أما علم المقاصد فقديم لا شك في ذلك
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أبرز المقاصديين ان صح التعبير ..
وكان هذا العلم حاضراً بقوة عند الصحابة والتابعين والعلماء والأصوليين في عصور الازدهار الحضاري
ولو سمحتم لي ان أضرب مثالاً كيف كان الصحابة يتعاملون مع النصوص بمقاصدها ..
ثبت في السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا ضمان على مؤتمن " .
ولكن عندما تغيرت الأخلاق وظهر الإهمال والتقصير ، ودخل في بعض النفوس حب الخيانة طمعاً في أموال الناس ، وكثرت الدعاوى ، قام الخلفاء الراشدون بتضمين الصناع .
قال الشاطبي في الاعتصام : " إن الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع ، قال علي رضي الله عنه : ولا يصلح الناس إلا ذاك . ووجه المصلحة فيه أن الناس لهم حاجة إلى الصناع وهم يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين إما ترك الاستصناع بالكلية وذلك شاق على الخلق وإما أن يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع فتضيع الأموال ويقل الاحتراز وتتطرق الخيانة فكانت المصلحة التضمين " .
فتأملوا كيف كان الصحابة يتظرون في مقاصد النصوص ، ولو نظروا في ظاهره فقط لقالوا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يضمن فلا نضمنهم أيضاً ..
ولكن عندما دخلنا عصور الجمود والتقليد ونقل المتون والحواشي والهوامش دون الابداع ، صار هذا العلم غائباً في الفقه ، وهي نتيجة طبيعية لحالة الجمود تلك والمقولات التي كانت تنادي بإغلاق باب الاجتهاد ..
واليوم وبحمد الله تعالى نرى نشاطاً ملحوظاً في إحياء القراءة المقاصدية للنصوص وفق ضوابطها وشروطها ، قام بها ويقوم علماء كبار أمثال الشيخ ابن عاشور وعلال الفاسي واحمد الريسوني ونور الدين الخادمي ، وكلهم من بلدانكم ، من المغرب العربي ، وانتم أهل المقاصد ومنكم شيخ المقاصد الامام الشاطبي ..
أما اتهام العلماء بالحرفية وتعطيل مقاصد النصوص ، فهذا ما لم يقل به ولم يفعله أحد ، والعلماء منذ القديم يناظرون بعضهم البعض ويتناقشون ويردون على بعض ويستدرك آخرهم على أولهم ، دون اتهام أحد للآخر ..
ولذا قلت أن المسألة تحتمل الاجتهاد ، وان لا داعي للتضليل والتجريح كما يفعل البعض ، وهو غاية إيراد الموضوع وهدفه
أما الخلاف فقديم ..
دمتم بخير وعافية
فالحوار معكم ماتع
وكل عام وأنتم بألف خير
تحياتي ..