اضافة للمادة المفيدة التي يطرحها الأديب مصطفى حمزة بودي الاضافة التالية من تجربتي الشخصية والمقال الكامل منشور في المنتدى لمن يريد الاطلاع بتوسع
من تجربتي الذاتية ارى ان أهم مركبات القصة يمكن تلخيصها بمسارين او خطابين ، الأول : المسار او الخطاب التاريخي ،أي خطاب فكري أيديولوجي ، وهو الحدث ، الخبر ،الفكرة القصصية ، المضمون القصصي ، المادة الخام .
الثاني :المسار او الخطاب الفني ، وهو يتعلق بقدرة الكاتب على الصياغة اللغوية الادهاشية أي التي تخترق احاسيس القارئ ،وتدمجه عاطفيا مع الفكرة القصصية ، وتثير دهشته من البداية حتى النهاية ، وهي تتعلق أيضا بالتكنيك القصصي الذي يتبعه الكاتب.. وانا اؤمن ان الفكرة تفرض اسلوبها ولغتها ومفرداتها ، والكاتب عليه ان يعرف كيف يفكك الحدث ويعيد بنائه من جديد ، ليبقي المفاجأة الدرامية للسطر الأخير... تماما مثل لعبة البوكر.. ممنوع كشف الأوراق ، اذ قد تكون اوراقك ( قصتك ) ضعيفة ، ولكن معرفة اصول اللعبة القصصية ( البوكر ) تجعلك تنجز انتصارا حتى على الذين اوراقهم ( افكارهم القصصية) أقوى من أفكارك ..
ويجب الانتباه بعدم المبالغة في أحد الخطابين على حساب الخطاب الآخر .. ولا اعني خلق تعادل بينهما ... انما معرفة أين يجب ابراز جانب على الجانب الأخر ... في فترة ظننت ان التعادل بين الخطابين هو الكود الصحيح . اليوم ، بعد تجربة طويلة ارى ان التعادل مضر ، ومقيد ، وينتج حالة من التقييد والتأطير والدوغماتية الثقافية . صحيح ان الخطابين هامين ، وان ابراز خطاب ما بشكل مبالغ ينسف القاعدة الحساسة للبناء القصصي. ولكن هذا لا يعني ان نقيم التعادل الميكانيكي بين الخطابين ، بل اعتماد التناقض الديالكتيكي بين الخطابين ، أي التناقض الذي يدفع دائما لتطوير الحدث واللغة والتكنيك وعناصر الدهشة .. وهنا يجب ان يتحكم الحس الانساني والابداعي لدى الكاتب ، في معرفة اين يعطي لأحد الخطابين قوة أكبر...او العكس !!
وهناك موضوع هام لم يتطرق اليه النقد العربي على حد علمي، واذا تعرض فمن زاوية تقليدية مدرسية ، وهو موضوع اللغة المستعملة في القص..
واضح ان لغة القصة تختلف باسلوب صياغتها عن لغة الخبر او الريبورتاج اوالمقال او البحث.. صحيح اننا نستعمل نفس المفردات . ولكن وضعها في السياق، ترتيبها،هو ما يخلق الفرق . وهذا ليس كل شيء، بل لا بد من ان يطور الكاتب لغة درامية.. واجد صعوبة في شرح فكرتي ، ولكني أقول ان اللغة مترابطة بالحدث ومتفاعلة معه ، وتنبض بنبضه، عندما أكتب قصة اوظف قدراتي في صياغة لغة درامية تندمج مع الحدث الدرامي ( القصة في حالتنا) بلغتها أيضا ، مبناها اللغوي ، نبضها المتفاعل والمندمج مع الحدث نفسه ،وهذا يتعلق بالحس اللغوي للكاتب ، وفهم أولي للبسيخولوجيا الاجتماعية ، لفهم شخصية ابطاله والدور الذي من المفترض ان يرسمه لهم بدون مبالغة تجعل البطل غير حقيقي ومتخيل لا منطق في كينونته .
الممارسة واتساع الادراك لفن القص عند الكتاب الآخرين يثري الكاتب ،وذلك عبر قراءة واعيه ومنتبه لأعمالهم ، ليس كقارئ عادي ، بل كدارس لأساليب توظيفهم للغة ، بناء الشخصيات ، الحوار ، اسلوب الدخول للفكرة ، وطريقة وضع النهاية، وبالطبع لا شيء مقدس ، بل كله يجب ان يخضع للمعمل القائم داخل الرأس ، لذلك الكاتب يحتاج الى ثقافة موسوعية ومتعددة الاتجاهات ، تماما مثل الحياة ، الحياة ليست بلون واحد ، بل متعددة الألوان .
النهاية في القصة لا بد ان تعبر عن فهم فلسفي للحدث وليس فهما اخباريا او مباشرا . وهذا يعني ان مبنى اللغة يفرض مميزات بالغة الحساسية .. قد لا يلمسها القارئ العادي ، ولكن عدم اتقانها يبعده عن الاندماج بالنص ، حتى لو كان نصا بحثيا او سياسيا .
أرجو عدم فهم موقفي بأني ارى باللغة ما يتجاوز كونها اداة او وسيلة للتواصل فقط ، وكونها اداة لا يعني نفي القدرات التعبيرية الهائلة التي تخضع لمن يتقن الاحساس بكلماتها وصياغاتها.