اللذة
إدراك الملائم من حيث إنه ملائم كطعم الحلو عند حاسة الذوق والنور عند البصر وحصول المرجو عند القوة الوهمية والأمور الماضية عند القوة المحافظة ، ربما هذا تعريف جاف وعلمي بحت لهذا اللفظ الذي قد يضعه البعض في خانة المحظور أو المسكوت عنه ، وهو لفظ عربي أصيل متوافر بمشتقاته في جميع معاجم اللغة ويقول عنه بن سينا : اللذة هي إدراك و نيل لوصول ما هو عند المدرك كمال و خير من حيث هو كذلك ، ) ( إنتهى كلامه ) وهو لفظ حسي بحت يتعلق بالجسد فحين نتلذذ أي نستشعر ملائمة فعل ما مع هوى النفس وطلبها فأننا نقول إننا نتلذذ سواء أكان بطعام أو شراب أو الجنس أو حتي بالراحة التي نعيشها حين نخلد للسكون والدعه ونركن للأستجمام فنعزى شعورنا بالراحه إلي إحساسنا باللذه ،
واللذه هي إحساس مقرون بشعور السعادة الذي يكتنف المرء حين يعيش حالة معينة وفعل محدد أو غير محدد بمعني أن اللذه قد تنتج من عدة أفعال مجتمعة فتلقي بظلال من السعادة علي النفس ، وحيث أن ذاك الشعور وهو السعادة نفسي صرف لا نستطيع أن نقيسه أو نقدره فإن اللذه هي شعور حسي صرف ، واللذة في ذاتها متعة للجسد وللروح وأن كان الفارق شاسع بين المتعتين فشعور اللذة المنبعث المؤثرجسديا من فعل محدد سلبي أو إيجابي كتناول شيء محبب وما يستتبعه من لذة أو الركون للدعه والراحه وما يستجلبة من شعور بها إنما هو شعور بلذة وقتية وسعادة آنية محددة بزمن إنتهاء الفعل و تغير الحال ،
أما شعور اللذة الروحي أو السعادة الناتجه عنه فهو شعور نوراني مستمر يشمل النفس ويعم الجسد ويطغي ببهائه علي منغصات عدة فتضحي عظائم المحن سفاسف في نظر صاحبها بفضل اللذة الروحيه التي يخلفها إيمان قوي أو رضا متمكن من النفس مع ثقة طاغية في عدل المولى وتسليم بالقضاء والقدر ، وهو بهذا شعور مستمر لا ينقطع ولا يزول لأن سببه متمكن في نفس صاحبة ، وثمراتة إنما هي من غرس جناته التي تنبت بين جنباته يقينا وتسليما وتفيض بظلالها علي روحه التي تسامت لتعانق الرضا في ثبات وتعيش لحظات السعادة الحقيقية والضاربة بجذورها في القلب والتي لا تنقضي أبدا إلا حين تسلم الروح قيادها لباريها ،
ويزعم كثيرون أن اللذة الجسدية صارخة في إحساسها مدوية في الشعور بها وتمنح صاحبها عنفوان اللحظة وبهجتها ،وهم بذلك يغفلون ما بعد اللحظة أي ما يستتبع اللذة العارمة التي تجتاح الجسد من جراء فعل ما ، فالغالب أن إنقضاء اللحظه وزوال الشعور بتلك اللذة الآنية يخلف حسرة وألم أو سخط في غالب الأحيان ولهذا فإن اللذة الجسدية عابرة يتبعها ندم علي إنقضائها وفوات زمنها ينقض جل الشعور المصاحب لها فتكون كمن نقضت غزلها أنكاثا من بعد قوة ،
ولا ينكر قيمة اللذة الروحية التي هي سعادة في ذاتها إلا من لم يعيش لحظاتها ، ويعايش قوة وثبات رسوخها في الأنفس ، فهي كموجه هادئه تنساب برفق لتشمل بفيض عذوبتها يباب الأنفس فتحيل قفارها إلي جنات غناء في لحظات ، وتوجه القلوب قبلة السعادة عوضا عن شؤم اليأس وظلام الكآبة ، ولكونها بتلك الصفة فهي تستمر وقد تتعاظم مع مرور الوقت لتأصل الإحساس بها وتعود النفس علي معانقة ذاك الشعور المفعم روحانية والمحلق في رحابة الرحمات الربانية التي تتنزل علي أصحاب تلك النفحات الشعورية ، والجميل في تلك اللذة إنها لا تتأثر بمنغصات مادية قد تحيط بصاحبها ، فهي لا تعني بالماديات من ثروة أو جاه بل قد نجد من يتمتع بتلك اللذة الروحية ويعيش سعادتها وهو معدم أو نكرة بمقاييس البشر ، لكنه يعيش حالة السلام النفسي والنشوة المتولدة من لذة روحية يعجز غيره ممن يحيطون به من الولوج لسعة رحمتها ،