تتشكلين بنا أيتها الحياة ، نعم، تتشكلين بنا
بتقوانا وغيِّنا، بصدقنا وكذبنا، بهرجنا ومرجنا، بعصفنا وهدوئنا، بصمتنا
وحديثنا،بفرحنا وحزننا، بظلمنا وعدلنا، بأماننا وحربنا،بشجاعتنا وخوفنا
،بعلمنا وجهلنا، تتشكلين بكل ما ندركه ونشعرهُ ونفعله
بريئةٌ أنتِ مما ننسبهُ إليكِ، فما أنتِ إلا مدى وقتٍ نجنيه، ومساحة مكان
يحتوينا ونحتويه
نتوسد في ليلك أحلامنا، ولا حلم لكِ يفرض نفسه علينا، فكل أحلامنا من وحي
ما تحفل به رغباتنا وتطلعاتنا ويتبلور من جراء أفعالنا،
نستمد في نهاركِ نور يتضحُ به كل شئ في بصيرتنا ،فيكون مبنياً
في واقعه على معطيات مددنا إليها سعينا، وقضينا فيها عمرنا، وعقدنا
النية عليهِا ، وتفيئنا فيها ظلال أهواءنا تارةً، وامتطينا صهوة عزائمنا
تارة أخرى00
ما أكثر ما خبأتهُ ذاكرتكُ مما نقشناه في لوح عمرك الطويل ، فأصبحتِ
ترددينه، ويقفز إلى سمع الغير فيعيده ممجداً حكمتك وهو يقول في إثرهِ هكذا
علمتني الحياة، ولسان وعيك يقول بل هكذا عشتُ بك أيها الإنسان وتعلمت منك
، وهكذا تقلبت على رمضاء صحاريك ،واستسقيتُ بكَ سماء الرحمة، وتعرضت
بك للعذاب وجمره، وحاربت وهادنت لأجلكَ وبكَ شياطين الهوى، وعبدتني
فأشعَرتني بحمقكَ ، وترفعتَ عن فتنتي فأحببتكَ ، و انسقتَ للذاتي فأتعبتك،
وصرتُ أهنئوك على كل نعيم مؤجلٍ أو مقدمٍ اكتسبته بخيرك، وألومك على كل
عذاب داهمك أو ينتظرك اكتسبته بشرِّك،
ومن ثمّ كان مما تراه من حال غيرك- حين يباغته الموت ويرحل به بعيداً عني
وعنك- فغدى لك واعظا ينصحك أن لا تغتر بعمرك فهو قصير، ولا تجعلني
شماعتك التي تعلق عليها انتكاساتك فأنت تدرك حالي وترى مقامي ، وتعلم
يقيناً بأن لاحول ولا قوة لي ، وبأن لك كثير حول عليّ لتهبني من الفضيلة ما
تشاء ، وتغمسني في برك الرذيلة الموحلة إلى أي عمق تشاء
فارحم ضعف قوتي وقلة حيلتي، واكسني من حلل السلامة، ولا توردك نفسك بي
موارد الندامة
أيها الإنسان:- اسمع قولة حق
"وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"
فلا تغتر ببهرجي وزخرفي الزائف
أيها الإنسان :-اسمع قولة حق واتعظ
" وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون "
فاستعد بما يليق من أسباب السلامة والفوز
فإن لم تفعل فلا تُحملني جريرة خسرانك المبين في يومٍ لابد آت ، وكل آتٍ قريب.