التحرش ثقافة !
يخطئ من يفصل حوادث التحرش التي زادت بشكل مخيف مؤخرا وأقول زادت لأنها لم تظهر فجأة كما قد يعتقد البعض بل تنامت كظاهرة سلبية مصاحبة لظواهر سلبية كثيرة في مجتمعنا الذي يتمتع بثقافة ضحلة وأمية طاغية ولست أقصد هنا أمية القراءة والكتابة بل أمية الفكر والثقافة فنحن منذ عدة عقود ونحن نستقي ثقافتنا من ثلة من البرجوازيين الجهلة الذين سيطروا بشكل ما علي صناعة السينما والإعلام والنشر بكافة صورة وصدروا لنا جهلهم وغبائهم في منتوجهم الإعلامي المشوة
ولأن التكوين الفكري للإنسان لا يستوى أن يكتمل بين عشية وضحاها فقد تراكمت السنون بالمتغيرات الفكرية السالبة لتنشيء عفن فكري تأصل في نفوس الكثيرين ممن تركوا أنفسهم نهبا لهذا الشحن الفاسد والتغير الممنهج بقصد أو عن غير قصد لمجموعة القيم والأخلاق التي كانت تحكم مجتمعنا فيما مضي وتبدل النمط الحياتي القائم علي تماسك الأسرة التي هي اللبنة الأولي لأي مجتمع ناضج ليحل محلها أفكار وأشكال للتشتت والتفكك الأسري روج لها علي أنها المثل والقدوة المستقلبية .
والدليل علي هذا التحول الذي شمل قطاعات واسعة من المجتمع هو عدد وحدة الجرائم التي ظهرت خلال الثلاث عقود الأخيرة من عمر الوطن فالناظر لطبيعة الجرائم فيما مضي يري أن البون الشاسع بين فجيعة المجتمع بجرائم ريا وسكينة في ذلك الوقت وتقبل المجتمع لجرائم أفظع بكثير وأكثر عنفا في وقتنا الراهن فالثقافة المجتمعية لنفوس تربت علي أعتياد الجريمة وتقبل قساوتها والتعامل معها علي أنها حدث عادي أصبحت ديدن الكثيرين .
التحرش يمس جزءا مهما من حياتنا وقطاعا عريضا قد يتعدي نصف المجتمع فعليا ومشكلة التحرش لا تقف عند الأنثي التي تم التحرش بها فهذه الأنثى التي أضيرت نفسيا تنعكس تلك الأضرار علي من تتعامل معهم وتتغير نظرتها للذكر أيا كان قربه منها ومن يقرأ ولو قليلا في علم النفس يدرك خصوصية مشاعر الانثى ورهافة حسها ويدرك كم يؤلمها هذا الفعل مهما كان بسيطا أو رمزيا وهو ينشب أظافره في حيائها الذي يفقدها صوابها ، وبعد هذا فإن أي أنثي يتم التعرض لها هي علي الأرجح أم أو أخت أو زوجة لذكر ما يتأذي مما فعل بها فتتسع دائرة الأذي لتشمل مجتمعا بكامله يحاول كل أفراده النيل ممن سبب لهم الأذي وهكذا يتفرغ المجتمع بكامل طاقته لمحاربة بعضه البعض
وكما أسلفت فالتحرش جزء من منظومة أخلاقية فسدت لدي قطاعات كبيرة من أبناء الوطن وقد تسبب في هذا اختفاء القدوة وتشبع المناخ العام بكل أشكال الفساد التي تراكمت علي مدار سنين وصاحبها العوز والفقر وغذاها الجهل والإبتعاد عن الدين بما يوفره من سجايا حسنة وردع ذاتي من خلال الضمير والوازع الديني والأخلاقي ، وانت حين تفتش لن تجد المتحرش شخصا علي خلق أو علي علاقة طيبة مع ذوية أو رب عملة هذا أن كان يعمل من الأساس وليس عاطلا يحاول أن يجد له وسيلة تسلية حتي وإن كانت علي حساب أنثى ضعيفة، ولن تجده طالبا متفوقا مثلا أو موظفا مجدا في عمله بل علي الارجح ستجده إنسان مريضا نفسيا حاقد علي من حوله كارها لذاته متلذذا بمعاناته بشكل مرضي ،
نحن الأن لسنا بحاجه للتحدث فقط عن التحرش بل نحن بحاجة لتثقيف جيل بل أجيال بكاملها أخلاقيا لا عيب في أن نبدا بأبسط أبجديات الأخلاق لا تكذب لا تغضب لا تكره لا تنسي الله ، وأنا علي ثقة من أن هذه الكلمات البسيطه لو فهمها ووعيها أيا كان وبدأ في إستشعار فضلها وتعامل مع من حوله وهو يطبقها ورويدا رويدا إنتقل إلي مجالات أخلاقية أعمق وأشمل وروض نفسه وحاسبها علي كل فعل وأدرك إنه واحد يفعل الخطأ مره وإذا عم البلاء كما هو حادث فأنه معرض لفعل الأخطاء من الجميع فهو الخاسر بلا ريب ، لو ادرك الجميع هذا ولو فكر الجميع في إستعادة منظومة الأخلاق التي إفتقدناها ، فيقيني أن صلاح الأحوال سيكون أسرع وأقرب مما قد يظن ظان وما هي إلا بضعة أشهر حتي تعود لشوارعنا ومجتمعنا روح الألفة والمودة وطيب الأخلاق التي ذهبت .
أشرف نبوي