إلى أخي العزيز أنس الحجار: انفض عن الشمس سحابة الألم رجاءً..ولتكن بسمة الورد هي الرحيق..
وإلى رفيقة دربي عواطف وقد غطّتها ملامح الألم..
----------------------
قصة قصيرة:
.........
جلست تنظر بشغف إلى البحر المترامي بين أجفان الأفق، وهي مطرقة، تختزل الصمت الذي قفز من قعر الماء يناوشها، وكأنها كانت تنتظر شيئا ما، تنهدت وأمسكت بحجارة صغيرة وقذفتها في الماء وهي تحاول أن تستفز الهدوء المتداعي بين جفون البحر، وكأنها ودت أن تهب عمرها لما استفزها من المواويل أو كأنها ودت أن تنسى عمرها الذي تدفق بين الجراح والحيرة، كانت عيناها معلقتين بين السماء والأرض، تذرفان ما يمكن أن يتبقى من مهجة إنسان.
وفجأة استسلمت لأحزانها، ومقلتاها الغارقتان في صمت رهيب تعزفان أغنية الماء على خديها، تذكرت كيف علمت عينيها مواويل الانسكاب دون أن تجد منديلا مهدى على صخرة من صخور الشاطئ، تذكرت سوالف الصمت التي كممت فاها غداة كل شجار يقع بينها وبين زوجها، تذكرت كيف التحفت بأشطان الصبر مكرهة حفاظا على مستقبل هذه الطفلة التي لم تشب عن الطوق بعد، تذكرت كيف كان الموج يتلقاها بالترحاب وفي كفيه عزاء الورد، كيف كان الرمل يطوق جيدها بالياسمين يعدها بالغد الأفضل، كيف كانت الشمس تتوارى خلف الحزن المرابط ثمة بين جوارحها، كيف كان الصدف يقسم أن يهبها سره وفي قلبه عطر أرجواني، كانت تعي مسبقا أن ثمة وسيلة لإصلاح هذا الزوج الذي لم يتوان قط عن إلحاق الأذى بها وبطفلتهما الصغيرة، كانت تعي أيضا أن الصبر هو عزاؤها الوحيد الذي لن تجد عنه بديلا إن استحال الرتق، لكنها كانت تخشى أن ينفد صبرها في يوم من الأيام، إنها لا تستطيع أن تتحمل أكثر مما تحملته طيلة هذه السنين، زوج خائن سكير، مهمل لها ولطفلته، ومهمل لبيتهما الذي لم يعد يراه إلا نادرا، بسبب سهره خارجه كل يوم، حتى وإن تحملت كل ذلك فهي لا تستطيع أن تتحمل إهانته لها، بل كيف تتناسى ضربه المبرح لها بسبب ودون سبب، كيف تتجاهل هذه الآثار التي رسمتها لكماته على جسدها؟ !!
وكأنها حين كانت تنسج الصبر طيلة هذه السنين، نسيت أن الخطيئة وهبته خمائلها للأبد، وأن الشمس التي كانت تنتظر أن تبزغ في ثوبه قد طعنتها آثامه وأن ما اقترفه سد عليه خط الرجعة ورفع الفضيلة إلى مناط العيوق.
نهضت تتهاوى بين أحزانها وهي مطرقة تنتظر أن يهديها البحر قلادة خلاص تحفظ لها ما تبقى من كرامتها وفي الوقت ذاته تحفظ لطفلتها حقها وكرامتها أيضا، دست يدها في حقيبتها الصغيرة وأخرجت غلاف رسالة كانت قد تلقتها من أعز صديقاتها، أمسكت بقلم وبدأت تخط على الغلاف بضع كلمات:
حتى الشمس ترهبت لحين، تخيط شعرها
تهب الحناء لهذي الطفلة الحالمة
تنتظر رحيق الخلاص!!!..
وما إن انسكبت منها هذه العبارات حتى لملمت غلاف الرسالة ولفت فيه حجارة صغيرة وقذفت به بكل جهدها إلى البحر وكأنها كانت تود أن تشرك البحر وكيف لا وقد عاشا معا أحزانهما وتقاسما هموم الحياة.
وعادت إلى البيت وذهنها مشتت، تفكر في الخلاص المختبئ في المجهول، لم تستطع أن تشاطر طفلتها ابتسامتها الهادئة التي غارت في نظراتها البريئة، لكنها كانت واثقة وهي تتهاوى في خطواتها متجهة إلى غرفتها أن قدرتها على الاحتمال قد ارعوت، وأن عليها أن تحسم كل شيء، ولكنها سرعان ما استجمعت قواها حين تسللت إليها براءة طفلتها، تدغدغ كيانها وكأنها تتوسل إليها أن تتريث.
وما إن استيقظت في صبيحة اليوم الموالي حتى وجدت الشمس على جبينها جالسة القرفصاء، وعلى شفتيها قلب من ياسمين وحنطة، ينتظر أن تمطر السماء !!! ..