيضاً :
الأول : أن يكون الحكم المستشهد بها عليه ثابتاً بالأدلة الصحيحة ، فالقول في ذلك كالقول في الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة والمراسيل وقصص الصالحين والإسرائيليات والرؤى ونحوها ، والأمر في هذا واسع ؛ إذ الحكم ثابت بدونها ، وإنما يستأنس بها ، وعلى هذا أكثر الأئمة والعلماء في كتبهم .
والثاني : أن تكون هذه القصة عمدة في استنباط حكم من الأحكام الشرعية , فهذا لا يجوز ، إلا إذا ثبتت صحة هذه القصة ؛ لأنها في هذه الحالة تعامل معاملة أحاديث الأحكام ، لا التاريخ ، ومرويات الأحكام لا بد فيها من صحة الأسانيد للاحتجاج بها كما سبق ، وقد تبين لك في المطلب السابق أن هذه القصة لا يصح فيها إسناد.
والله تعالى أعلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .